الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني
في استرداد اللقطة بمعرفة بعض صفاتها
[م-2029] إذا ادعى اللقطة فعرف بعض صفاتها كعفاصها وجنسها وجهل عددها ووزنها، فهل تدفع إليه؟
أما من قال: لا يجب دفع اللقطة بذكر العلامات وحدها إذا لم يكن هناك بينة كمذهب الحنفية والشافعية فهذا المسألة لا تتنزل على مذهبهم
(1)
.
وأما من قال: تدفع اللقطة بذكر علاماتها، فقد اختلفوا على قولين:
القول الأول:
لا بد من ذكر الوكاء والعفاص والعدد إن كانت دراهم أو دنانير، وهو قول ابن القاسم وأشهب
(2)
.
قال الباجي في المنتقى: «والمراعى فيما يصف من ذلك صفة العفاص والوكاء والعدد إن كانت دراهم أو دنانير، قاله ابن القاسم وأشهب، وعند أصبغ: العفاص والوكاء»
(3)
.
قال ابن حجر في الفتح: «وقول بن القاسم أقوى؛ لثبوت ذكر العدد في
(1)
عمدة القارئ للعيني (2/ 110)، الهداية شرح البداية (2/ 419)، بدائع الصنائع (6/ 202)، شرح النووي على صحيح مسلم (12/ 25).
(2)
شرح الزرقاني على الموطأ (4/ 95)، مواهب الجليل (6/ 70)، الفواكه الدواني (2/ 174)، بداية المجتهد (2/ 230)، شرح الخرشي (7/ 121)، نيل الأوطار (5/ 409).
(3)
المنتقى للباجي (6/ 136).
الرواية الأخرى وزيادة الحافظ حجة»
(1)
.
وفي مواهب الجليل: «اعتبار عدد الدنانير والدراهم قولان، قال في التوضيح القول الأول باعتباره لابن القاسم والأخير لأصبغ والأول أظهر
…
»
(2)
.
القول الثاني:
لا يشترط معرفة العدد إذا عرف العفاص والوكاء، وهو قول أصبغ وابن رشد من المالكية، وابن عبد البر، وهو المشهور
(3)
.
جاء في التاج والإكليل: قال «ابن رشد: أما جهله بالعدد فلا يضره إذا عرف العفاص والوكاء»
(4)
.
قال ابن عبد البر: «وتدفع اللقطة إلى متعرفها إن عرف عفاصها ووكاءها، وإن لم يعرف عدد دنانيرها ودراهمها، ولا صفة سكتها»
(5)
.
ويرجع الخلاف في اشتراط ذكر العدد، أنه قد اختلف في ذكره في رواية زيد بن خالد، وجاء ذكر العدد في رواية أبي بن كعب، فمن رأى أن ذكر العدد في رواية زيد بن خالد زيادة من حافظ، وقد تأكد ذلك في رواية أبي بن كعب ذهب إلى اعتبار اشتراط ذكر العدد في ذكر صفات اللقطة.
(1)
فتح الباري (5/ 82).
(2)
مواهب الجليل (6/ 70).
(3)
المقدمات الممهدات (2/ 483)، حاشية الدسوقي (4/ 118، 119)، التاج والإكليل (6/ 70)، منح الجليل (8/ 229).
(4)
التاج والإكليل (6/ 70).
(5)
الكافي (ص: 425).
ومن رأى أن أكثر الرواة في حديث زيد بن خالد قد اكتفوا بذكر العفاص والوكاء، وأن العدد تارة يذكر في صفاتها، وتارة لا يذكر أخذ من ذلك أنه لا يشترط استقصاء جميع الصفات، فإذا جاء ببعض صفاتها دفعت إليه.
إذا علم ذلك نأتي لتخريج رواية ذكر العدد في الحديثين ليعلم ما هو المحفوظ من الشاذ.
جاء ذكر العدد في حديث زيد بن خالد:
(ح-1244) رواه مسلم وغيره من طريق أبي بكر الحنفي، عن الضحاك بن عثمان، عن أبي النظر، عن بسر بن سعيد،
عن زيد بن خالد الجهني قال: سئل رسول الله عليه السلام عن اللقطة، فقال: عرفها سنة فإن اعترفت فأدها، وإلا فاعرف عفاصها ووكاءها وعددها، ثم كلها، فإن جاء صاحبها فأدها إليه
(1)
.
اختلف فيه على الضحاك بن عثمان:
فرواه مسلم وغيره من طريق عبد الله بن وهب، حدثني الضحاك بن عثمان به، ولم يذكر العدد.
