الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أ- خطأ في المنهج: ذلك أن مناهج البحث التي سار عليها علماء الغرب، مناهج غريبة عن طبيعة ديننا، فكان ينبغي أن يتنبه مفسرنا إلى هذا
…
وقد ذكر العلماء أن أسباب العلم للخلق ثلاثة: الخبر المتواتر والحواس والعقل وهذا مصداق قوله تعالى {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36)} [الإسراء: 36]، فهناك أمور لا يمكن أن نصل إلى معرفتها عن طريق حواسنا، ولا حتى عن طريق العقل، فنقل الأستاذ عن بعض علماء الغرب بحثهم في عالم الملائكة وغيره من الغيبيات، لا يرتكز على منهج صحيح في البحث، وكم كان من الخير أن يرد الأستاذ مثل هذا، لا أن يورده على أنه من المسلمات.
ب- خطأ موضوعي هو إيراده لتلك المسائل في تفسيره، ومحاولته تطبيق ذلك على الآيات، مع أن مسألة تحضير الأروح من أساسها، ظن لا يغني من الحق شيئًا، كما أن نقله عن إخوان الصفا وغيرهم، وتقريره أن الرسول صلى الله عليه وسلم ارتقى في العلم، إلى حد لا يمكن للأرواح الناقصة أن تتعلم منه، وتطبيقه ذلك كذلك على استراق السمع، وافتتانه بعلماء الغرب، كل ذلك ثغرات في تفسيره، كان من الخير له وللقراء تحاشيها.
4 - إغراب الأستاذ في التأويل، وتضييقه لنطاق الخوارق ولو كلفه ذلك رد الأحاديث الصحيحة:
وهذا هو العجب حقًّا، الأستاذ الذي ينقل عن علماء الغرب بأنهم رأوا الله والملائكة، وحادثوا أرواح الموتى، نجده مع ذلك لا يستطيع أن يحمل عقله وعقول القراء، بعض ما أرشدت إليه الآيات القرآنية في صراحة ووضوح.
ولنستمع إلى الشيخ في أمثلة ننقلها من تفسيره:
أ- شططه في تأويل آيات استراق السمع والرجم بالشهب:
يقول في سورة الصافات (1).
{وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ (7)} [الصافات: 7] أي وحفظنا السماء أن يتطاول لدرك جمالها، وفهم محاسن نظامها الجهال والشياطين المتردون من الجن والإنس، لأنهم غافلون عن آياتنا، معرضون عن التفكير في عظمتها، فالعيون مفتحة ولكن لا تبصر الجمال، ولا تفكر فيه حتى تعتبر بما فيه.
{لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى} [الصافات: 8] أي إن كثيرًا من أولئك الجهال والشياطين، محبوسون في هذه الأرض غائبة أبصارهم عن الملأ الأعلى، لا يفهمون رموز هذه الحياة وعجائبها، ولا ترقى نفوسهم إلى التطلع إلى تلك العوالم العليا، والتأمل في إدراك أسرارها، والبحث في سر عظمتها.
{وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ (8) دُحُورًا} [الصافات: 8 - 9] أي وقد قذفتهم شهواتهم، وطردتهم من كل جانب، فهم تائهون في سكراتهم، تتخطفهم الأهواء والمطامع والعداوات والإحن، فلا يبصرون ذلك الجمال الذي يشرق للحكماء، ويبهر أنظار العلماء، ويتجلى للنفوس الصافية، ويسحرها بعظمته، وهم ما زالوا يدأبون على معرفة هذا السر حتى ذاقوا حلاوته، فخرّوا ركعًا سجدًا، مذهولين من ذلك الجمال والجلال، {وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ} [الصافات: 9] أي أولئك لهم عذاب دائم، بتقصيرهم عن البحث في سر عظمة هذا الكون، والوصول بذلك إلى عظمة خالقه وبديع قدرته، ثم بين من وفقهم الله وأنعم عليهم ممن ظفروا بالمعرفة فقال:
{إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ (10)} [الصافات: 10] أي إلا من لاحت له بارقة من ذلك الجمال، وعنت له سانحة منه، فتخطفت بصيرته كالشهاب الثاقب، فحن إلى مثلها، وصبت نفسه إلى أختها، وهام بذلك الملكوت العظيم، باحثًا عن سر عظمته ومعرفة كنه جماله، وهم من اصطفاهم الله من عباده، وآتاهم الحكمة من لدنه وأيدهم بروح من عنده، وهم (أنبياؤه وأولياؤه) الذين أنعم عليهم من
(1) تفسير المراغي جـ 23 ص 43.
الصديقين والشهداء والصالحين. وفي سورة الملك يقول (1):
(وقصارى القول أن هذه الكواكب، كما هي زينة الدنيا، وأسباب لرزق ذوي الصلاح من الأنبياء والعلماء والحكماء، هي أيضًا سبب لتكون الأرزاق المهيجة لشياطين الإنس والجن، فهذا العالم قد اختلط فيه الضر بالنفع، وأعطى لكل ما استعد له، فالنفوس الفاضلة والنفوس الشريرة، استمدت من هذه المبادرة المسخرة المقهورة، فصارت سببًا لثواب النفوس الطيبة، وعذاب النفوس الخبيثة، وصار لهم فيها رجوم وظنون، إذ هم قد استمدوا شيطنتهم، من مظاهر الطبيعة الناشئة من الحرارة والضوء.
أما عند تفسيره لقول الله تعالى: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8)} [الجن: 8] فيقول: فمن يستمع الآن يجد له شهابًا رصدًا، أي فمن يرم أو يسترق السمع اليوم يجد له شهابًا مرصدًا لا يتخطاه ولا يتعداه، بل يهلكه ويمحقه.
وإنا لنؤمن بما جاء في الكتاب الكريم من أن الجن كانوا يسترقون السمع، ومنعوا من ذلك بعد بعثته صلى الله عليه وسلم، ولكن لا نعرف كيف كانوا يسترقون السمع، ولا نعرف الحرس الذين منعوهم ولا المراد بالشهب التي كانت رصدًا لهم، والجن أجسام نارية فكيف تحترق من الشهب.
ويرى قوم أن مقاعد السمع هي مواضع الشبه التي يوسوس بها الجن في صدور الناس، ليصدوهم عن اتباع الحق، والحرس -هي الأدلة العقلية التي نصبها سبحانه لهداية عباده، والشهب الأدلة الكونية التي وضعها في الانفس والآفاق.
وعلى هذا يكون المعنى- أن القرآن الكريم بما نصب من الأدلة العقلية والأدلة الكونية، حرس الدين من تطرق الشبه التي كان الشياطين يوسوسون بها في صدور الزائغين، ويحوكونها في قلوب الضالين، ليمنعوهم من تقبل الدين والاهتداء
(1) تفسير المراغي جـ 29 ص 99.