الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على ما ذكر في الكتب، أو ترداد لما قاله العلماء، كما رأينا في الأنموذج الثاني، حينما تحدث عن سر إفراد السمع، مع جمع القلوب والأبصار، وتقديم السمع على القلوب تارة وتأخيره أخرى.
محاسن هذا التفسير:
من خلال دراستي لهذا التفسير، تبين لي أن هنالك محاسن اجتمعت له، ومن الإنصاف أن أذكر أهم هذه المحاسن:
1 - الإكثار من الاستشهاد بالحديث النبوي:
إن إبراز العنصر الأثري في التفسير من الأمور الضرورية، وبخاصة في الدراسة المنهجية، وفي وقت رأينا فيه بعض التفاسير لا تعطي هذا العنصر حقه، ولا تحله المكانة التي ينبغي أن يتبوأها، والتفسير الوسيط برز فيه هذا العنصر واضحًا. والحق أنني لم أر تفسيرًا من غير التفاسير بالمأثور، جمع من الأحاديث مثل ما جمع هذا التفسير، فكأنه تفسير بالدراية والرواية، ولقد امتاز هذا النقل باختيار ما ثبت من الأحاديث، مع الإشارة لمصادرها غالبًا.
وعلى هذه الأحاديث يكون المعول في التفسير، دون النظر إلى ما قيل وأثير أو يقال ويثار، كما يرى ذلك واضحًا عند تفسير قوله تعالى {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ} ، فلقد عول في تفسيرها على ما جاء في صحيح الإمام البخاري، هذا الحديث الذي رأينا من المفسرين من يرده ومنهم من يتناساه، كما يظهر هذا عند تفسيرهما لآية السحر.
2 - بيانه لبعض القيم والأحكام التي تؤخذ من الآيات:
فهو لا يكتفي بذكر المعاني الأولية، بل يغوص على إظهار بعض الحكم المناسبة لها.
فعند تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً}
[البقرة: 55] يقولان: (وفي ندائهم لنبيهم باسمه (يا موسى)، سوء أدب منهم معه، لأنه كان من الواجب عليهم، أن يقولوا له: يا رسول الله أو يا نبي الله، من الصيغ التي تشعر بصفات التعظيم والتوقير، وقد تكررت مناداتهم باسمه مجردًا في كثير من المواطن.
ومن أدب الصحابة مع الرسول صلى الله عليه وسلم أنهم كانوا يقولون له: يا رسول الله، استجابة لأمر الله تعالى في قوله:{لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} [النور: 63](1).
وجاء عند تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ} [البقرة: 58]: (وقد أمرهم سبحانه أن يدخلوا باب المدينة التي فتحوها خاضعين، وأن يلتمسوا منه مغفرة خطاياهم، لأن تغلبهم على أعدائهم ودخولهم الأرض المقدسة التي كتبها الله لهم، نعمة من أجلّ النعم، وهي تستدعي منهم أن يشكروا الله عليها بالقول والفعل؛ لكي يزيدهم من فضله، فشأن الأخيار أن يقابلوا نعم الله بالشكر.
ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم، يظهر أقصى درجات الخضوع لله تعالى، عند النصر والظفر وبلوغ المطلوب، فعندما تم له فتح مكة دخل إليها من الثنية العليا، وإنه لخاضع لربه، حتى إن رأسه الشريف يكاد يمس عنق ناقته، شكرًا لله على نعمة الفتح، وبعد دخوله مكة اغتسل وصلى ثماني ركعات سماها بعض الفقهاء صلاة الفتح. ومن هنا استحب العلماء للفاتحين المسلمين إذا فتحوا بلدة، أن يصلوا فيها ثماني ركعات عند أول دخولها شكرًا لله تعالى. وقد فعل ذلك سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عندما دخل إيوان كسرى، فقد ثبت أنه صلى بداخله ثماني ركعات.
ولكن ماذا كان من بني إسرائيل بعد أن أتم الله لهم نعمة الفتح؟ إنهم لم يفعلوا ما أمروا بفعله، ولم يقولوا ما كلفوا بقوله، بل خالفوا ما أمروا به من قول وفعل، ولذا قال تعالى:{فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} [البقرة: 59]
(1) ص 180 - 181.