وتابعه ابن أبي فديك عند أحمد
(2)
، وأبي داود
(3)
، فرواه عن الضحاك به، ولم يذكر العدد.
وخالفهما في ذلك أبو بكر الحنفي، عند مسلم
(4)
، فرواه عن الضحاك بن عثمان بذكر العدد.
(1)
مسلم (7 - 1722).
(2)
المسند (5/ 193).
(3)
سنن أبي داود (1706).
(4)
مسلم (8 - 1722).
وعبد الله بن وهب أرجح من أبي بكر الحنفي، وقد توبع عبد الله بن وهب في هذا الإسناد.
كما جاء ذكر العدد من طريق حماد بن سلمة، عن يحيى بن سعيد الأنصاري وربيعة الرأي، عن يزيد مولى المنبعث، عن زيد بن خالد الجهني، رواه مسلم بلفظ:(فإن جاء صاحبها فعرف عفاصها، وعددها ووكاءها، فأعطها إياه وإلا فهي لك).
وقد خالف حمادًا جمع من الرواة ممن رووه عن ربيعة الرأي، ويحيى بن سعيد الأنصاري فلم يذكروا العدد، منهم:
الأول: مالك كما في صحيح البخاري ومسلم وأكتفي بالصحيحين عن غيرهما
(1)
.
الثاني: إسماعيل بن جعفر، كما في صحيح البخاري ومسلم
(2)
وأكتفي بالصحيحين عن غيرهما.
الثالث: سفيان الثوري، كما في صحيح البخاري
(3)
.
الرابع: سليمان بن بلال كما في صحيح البخاري، وأكتفي بالبخاري عن غيره
(4)
.
الخامس: عمرو بن الحارث، كما في صحيح ابن حبان
(5)
.
(1)
البخاري (2372، 2429)، ومسلم (1 - 1722).
(2)
صحيح البخاري (2436) ومسلم (2 - 1722).
(3)
صحيح البخاري (2427، 2428).
(4)
صحيح البخاري (91).
(5)
صحيح ابن حبان (4890).
السادس: أيوب بن موسى، كما في معجم الطبراني في الأوسط وفي الكبير
(1)
، كلهم رووه عن ربيعة، عن يزيد مولى المنبعث، عن زيد بن خالد الجهني، بدون ذكر العدد.
ومالك وحده أو الثوري وحده مقدم على حماد بن سلمة، فكيف بهؤلاء الجماعة.
أما من رواه عن يحيى بن سعيد الأنصاري مخالفًا لحماد:
فقد رواه البخاري ومسلم
(2)
، من طريق سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد الأنصاري به بدون ذكر العدد موافقًا لرواية الجماعة عن ربيعة الرأي.
لهذا أستطيع أن أقول إن المحفوظ من حديث زيد بن خالد الجهني ذكر العفاص والوكاء بدون ذكر العدد، والذي ذكرها كالضحاك بن عثمان قد اختلف عليه فيه، ومن رواها عنه بدون ذكر العدد أكثر وأتقن حفظًا ممن ذكرها، وأما رواية حماد بن سلمة فإنها لا تقوى على مخالفة الأئمة من مثل مالك والثوري ومن تابعهما، والله أعلم.
ويبقى ذكر العدد قد جاء من رواية أبي بن كعب:
(ح-1245) فقد روى البخاري ومسلم من طريق غندر، حدثنا شعبة، عن سلمة بن كهيل، قال: سمعت سويد بن غفلة،
عن أبي بن كعب، قال: إني وجدت صرة فيها مائة دينار على عهد رسول الله عليه السلام، فأتيت بها رسول الله عليه السلام، فقال: عرفها حولًا، قال: فعرفتها فلم أجد من يعرفها، ثم أتيته، فقال: عرفها
(1)
المعجم الأوسط (8685)، والمعجم الكبير (5252) من طريق عبد الله بن صالح، حدثني الليث، عن يحيى بن أيوب، عن أيوب بن موسى.
(2)
صحيح البخاري (2428)، وصحيح مسلم (5 - 1722).
حولًا، فعرفتها، فلم أجد من يعرفها، ثم أتيته، فقال: عرفها حولًا، فعرفتها فلم أجد من يعرفها، فقال: احفظ عددها، ووعاءها، ووكاءها، فإن جاء صاحبها وإلا، فاستمتع بها، فاستمتعت بها، فلقيته بعد ذلك بمكة، فقال: لا أدري بثلاثة أحوال أو حول واحد. واللفظ لمسلم، وفيه قصة لسلمان بن ربيعة وزيد بن صوحان مع سويد بن غفلة.
