الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشيخ حسن البنا ومنهجه في التفسير
ولد الشيخ بمدينة المحمودية بمحافظة البحيرة صباح الأحد 25 من شعبان عام 1324 هـ، 14 من أكتوبر سنة 1906 م.
كان باكورة الأبناء للشيخ أحمد عبد الرحمن الساعاتي أحد علماء السنة، وصاحب كتاب (الفتح الرباني). أنهى دراسته في دار المعلمين في دمنهور، والتحق بدار العلوم وتخرج فيها عام 1927 وكان ترتيبه الأول، وقد عيِّن مدرسًا في مدينة الإسماعيلية في سبتمبر سنة 1927 م. وفي سنة 1928 كوّن مع ستة من أهل الإسماعيلية أول شعبة للإخوان المسلمين.
انتقل إلى القاهرة في أكتوبر سنة 1932 م، وقد نجح في مجال الدعوة نجاحًا منقطع النظير
…
أصدر العديد من الصحف والمجلات لخدمة الدعوة، وتربى على يديه شباب كان حربًا على الاستعمار الأجنبي في مصر وفلسطين.
نال الشهادة عندما أطلق عليه الرصاص في الخامسة مساء يوم السبت 12 من فبراير سنة 1949 م، وكان عمر آنذاك 42 عام (1).
من ذكرياتي:
لا يُذكر الأستاذ حسن البنا رضي الله عنه ورحمه الله رحمةً واسعة - في مجلسٍ، ولا أذكره في مجلس إلا وعيناي تذرفان الدموع، وأنا مؤمن - ولله الحمد - بقدر الله، ولكن كنت أتمنى أن تطول معرفتي بالأستاذ الكريم، والرجل الذي أسأل الله أن يكرمه بأجر الشهداء، لكن لله إرادة - والحمد لله على ما حكم به وأراد -.
ترددت على دروس الأستاذ في حديث الثلاثاء في الحليمية في القاهرة، ولم يطل هذا التردد، فلقد بدأ أول سنة 1948 حينما ذهبت إلى القاهرة بالقطار من
(1) مقدمة كتاب حسن البنا ومنهجه في التفسير.
حيفا، - ورحم الله تلك الأيام - حيث كنت أسمع ما لم أسمعه من قبل، مع أنني كنت سمعت اثنين من نوابه، نواب المرشد العام وأنا طالب في المدرسة الأحمدية - مدرسة أحمد باشا الجزار في عكا - سنة 1945 م - 1946 م، وهما الأستاذ عبد المعز عبد الستار أكرمه الله، وأظنه لا زال حيًّا، والأستاذ سعيد رمضان رحمه الله. ولقد هيمن كل منهما على العاطفة والعقل، مع أنني كنت في الثالثة عشرة أو الرابعة عشرة من العمر، لكنّ الذي سمعته من الأستاذ البنا كان نقلةً عجيبة عظيمة في حياتي، لذا لا يذكر أمامي إلا وعيناني تذرفان الدموع، لما فاتني من خير كثير من الاستماع إليه رحمه الله.
وأبكي كذلك لأني حينما أذكره ويذكر أمامي يدور في خلدي هذا الجحود من الأمة، التي تحاول تخليد ذكرى كثيرٍ من العابثين واللاعين، ومن لم يكن لهم في حياتهم إلا تلك المنزلقات التي كانت وبالًا وكان فيها البوار على الأمة.
وأبكيه ثالثًا حيث كان له ذلكم الأثر الكبير، وانتقل إلى الدار الآخرة - إن شاء الله - راضيًا مرضيًا، وهو في السنين الأولى من العقد الخاص، وكذلك شأن كثير من هؤلاء الأفذاذ الذين كان لهم هذا الأثر على قصر أعمارهم في هذه الدنيا، أذكر منهم الإمام الشافعي، والإمام النووي - رحمهما الله تعالى - وكثيرون غيرهم في القديم والحديث.
لقد كان بيت الأستاذ البنا وأسرته بدعا من كثير من البيوت، ولقد كان الأستاذ البنا من النَدَرة، بل كان الإخاذ الذي يروي كل من ورد عليه. وأحبّ أن أسجل تلكم الأخبار القصيرة، والتي هي مع قصرها عظيمة الأثر، ورب كلمة واحدة تحدث كلْما لا نجده لمقالات، بل لكتب كثيرة متعددة:
1 -
سمعت من الشيخ صالح السوداني رحمه الله ونحسبه والله حسيبه من الصالحين ولا نزكي على الله أحدًا - وكانت لنا صلة به ونحن طلاب يزورنا ونستمع إلى دروسه، ونحضر معه بعض المجالس العلمية قال: لما توفي الأستاذ البنا، لما
أطلق عليه النار ظلما وعدوانا، رغبت أن أفتح المصحف الشريف لأرى الآية التي يقع نظري عليها، لأني أحببت أن أعرف شيئًا عن منزلة الشيخ حسن البنا عند ربه، رغبت يقول الشيخ صالح رحمه الله وكانت الآية التي شاء الله أن أفتح المصحف لأقرأها قول الله تبارك وتعالى:{وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} [آل عمران: 140].
