الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأستاذ الأكبر الشيخ محمد الخضر حسين رحمه الله
" هو الأستاذ محمد الخضر بن الحسين بن علي بن عمر الحسني التونسي: عالم إسلامي أديب باحث، يقول الشعر، من أعضاء المجمعين العربيين بدمشق والقاهرة، وممن تولوا مشيخة الأزهر ولد في نقطة (من بلاد تونس) وانتقل إلى تونس مع أبيه سنة (1306) وتخرج بجامع الزيتونة ودرس فيه، وأنشأ مجلة (السعادة العظمى) سنة (1321 - 1323) وولي قضاء بنزرت (1323) واستعفى وعاد إلى التدريس بالزيتونة (سنة 24) وعمل في لجنة تنظيم المكتبتين العبدلية والزيتونة. وزار الجزائر ثلاث مرات ويقال أصله منها، ورحل إلى دمشق (سنة 30) ومنها إلى الأستانة، وعاد إلى تونس (سنة 31) فكان من أعضاء (لجنة التاريخ التونسي) وانتقل إلى المشرق فاستقر في دمشق مدرسًا في المدرسة السلطانية قبل الحرب العالمية الأولى.
وانتدبته الحكومة العثمانية في خلال تلك الحرب للسفر إلى برلين، مع الشيخ عبد العزيز جاويش وآخرين، فنشر بعد عودته إلى دمشق سلسلة من أخبار رحلته في جريدة المقتبس الدمشقية.
ولما احتل الفرنسيون سورية انتقل إلى القاهرة (1922) وعمل مصححًا في دار الكتب خمس سنوات، وتقدم لامتحان العالمية الأزهرية فنال شهادتها. ودرس في الأزهر وأنشأ جمعية الهداية الإسلامية وتولى رئاستها وتحرير مجلتها. وترأس تحرير مجلة (نور الإسلام) الأزهرية ومجلة (لواء الإسلام) ثم كان من هيأة كبار العلماء، وعين شيخًا للأزهر أواخر (1371) واستقال سنة (73) وتوفي بالقاهرة ودفن بوصية منه في تربة صديقه أحمد تيمور باشا، وكان هادى الطبع وقورا، خص قسمًا كبيرًا من وقته لمقاومة الاستعمار وانتخب رئيسًا لجبهة الدفاع عن شمال أفريقيا (1).
إن من أعظم نعم الله تعالى على هذه الأمة، أن يهيئ لها رجالًا، أقوياء الإيمان أشداء في الحق، يبنون لها دينها، ويقفون بالمرصاد لكل مارق وماكر. ولقد كان
(1) الأعلام (6/ 113).
شيخنا رحمه الله من هؤلاء فكانت حياته كلها وقفًا على هذه الأمة، وذلك بما منحه الله من قلم سيال، وأسلوب بليغ، وفكر ثاقب، يمد هذا كله عقيدة راسخة.
تلقى الشيخ علومه -كما قلت- في تونس، ومن شيوخه الشيخ سالم أبو حاجب، والشيخ إبراهيم الرياحي رحمهم الله.
ولقد كان في جهاد مستمر، لم تغره الدنيا بمغرياتها المختلفة من منصب وجاه ومال، فتحول بينه وبين أن يصدع بالحق.
فقد تعرض لحكم الإعدام مرتين، بسبب استمساكه بحق الإسلام والوطن الإسلامي عليه، فكان له المقام الأوّل بين المجاهدين للاحتلال الفرنسي في تونس، ثم هاجر إلى سوريا، ولما أن حدثت الطامة بسقوط الخلافة واحتلال الفرنسيين لبلاد الشام، رحل إلى مصر محتسبًا النية في الهجرة، ولمصر طبيعة تحمد في إكرام من يفد إليها، وبخاصة إذا كان من هؤلاء الأعلام، فتضمه حنانًا وعطفًا فلا يشعر بغربة.
عمل الشيخ -كما مر- مدرسًا في كلية أصول الدين، ثم عين شيخًا للأزهر.
وهو من الشيوخ القلائل الذين تركوا هذا المنصب قبل وفاتهم.
