الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع
في الاشتراك في الالتقاط
المبحث الأول
أن يكون الملتقطان متساويين في الصفات
[م-2051] إذا رأى اللقيط اثنان فبادر أحدهما إلى وضع يده عليه قبل الآخر كان هو الأحق؛ لأن استحقاق اللقطة إنما هو بالأخذ دون الرؤية أو القيام عليه.
قال في الإنصاف: «الشركة في الالتقاط أن يأخذاه جميعًا، ولا اعتبار بالقيام المجرد عنده؛ لأن الالتقاط حقيقة الأخذ، فلا يوجد بدونه
…
»
(1)
.
[م-2052] فإن تساويا في وضع اليد، قدم الأصلح لحفظه والقيام عليه، وسوف يأتينا إن شاء الله تعالى صفات التفضيل الذي يترجح فيها أحدهما على الآخر في المبحث التالي.
فإن استويا في الصفات كالإسلام والحرية، والعدالة، والغنى، والإقامة وغيرها من صفات التفضيل، ولا مرجح لأحدهما على الآخر، فإن رضي أحدهما بإسقاط حقه، وتسليمه إلى الآخر جاز؛ لأن الحق له، وقد أسقطه.
[م-2053] وإن تزاحما في أخذه فقد اختلف العلماء فيه على قولين:
القول الأول:
يرجع الأمر فيه إلى نظر القاضي واجتهاده، فيدفعه إلى الأصلح في نظره،
(1)
الإنصاف (6/ 121).
وهذا مذهب الحنفية، واختيار بعض الشافعية
(1)
.
قال ابن نجيم: «الملتقط إذا كان متعددا فإن أمكن الترجيح اختص به الراجح، ولم أر حكم ما إذا استويا، وينبغي أن يكون الرأي فيه إلى القاضي»
(2)
.
° حجة هذا القول:
لما كان الملتقط لا ولاية له على اللقيط عند الحنفية، وكان القاضي يعتبر واليًا لمن لا ولي له كان الفصل في هذا عند التساوي إلى القاضي، فيتحرى الأصلح في نظره واجتهاده.
القول الثاني:
أنه يقرع بينهما، فمن خرجت له القرعة دفع إليه، وهذا مذهب الجمهور من المالكية، والشافعية، والحنابلة
(3)
.
قال الشافعي: «ولو وجده رجلان فتشاحاه أقرعت بينهما، فمن خرج سهمه دفعته إليه»
(4)
.
(1)
البحر الرائق (5/ 156)،.
(2)
البحر الرائق (5/ 156)، حاشية ابن عابدين (4/ 271).
(3)
الشرح الكبير (4/ 126)، حاشية الصاوي على الشرح الصغير (4/ 182)، منح الجليل (8/ 249)، الخرشي (7/ 133)، مختصر المزني (ص: 136)، الحاوي الكبير (8/ 39)، نهاية المطلب (8/ 516)، تحفة المحتاج (6/ 345)، حاشيتا قليوبي وعميرة (3/ 125)، حاشية الجمل (3/ 615)، البيان للعمراني (8/ 20)، الإقناع في فقه الإمام أحمد (2/ 406)، كشاف القناع (4/ 231)، مطالب أولي النهى (4/ 253).
(4)
مختصر المزني (ص: 136).
وفي الإقناع في فقه الإمام أحمد: «فإن تساويا وتشاحا أقرع بينهما»
(1)
.
° حجة الجمهور على تحكيم القرعة:
الحجة الأولى:
لما استوى حقهما في الالتقاط، ولا مرجح لأحدهما، فليس أحدهما بأولى من الآخر، كانت القرعة هي الحكم عند تساوي الحقوق.
قال تعالى: {إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ} [آل عمران: 44].
وقوله تعالى: {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} [الصافات: 141].
الحجة الثانية:
(ح-1247) من السنة ما رواه مسلم من حديث عمران بن حصين أن رجلاً أعتق ستة مملوكين له عند موته، ولم يكن له مال غيرهم فدعا بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فجزأهم أثلاثاً، ثم أقرع بينهم، فأعتق اثنين، وأرق أربعة
(2)
.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سافر أقرع بين نسائه
الحجة الثالثة:
أنه لا يمكن أن يخير الصبي بينهما لعدم ميله إلى أحدهما بطبعه كما في تخيير الطفل بين أبويه لوجود الميل الناشئ عن الولادة، ولا يمكن أن يسلم اللقيط إلى غيرهما؛ لأنه قد ثبت لهما حق الالتقاط، فلا يجوز إخراجه عنهما، ولا يتصور قيامهما بحضانته على الاجتماع، ولا يمكن المهايأة بينهما، بأن يجعل عند كل
(1)
الإقناع في فقه الإمام أحمد (2/ 406).
(2)
صحيح مسلم (1668).
واحد يومًا فأكثر لما في ذلك من الإضرار بالطفل، لاختلاف الإلف والأنس فلم يبق إلا القرعة، والله أعلم.
° الراجح:
بعد استعراض الأدلة أجد أن القول بتحكيم القرعة أقوى من القول بالرجوع إلى القاضي، والله أعلم.
* * *