الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشيخ السعدي وتفسيره
* صاحب التفسير: هو الشيخ عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله آل سعدي الناصري التميمي الحنبلي. ولد في مدينة عُنيزة بالقصيم سنة 1307 هـ. توفيت والدته وهو في الرابعة، ثم والده وهو في الثانية عشرة، فكفلته زوجة والده، وأدخلته مدرسة تحفيظ القرآن، فحفظه وهو في الرابعة عشر من عمره، ثم اشتغل بطلب علم التوحيد والتفسير والحديث والفقه وأصوله والنحو، فقرأ الكتب وحفظ المتون إلى أن بلغ الثالثة والعشرين من عمره، فجلس للتدريس، فكان يعلم ويتعلم، توفي الشيخ السعدي رحمه الله سنة 1376 هـ.
* التفسير: سمّى الشيخ السعدي تفسيره (تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان). وقد طُبع هذا التفسير عدة مرات في سبعة مجلدات، وصدرت طبعتهُ الأولى سنة 1365 هـ ثم طُبع مؤخرًا في مجلد واحد بخط صغير على هامش (المصحف الشريف). وقد بدأ الشيخ رحمه الله تأليفه لهذا التفسير في عام 1322 هـ وله من العمر خمسة وثلاثون عامًا، وفرغ من تأليفه سنة 1344 هـ (1).
*
طريقة الشيخ السعدي في تفسيره:
كان قصد الشيخ السعدي رحمه الله في تفسيره تقريب معاني القرآن الكريم لعموم القراء على اختلاف ثقافاتهم ومستو تهم، لذلك جاء تفسيره سهل العبارة، واضح الإشارة، بعبارات قريبة لا خفاء فيها ولا غموض، وكان المفسِّر يعتني بإيضاح المعنى المقصود بكلام مختصر مفيد، ليس فيه إطالة ولا استطراد، ولهذا في تفسير السعدي وإن طبع طبعات كثيرة في مجلدات سبعة إلا أنه أقرب إلى التفاسير المختصرة منه إلى التفاسير المطوَّلة.
(1) انظر التعريف بالشيخ والتفسير عند الرومي (فيها النفسير 1/ 148، وفي مقدمة المحقق للطباعة الأخيرة من التفسير 1/ 8.
وقد عبَّر الشيخ في مقدمة تفسيره عن قصد الاختصار مع الوفاء بالمعنى فقال: "ولما منَّ الباري عليَّ وعلى إخواني بالاشتغال بكتابه العزيز بحسب الحال اللائقة بنا، أحببتُ أن أرسم من تفسير كتاب الله ما تيسَّر، وما منَّ به الله علينا، ليكون تذكرة للموصلين، وآلة المستبصرين، ومعونة للسالكين، ولأقيِّدهُ خوف الضياع، ولم يكن قصدي في ذلك إلا أن يكون المعنى هو المقصود، ولم أشتغل في حلِّ الألفاظ والعقود، للمعنى الذي ذكرتُ، ولأن المفسرين قد كَفَوا من بعدهم، فجزاهم الله عن المسلمين خيرًا"(1).
وكان في طريقة السعدي رحمه الله عدمُ الإحالة إلى مواضع أخرى من تفسيره في الآيات المتشابهة في المعاني، بل كان يُعيد عند كل آية ما يحضره من معانيها، ولو كانت مثل هذه المعاني قد ذكرت فيما قبل من الآيات والسور، وقد نبَّه رحمه الله في بداية تفسيره إلى هذه الطريقة فقال تحت عنوان (تنبيه):"اعلم أن طريقتي في هذا التفسير أني أذكر عند كل آية ما يحضرني من معانيها، ولا أكتفي بذكر ما يتعلق بالمواضع السابقة عن ذكر ما تعفَق في المواضع اللاحقة؛ لأن الله وصف هذا الكتاب أنه (مثاني) تثنى فيه الأخبار والقصص والأحكام، وجميع المواضيع النافعة لحكم عظيمة، وأمر بتدبره جميعه، لما في ذلك من زيادة العلوم والمعارف وإصلاح الظاهر والباطن، وإصلاح الأمور كلِّها"(2).
وقد صدَّر الشيخ تفسيره بفوائد مهمة تتعلق بتفسير القرآن، نقلها عن كتاب (بدائع الفوائد) لابن القيم رحمه الله.
وكما تجنب السعدي الاستطرادات، فقد تجنب كذلك الإسرائيليات في أغلب تفسيره، بل أنكر عن الذين يذكرونها في التفسير، فقال عند تفسيره لمطلع سورة يوسف: "واعلم أن الله ذكر أنه يقصُّ على رسوله صلى الله عليه وسلم أحسن القصص في هذا
(1) تيسير الكريم الرحمن ص 18.
