الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الرابع
في تعليق الإعارة وإضافتها إلى المستقبل
[م-2097] اختلف الفقهاء في جواز تعليق الإعارة وإضافتها للمستقبل.
تعريف التعليق:
ربط حصول مضمون جملة بحصول مضمون جملة أخرى بأداة من أدوات الشرط
(1)
.
مثال التعليق أن تقول: إذا جاء غدًا فقد أعرتك، ومثال الإضافة أن تقول: أعيرك إياها غدًا.
والفرق بين التعليق والإضافة:
تعليق العارية بالشرط: هو ربط حصول العارية بواقعة تحتمل الحدوث في المستقبل، كأن يقول: إذا قدم زيد فقد أعرتك سيارتي، أو إذا ملكت هذه الأرض فقد أعرتك إياها لتزرعها
(2)
.
فالصيغة المعلقة على شرط لا تنشئ العارية إلا بعد تحقق هذا الشرط.
ويختلف تعليق العارية بالشرط عن إضافتها إلى الزمن المستقبل:
فتعليق العارية: تعليق إنشاء العارية على حصول أمر آخر، فإن حصل انعقدت العارية، وإن لم يحصل فالعارية لم تنعقد أصلًا، كأن يقول: إن رضي شريكي فقد أعرتك، فقبل رضا الشريك لم تنعقد العارية.
(1)
. البحر الرائق (4/ 2)، الدر المختار (3/ 341)، حاشية ابن عابدين (5/ 240).
(2)
. انظر أحكام الوصية د. حسين حامد حسان (ص: 54).
وأما إضافة العارية إلى المستقبل، فالعارية تنعقد في الحال، وأثرها لا يوجد إلا في الوقت الذي أضيفت إليه، كأن يقول: سيارتي عارية بعد شهر، فالنص ليس فيه تعليق، فالعارية منعقدة في الحال، وتنفيذ العارية يتأخر إلى الوقت الذي أضيف إليه.
وقد اختلف العلماء في العارية هل تقبل التعليق والإضافة إلى المستقبل أو لا؟ والخلاف فيها كالخلاف في الهبة، منعًا وجوازًا؛ لأن العارية تبرع بالمنفعة، لهذا سيخرج الخلاف في العارية على الخلاف في الهبة إذا لم نجد نصًا في العارية.
إذا علم ذلك نقول اختلف العلماء في صحة تعليق العارية وإضافتها إلى المستقبل على أقوال:
القول الأول:
لا يجوز إضافة العارية، ولا تعليقها، وهو مذهب الحنفية، والحنابلة
(1)
.
واستثنى الحنفية والشافعية التعليق الصوري، بأن كان المعلق عليه محققًا وقت التكلم كما لو قال: إن كان هذا الشيء ملكي فقد أعرته لك، وهو في الواقع ملكه؛ لأن هذه في الحقيقة صيغة منجزة في صورة معلقة.
ولأن هذا تصريح بمقتضى العقد، فإن الإنسان لا يهب إلا ما يملك، فذكره من باب التوكيد.
واستنثى الشافعية التعليق بصورة: أعرتك إن شئت.
(1)
الأشباه والنظائر لابن نجيم (ص: 318)، حاشية ابن عابدين (5/ 252، 256)، بدائع الصنائع (6/ 118)،.
واستثنى الحنابلة ما إذا علق الإيجاب على مشيئة الله، كما لو قال: أعرتك إن شاء الله. وقد ذكرت هذه الصورة في تعليق عقد البيع.
القول الثاني:
تصح إضافة العارية دون تعليقها، وهو قول في مذهب الحنفية
(1)
.
جاء في حاشية ابن عابدين: «تبطل إضافة الإعارة، بأن قال: إذا جاء غد فقد أعرتك؛ لأنها تمليك المنفعة، وقيل تجوز، ولو قال أعرتك غدًا تصح»
(2)
.
فالمثال الأول: تعليق، لهذا أبطله، والمثال الثاني: إضافة، لهذا صححه.
القول الثالث:
صحة تعليق العارية، وهو قول في مذهب الحنفية، ويمكن تخريجه على صحة تعليق الوقف عند المالكية؛ لأن الوقف من عقود الهبات خاصة إذا كان على معين، ولهذا لم يشترط فيه البر، وقال بعض الشافعية بصحة تعليق الإعارة، وصحح الحارثي وابن تيمية وابن القيم من الحنابلة تعليق الهبة وإضافتها إلى المستقبل، وإذا صح ذلك في الهبة صح في العارية؛ لأن كلًا منهما تمليك بلا عوض، إلا أن الهبة في الأعيان والعارية في المنافع، وهذا لا يشكل فرقًا
(3)
.
(1)
حاشية ابن عابدين (5/ 248، 256).
(2)
حاشية ابن عابدين (5/ 256).
(3)
الإلتزامات للحطاب (1/ 180)، مواهب الجليل (6/ 32)، الشرح الكبير (4/ 87)، حاشية الدسوقي (4/ 87)، الخرشي (7/ 91)، الذخيرة (6/ 326)، منح الجليل (8/ 144)، مغني المحتاج (2/ 266)، حاشية الشرواني على تحفة المحتاج (5/ 420)، روضة الطالبين (4/ 96)، فتح العزيز (10/ 139)، مجموع الفتاوى (31/ 25)، الإنصاف (7/ 23)، أعلام الموقعين (4/ 102)، أحكام أهل الذمة (2/ 752)، وانظر معايير المحاسبة والمراجعة، طبعة 1997، ص 311 ـ 312.
ولأن الذين منعوا من التعليق في عقود المعاوضات فلأن العقد يكون دائرًا بين الوجود والعدم، وهذا يوقع في الغرر، والمالكية يجيزون الغرر في عقود التبرعات، كما سبق بحثه في عقد الهبة، فكان مقتضى مذهبهم جواز التعليق في عقود التبرعات.
جاء في حاشية ابن عابدين نقلًا من جامع الفصولين: «قال: إذا جاء غد فقد أعرتك تبطل؛ لأنها تمليك المنفعة، وقيل: تجوز كالإجارة، وقيل: تبطل الإجارة. ولو قال: أعرتك غدًا تصح العارية»
(1)
.
وجاء في مغني المحتاج: «يجوز تعليق الإعارة، وتأخير القبول، ففي الروضة وأصلها: أنه لو رهنه أرضًا، وأذن له في غراسها بعد شهر، فهي بعد الشهر عارية، غرس أم لا، وقبله أمانة حتى لو غرس قبله قلع»
(2)
.
والمثال يصح على صحة إضافة الإعارة، لا تعليقها، نعم يصح تعليقًا لو قال: إذا دخل الشهر فقد أذنت لك في غراسها، والله أعلم.
(3)
.
(1)
حاشية ابن عابدين (5/ 248).
(2)
مغني المحتاج (2/ 266).
(3)
أسنى المطالب (2/ 327).
القول الرابع:
تصح العارية، ويبطل الشرط بناء على أن الشروط الفاسدة لا تبطل العقد، وهو قول في مذهب الحنابلة في عقد الهبة
(1)
.
وقد سبق أن ناقشت تعليق العقود، سواء منها ما كان من عقود المعاوضات كالبيع والإجارة أو كان من عقود التبرع كالوقف والوصية والهبة، وذكرنا أدلة المسألة هنالك فأغنى ذلك عن إعادتها هنا، ولله الحمد.
(1)
المبدع (5/ 323).