الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفرع الثاني
في إعارة الأرض للبناء والغرس
[م-2120] سبق لنا في المبحث السابق خلاف العلماء في إعارة الأرض للزرع إذا أراد المعير الرجوع في عاريته قبل بلوغ الزرع الحصاد، وأناقش في هذا المبحث الخلاف في المعير يعير الأرض للغراس والبناء فيها، ثم يريد الرجوع في عاريته، فهل له ذلك؟ اختلف العلماء في ذلك:
القول الأول:
إذا أعار أرضه للبناء والغرس، وأراد المعير أن يرجع فله الرجوع، ولا يضمن المعير مطلقًا، سواء كانت العارية مطلقة أو مؤقتة، وهذا قول زفر من الحنفية.
° وجه قوله ذلك:
أن العارية عقد جائز، والتوقيت فيها غير ملزم؛ لأنه مجرد وعد، فإذا كان لا يضمن في العارية المطلقة، لم يضمن في العارية المؤقتة.
القول الثاني:
ذهب الحنفية إلى التفصيل، إن كانت الإعارة مطلقة فله أن يرجع فيها متى شاء، ويكلف المستعير بتفريغ الأرض من البناء والغرس، ولا يضمن المعير شيئًا.
وإن كانت العارية مؤقتة بأجل معين ثم أخرجه قبل الوقت فهو ضامن
للمستعير قيمة بنائه وغرسه
(1)
.
القول الثالث:
لم يفرق المالكية بين الإعارة للزرع والإعارة للغرس والبناء كما فعل الجمهور، وملخص المذهب المالكي:
أن الإعارة إن قيدت بعمل أو أجل فإنها تكون لازمة إلى انقضاء ذلك العمل أو الأجل، ولا يجوز له الرجوع قبل انتهاء العمل أو الأجل مطلقًا.
وإن كانت الإعارة مطلقة لم تقيد بعمل أو أجل فللمالكية ثلاثة أقوال:
الأول: وهو المعتمد أن الإعارة لا تلزم، ولربها أخذها متى شاء، ولا يلزم قدر ما تراد لمثله عادة، وهو قول ابن القاسم وأشهب.
الثاني: يلزم بقاؤها في يد المستعير قدر ما تراد لمثله عادة.
الثالث: إن كانت الإعارة للبناء والغرس، وحصلا فيلزم المعير بقاؤها قدر ما تراد لمثله عادة إلا أن يعطيه قال مرة: ما أنفق فيها. وقال أخرى: قيمة ما أنفق، وإن لم يعطه ذلك تركه إلى مثل ما يرى الناس أنه إعارة إلى مثله من الأمد.
وقد اختلف الشارحون: في الجمع بين الأمر بدفع ما أنفق، أو بدفع قيمة ما أنفق على ثلاثة أوجه ذكرتها في المسألة ما قبل السابقة، فأغنى ذلك عن إعادتها هنا، ولله الحمد
(2)
.
(1)
المبسوط (11/ 141).
(2)
الشرح الصغير مع حاشية الصاوي (3/ 577)، الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي (3/ 439)، شرح الخرشي (3/ 439)، مواهب الجليل (5/ 270 - 271)، التاج والإكليل (5/ 271)، منح الجليل (7/ 63)، الفواكه الدواني (2/ 168)، الإنصاف (6/ 104).
القول الرابع:
ذهب الحنابلة إلى أن المعير إذا أعار الأرض للغرس أو للبناء، فإن شرط المعير على المستعير القلع في وقت بعينه، أو شرط القلع متى رجع عن عاريته، لزم المستعير قلع ما غرسه وهدم ما بناه عند الوقت الذي عينه، أو عند رجوع المعير، ولم يلزم رب الأرض نقص الغراس والبناء، ولا يلزم المستعير تسوية الأرض إلا بشرط.
° وجه القول بذلك:
أن المستعير قد دخل في العارية راضيًا بالتزام الضرر الذي دخل عليه، وقد شرط عليه القلع، والمؤمنون عند شروطهم.
وإن لم يشترط المعير على المستعير القلع لم يلزم المستعير القلع إلا أن يضمن له المعير النقص، ولو قلع المستعير غرسه وهدم بناءه باختياره لزمه تسوية الحفر؛ لأنها حصلت بفعله لتخليص ماله من ملك غيره من غير إلجاء.
° وجه القول بذلك:
قد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ليس لعرق ظالم حق. والمستعير ليس ظالمًا فكان له حق، وإنما حصل له غراسه أو بناؤه في الأرض بإذن مالكه، ولم يشترط عليه قلعه، فلم يلزمه لدخول الضرر عليه بنقص قيمته.
ولأن العارية عقد إرفاق ومعونة، وإلزامه بالقلع مجانًا يخرجه إلى حكم العدوان والضرر
(1)
.
هذه هي الأقوال في المسألة، وأقربها الله أعلم مذهب الحنابلة.
* * *
(1)
كشاف القناع (4/ 66 - 67)، مطالب أولي النهى (3/ 732).