الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشرط الخامس
في اشتراط الغنى في الملتقط
[م-2042] تعرض بعض الفقهاء إلى غنى الملتقط، وهل يشترط أن يكون غنيًا؟ واختلفوا في المسألة على قولين:
القول الأول:
لا يشترط في الملتقط أن يكون غنيًا، وهو مذهب المالكية، والأصح في مذهب الشافعية
(1)
.
جاء في بداية المجتهد: «وليس من شرط الملتقط الغنى، ولا تلزم نفقة الملتقط على من التقطه»
(2)
.
وقال النووي: «لا يشترط في الملتقط الذكورة قطعًا، ولا الغنى»
(3)
.
وفي كفاية الأخيار: «ولا يشترط في الالتقاط الذكورة بلا خلاف، ولا الغني على الصحيح؛ لأنه لا يلزمه نفقته، نعم يجب عليه رعايته بما يحفظه والله أعلم»
(4)
.
(1)
بداية المجتهد (2/ 232)، الوسيط (4/ 304)، روضة الطالبين (5/ 419)، نهاية المطلب (8/ 512)، نهاية المحتاج (5/ 448)، كفاية الأخيار (ص: 320)، البيان للعمراني (8/ 18).
(2)
بداية المجتهد (2/ 232).
(3)
روضة الطالبين (5/ 419).
(4)
كفاية الأخيار (ص: 320).
واحتج أصحاب هذا القول:
الحجة الأولى:
أن النفقة لا تجب في مال الملتقط حتى يشترط الغنى، كما سيأتي إن شاء الله تعالى بيانه، فلم يكن هناك فرق بين الفقير والغني.
الحجة الثانية:
أن حضانة اللقيط ولاية، والمعسر من أهل الولاية.
الحجة الثالثة:
أن الرزق قد تكفل الله به للجميع، فهو يجري بضمان الله وكفالته، قال تعالى:{وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: 6]، فالأسباب الضرورية للحياة التي ينشأ عليها أبناء الفقراء مألوفة عندهم ويشبون عليها وتبنى فيها أجسامهم كأقوى ما تبنى الأجسام، وقد رأينا بالحس والمشاهدة ما يتمتع به أبناء الفقراء من مناعة ضد الأمراض مع الكفاف في العيش، وذلك من رعاية الله تعالى لخلقه
(1)
.
الحجة الرابعة:
أن صفة الغنى وصفة الفقر صفتان متقلبتان، فقد يمسي الرجل غنيًا، ويصبح فقيرًا، وقد يصبح فقيرًا ويمسي غنيًا.
القول الثاني:
أن الغنى شرط في الملتقط، فإن التقطه فقير لم يقر في يده، وهو وجه في مذهب الشافعية في مقابل الأصح.
(1)
تكملة المجموع (15/ 295).
قال الشيرازي: «وإن التقطه فقير ففيه وجهان:
أحدهما: لا يقر في يده؛ لأنه لا يقدر على القيام بحضانته، وفي ذلك إضرار باللقيط.
والثاني: يقر في يده؛ لأن الله تعالى يقوم بكفاية الجميع»
(1)
.
° وجه القول بأن الغنى شرط:
أن الفقر غالبًا ما يشغل الفقير بجمع قوته عن القيام بحق الحضانة، ولهذا تعوذ الرسول عليه السلام من الفقر.
القول الثالث:
يعتبر الغنى صفة تفضيل، كما لو تزاحم فيه اثنان، وليس الغنى شرطًا للالتقاط، وهذا مذهب الحنفية، والحنابلة
(2)
.
جاء في البحر الرائق: «فإن تنازع فيه ملتقطان .... فإن استويا قدم الغني وظاهر العدالة على فقير ومستور»
(3)
.
وقال ابن قدامة: «الثالث: أن يكون كل واحد منهما ممن يقر في يده لو انفرد، إلا أن أحدهما أحظ للقيط من الآخر، مثل أن يكون أحدهما موسرًا والآخر معسرًا، فالموسر أحق»
(4)
.
(1)
المهذب (1/ 436)، وانظر روضة الطالبين (5/ 419)، البيان للعمراني (8/ 18).
(2)
البحر الرائق (5/ 156)، المبدع (5/ 299)، كشاف القناع (4/ 230)، مطالب أولي النهى (4/ 251)، الشرح الكبير (6/ 384)، الإنصاف (6/ 442).
(3)
البحر الرائق (5/ 156).
(4)
المغني (6/ 42).
وجاء في الإنصاف: «وإن التقطه اثنان، قدم الموسر منهما على المعسر
…
لا أعلم فيه خلافًا»
(1)
.
وهذا القول في الحقيقة يرجع إلى القول الأول والذي لا يعتبر الغنى شرطًا، حيث جعلوه صفة تفضيل عند التزاحم، ولكن حين لم يتكلم الحنفية عن التقاط الفقير على الانفراد كان مقتضى الدقة في عزو القول أن يجعل هذا قسمًا ثالثًا، والله أعلم.
° الراجح:
أن الفقير من أهل الأمانة والتربية، فيصح التقاطه، والله أعلم.
(1)
الإنصاف (6/ 442).