ويقيني - إن شاء الله - إنها بشرى، رحم الله الإمام البنا، ورحم الله الشيخ صالح السوداني.
2 -
ذكر العلامة الشيخ أحمد عبد الرحمن البنا (الساعاتي) والد الأستاذ حسن البنا - رحمهما الله تعالى - في مقدمة الجزء الرابع عشر من كاتبه الفذّ الجليل الطيب القيم، (الفتح الرباني)، وهو يتحدث ويبث ما في نفسه عما لاقاه من صعوبة وجهد في طباعة كتابه الذي قضى فيه أكثر من ثلثي حياته، أي ما يزيد على خمس وأربعين سنة، ومع ذلك أوصدت كل الأبواب في وجه طباعة هذا الكتاب، وهذا الكتاب رتب فيه الأستاذ أحمد الساعاتي رحمه الله مسند الإمام أحمد ترتيبًا موضوعيًا، كما نجده في صحيحي الإمامين البخاري ومسلم - رحمهما الله تعالى - ثم شرحه شرحًا وافيًا، وذكر الزوائد فكان كتابًا جامعًا ميسرًا، جزى الله الشيخ أحمد البنا خير الجزاء.
أقول يقول الشيخ في مقدمة الجزء الرابع عشر، وقد كتبها بعد استشهاد الشيخ الأستاذ حسن البنا: وكنت طلبت من ابني حسن أن يطبع هذا الكتاب بعد موتي لعلمي أنه حريص على نشر العلم وبخاصة ما يتصل بالكتاب والسنة، فكان جوابه رحمه الله يا والدي سيطبع في حياتك لا في حياتي "وهكذا كان
…
أليس ذلك إلهامًا ربانيًا يجريه الله على ألسنة هؤلاء الذين رضي عنهم ورضوا عنه. رحم الله الوالد ومن ولد.
3 -
في سنة (1952 م) وقبل الثورة المصرية بأيام أرسلني خالي رحمه الله الشيخ يوسف عبد الرزاق لأحضر له كتاب الفتح الرباني من مؤلفه الشيخ أحمد البنا، وكان من المعجبين بهذا الكتاب، بل إنه كان يرى أن هذا الكتاب لا بد من طباعته والعناية به، وكان قد اشتراه، فذهبت إلى بيت الشيخ لأحضر الكتاب، وجلست مع الشيخ لأسمع منه وأفيد من حديثه، وسألني الشيخ من أين أنت؟ لأني كنت ألبس العمامة الشامية، وهي تختلف عن العمامة التي يلبسها إخواننا المصريون. قلت: من فلسطين. وهنا كان عجبي، إذ بمجرد ما نطقت بهذه الكلمة، وإذ بي أسمع من يجهش بالبكاء في جانب البيت، فقدّرت أن الذي يبكي إنما هي زوج الشيخ، وأثرّت فيّ تلك الحادثة، ولا تزال، بمجرد أن تسمع كلمة فلسطين يكون البكاء والحزن
…
أي تربية هذه؟ ! وأين نجدها؟ ! عند من؟ أنجدها عند كثير من أهل فلسطين؟ ! أم نجدها عند كثير من العرب والمسلمين؟ وبقيت هذه الحادثة تتفاعل معها نفسي.
وبعد ما يزيد على ثلث قرن، ضمني لقاء مع أحمد سيف الإسلام ابن الأستاذ البنا في جمع طيب، وحدثتهم تلك الحادثة التي لا زالت وستبقى أنموذجًا حيًّا ما دمت حيا، فازداد عجبي حينما أخبرني أن هذه امرأة جده، وكان عجبي أكثر حينما أخبرني أنها تركية الأصل، وقلت في نفسي وسأقول وأظل أقول: ما أحوج المسلمين إلى هذه النماذج الحيّة التي تُربى الأجيال المسلمة على مثلها.
4 -
حينما لبّى الإخوان المسلمون دعوة الجهاد سنة 1948 وأبلوا بلاء حسنًا في الجهاد في فلسطين يشبه المعجزات، صدرت الأوامر من الإنجليز إلى حكام مصر، وكان الملك فاروق في ذلك الوقت، وكان رئيس وزرائه محمود فهمي النقراشي باشا، صدرت الأوامر بحل جماعة الإخوان المسلمين، وإدخالهم السجون، والتضييق على المجاهدين منهم في فلسطين، وبقي الأمر كذلك إلى