ولقد آمن الرجل بالقرآن، وثيقة خالدة وكتاب حياة للأحياء، فكان يرمي بسهامه الصائبة، كل من أراد أن يحوم حوله، بشبهة تشكيك أو تأويل فاسد بعيد. فمواقفه وكتاباته في الرد على فريد وجدي، الذي عد معظم محكم القرآن متشابهًا (1)، وردوده على الشيخ حامد محيسن رحمه الله، في تأويل آيات قصة أيوب عليه السلام في سورة (ص) وغيرها، ورده على صاحب الفن القصصي في القرآن، ودحضه لأباطيل المستشرقين أمثال جولد تسهير، كل هذا ينبغي أن نسجله بكل إكبار للشيخ (2) رحمه الله.
(1) وذلك قبل أن يرجع عن بعض آرائه التي لا تتفق مع جوهر القرآن الكريم.
(2)
انظر مقالاته في مجلات الفتح والهداية الإسلامية ولواء الإسلام، وقد جمعها الأستاذ علي رضا التونسي في كتاب سماه (بلاغة القرآن).
إن ميزات العالم من جرأة، وعمق في البحث، وسعة في الإطلاع، ودأب على النهل من العلم، كل ذلك اجتمعت له، ولو لم يكن له إلا ذلك التراث الهائل من المقالات المتعددة، في كثير من الصحف والمجلات، لكان ذلك شيئًا عظيمًا، يذكر في ميزان العلم وأهله.
ذكر له صاحب الأعلام (1) من التآليف:
1 -
حياة اللغة العربية.
2 -
الخيال في الشعر العربي.
3 -
مناهج الشرف.
4 -
الدعوى إلى الإصلاح.
5 -
طائفة القاديانية.
6 -
مدارك الشريعة الإسلامية.
7 -
الحرية في الإسلام.
8 -
نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم.
9 -
نقض كتاب في الشعر الجاهلي.
10 -
خواطر الحياة.
11 -
بلاغة القرآن.
12 -
السعادة العظمي.
ومن مؤلفاته كذلك:
13 -
رسالة في السيرة النبوية.
14 -
القياس في اللغة العربية.
15 -
محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وغيرها.
(1)(6/ 113).
يقول الأستاذ عبد الله عقيل سليمان العقيل في كتابه "من أعلام الدعوة والحركة الإسلامية المعاصرة" عن الأستاذ محمد الخضر حسين:
"وكان تمكن الشيخ محمد الخضر حسين في الدفاع عن الإسلام ومبادئه وقيمه مدعاة للتقدير، فتقدم لامتحان العالمية بالأزهر وكان رئيس اللجنة عبد الحميد اللبان، وقد أبدى الشيخ الخضر حسين من الرسوخ والتمكن في العلوم ما لا حدود له، حتى إن الشيخ اللبان قال عنه: إن هذا بحر لا ساحل له" وبهذا نال الشهادة العالمية الأزهرية وصار أستاذًا في الأزهر، ومدرسًا في كلية أصول الدين
…
"
…
تولى مشيخة الأزهر أواخر عام 1371 هـ، غير أنه ترك المشيخة محتسبًا في سنة (1373 هـ - 1953 م)، لأنه رأى القوم لا يسمعون النصح، ولا يلتزمون الأدب مع أهل العلم، فآثر البعد وترك المشيخة لمن يتزاحمون على المنصب في ظل الخضوع للحاكم الظالم والديكتاتور المستبد.
سعدت بمعرفة أستاذنا الجليل وشيخنا الكبير، والتقيته مرات ومرات، وشرفنا بتوليه الأزهر، فهو أهل له، لكنه حين رأى تصرفات الضباط العسكريين من رجال الثورة وتسلطهم على البلاد والعباد، وانتشار الظلم والفساد، ومحاربة الدعاة إلى الله، وإلغاء الشورى، وفرض حكم الفرد الديكتاتوري المستبد، آثر ترك المشيخة، فهو أكرم وأكبر من أن يكون لعبة بأيدي هؤلاء الضباط الذين شرعوا بتطوير الأزهر بمسخ هويته، وإلغاء دوره العلمي الإسلامي، وإبعاد العلماء الصالحين وتقريب المرتزقة والمنتفعين من وعاظ السلاطين، وسدنة الظلمة من المنافقين والمتزلفين، الذين يسوغون للظلم ويباركون تسلطه على رقاب الناس
…
... لقد كان الشيخ محمد الخضر حسين من الذين يؤلفون لأخلاقهم، ويُحترقون لعلمهم، ويقدرون لمكانتهم، وكان التواضع زينته، وبذل العلم لطالبيه ديدنه، ومقارعة خصوم الإسلام والردّ على أباطيلهم من أولى مهماته
…
... إن أستاذنا الشيخ محمد الخضر حسين كان في القمة من علماء العصر