ورواه مسلم من طريق بهز عن شعبة، به، وفيها: قال شعبة: فسمعته بعد عشر سنين يقول: عرفها عامًا واحدًا
(1)
.
وجاء ذكر العدد من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده إلا أنه قد اختلف فيه على عمرو في ذكر العدد.
فأخرجه الطوسي في مستخرجه على جامع الترمذي
(2)
من طريق حماد بن سلمة، عن عبيد الله بن عمرو، عن عمرو بن شعيب به، بلفظ:(اعرف عددها ووعاءها وعفاصها، ثم عرفها عامًا، فإن جاء صاحبها فعرف عددها ووعاءها وعفاصها فادفعها إليه، وإلا فهي لك).
وعلقه أبو داود في سننه
(3)
.
وانفرد حماد بن سلمة بذكر العدد، فقد رواه ابن أبي شيبة في المصنف وأحمد، وأبو داود من طريق محمد بن إسحاق
(4)
.
(1)
صحيح البخاري (2437، 2426)، ومسلم (9 - 1723).
(2)
مختصر الأحكام المستخرج على جامع الترمذي (1280).
(3)
سنن أبي داود (1708).
(4)
المصنف تحقيق عوامة (22051)، ومسند أحمد (2/ 180، 203)، وسنن أبي داود (1713).
ورواه أحمد من طريق عبد الرحمن بن الحارث
(1)
.
ورواه ابن أبي شيبة أيضًا من طريق هشام بن سعد
(2)
.
ورواه النسائي من طريق عبيد الله بن الأخنس
(3)
.
ورواه أبو داود النسائي والبيهقي من طريق ابن عجلان
(4)
.
ورواه ابن الجارود في المنتقى والنسائي في الكبرى، والطحاوي وابن خزيمة من طريق عمرو بن الحارث وهشام بن سعد
(5)
.
ورواه الطبراني في الأوسط، والدارقطني في السنن من طريق أيوب السختياني
(6)
.
ورواه الشافعي في مسنده، والحميدي في مسنده، والطبراني في الأوسط، والدارقطني في السنن، والحاكم في المستدرك، والبيهقي في الكبرى من طريق يعقوب بن عطاء
(7)
.
ورواه الشافعي في مسنده، والحميدي في مسنده، والحاكم في المستدرك،
(1)
المسند (2/ 186).
(2)
المصنف (22078).
(3)
المجتبى (2494)، والسنن الكبرى (2283).
(4)
سنن أبي داود (1710)، السنن الكبرى للنسائي (5795)، وسنن البيهقي (6/ 186).
(5)
السنن الكبرى للنسائي (5796)، مشكل الآثار (12/ 159)، شرح معاني الآثار (4/ 135)، المنتقى لابن الجارود (652)، صحيح ابن خزيمة (2178).
(6)
المعجم الأوسط (5212)، وسنن الدراقطني (4/ 235).
(7)
مسند الشافعي (441)، ومسند الحميدي (608)، وسنن الدراقطني (4/ 235)، والمعجم الأوسط (1983)، ومستدرك الحاكم (2/ 65)، وسنن البيهقي (4/ 154).
والبيهقي في السنن الكبرى من طريق داود بن شابور
(1)
.
ورواه البيهقي من طريق الوليد بن كثير
(2)
.
ورواه الطبراني في الأوسط من طريق سفيان بن حسين الواسطي
(3)
.
كلهم رووه عن عمرو بن شعيب بدون ذكر العدد مخالفين لرواية حماد بن سلمة، عن عبيد الله بن عمر، عن عمرو بن شعيب، وأعتقد أنه دخل على حماد بن سلمة حديث زيد بن خالد بحديث عبد الله بن عمرو، وهو قد روى الحديثين كما أسلفنا في التخريج، والله أعلم.
فذكر العدد محفوظ من حديث أبي بن كعب رضي الله عنه، فالفقه أن يقال: إن عدم ذكره في رواية زيد بن خالد الجهني دليل على أن الرجل إذا ذكر بعض صفاتها جاز الدفع إليه، ولو لم يأت على جميع صفاتها، والله أعلم.
وبهذا أكون قد انتهيت من بحث المسائل المختارة من عقد اللقطة، فلله الحمد والمنة.
* * *
(1)
مسند الشافعي (441)، ومسند الحميدي (608)، ومستدرك الحاكم (2/ 65)، وسنن البيهقي الكبرى (4/ 154).
(2)
سنن البيهقي (6/ 189).
(3)
المعجم الأوسط (526).