(2)
تيسير الكريم الرحمن ص 17.
الكتاب، ثم ذكر هذه القصة وبسطها، وذكر ما جرى فيها، فعلم بذلك أنها قصة تامة كاملة حسنة، فمن أراد أن يكملها أو يحسِّنها بما يُذكر في الإسرائيليات التي لا يعرف سند ولا ناقل، وأغلبها كذب، فهو مستدرك على الله، ومستكمل لشيء يزعم أنه ناقص، وحسبُك بأمر ينتهي إلى هذا الحدِّ قبحًا، فإن تضاعيف هذه السورة قد مُلئت في كثير من التفاسير من الأكاذيب والأمور الشنيعة المناقضة لما قصَّه الله تعالى بشيء كثير. فعلى العبد أن يفهم عن الله ما قصَّه، ويدع ما سوى ذلك مما ليس عن النبي صلى الله عليه وسلم يُنقل" (1).
وهذا كلام بديع وجميل من المفسِّر السعدي رحمه الله، ولكن ليته التزم به في تفسيره كلِّه، فالواقع أنه قد أنسيه في بعض المواضع إلى هذه الإسرائيليات التي حذَّر ونفَّر منها في كلامه السابق، فقد فسَّر النعجة في قصة داود بالزوجة، فقال:{لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً} [ص: 23] أي زوجة، وذلك خير كثير، يوجب عليه القناعة بما أتاه الله، {وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ} فطمع فيها، {فَقَال أَكْفِلْنِيهَا} أي دعها لي، وخلِّها في كفالتي، {وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ} أي غلبني في القول، فلم يزل بي حتى أدركها أو كاد (2).
وعند قوله تعالى: {وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ} [ص: 34] قال السعدي: {وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ} أي ابتليناه واختبرناه بذهاب ملكه وانفصاله عنه، بسبب خلل اقتضته الطبيعة البشرية، {وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا} أي شيطانًا قضى الله وقدَّر أن يجلس على كرسي ملكه ويتصرف في الملك في مدة فتنة سليمان {ثُمَّ أَنَابَ} سليمان إلى الله تعالى وتاب" (3).
وأما في أغلب التفسير فقد اجتنب السعدي ذكر الإسرائيليات خصوصًا عند
(1) تفسير السعدي ص 369.
(2)
تفسير السعدي ص 678.
(3)
تفسير السعدي ص 679.
الآيات التي نُسجت حولها كثير من الآيات والخرافات كآية السحر في سورة البقرة: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ} [البقرة: 102]، فقد فسَّرها الشيخ رحمه الله على ما يقتضيه ظاهرها دون الاعتماد على شيء من تلك الروايات (1).
وأما في الآيات التي تتصل بالعقيدة وأسماء الله تعالى وصفاته، فقد فسَّرها السعدي على المذهب السلفي، وحذا فيها حذو ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله تعالى، والسعدي متأثر بهذين العالمين كما يظهر في أسلوبه وبما رأيته في تفسيره كلِّه.
فعند قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 54] قال: "استواء استواءً يليق بجلاله وعظمته وسلطانه (2)، وقال في موضع آخر:{ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الحديد: 4] استواءً يليق بجلاله فوق جميع خلقه (3).
وعند قوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس: 26] قال الشيخ الهم (الحسنى) وهي الجنة الكاملة في حسنها، (وزيادة) وهي النظر إلى وجه الله الكريم، وسماع كلامه، والفوز برضاه، والبهجة بقربه" (4).
وعند قوله تعالى: {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 81]، قال السعدي:"وقد احتج بها الخوارج على كفر صاحب المعصية، وهي حجة عليهم كما نرى، فإنها ظاهرة في الشرك. وهكذا كل مبطل يحتج بآية أو حديث صحيح على قوله الباطل، فلا بدَّ أن يكون فيما احتج به حجة عليه"(5).
(1) انظر تفسير السعدي ص 46.
(2)
تفسير السعدي ص 269.
(3)
تفسير السعدي ص 801.
(4)
تفسير السعدي ص 339.
(5)
تفسير السعدي ص 42.
وعند قوله تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالمِينَ} [التكوير: 29] قال الشيخ: "وفي هذه الآية وأمثالها ردُّ على فرقتي القدرية النفاة والقدرية المجبرة".
وهكذا سار الشيخ السعدي في آيات العقيدة، يفسِّرها تفسيرًا سلفيًا مجملًا دون إطالة ولا استطراد.
والسعدي رحمه الله يحرص في تفسيره على تجلية الآداب والأخلاق التي تعرض لها الآيات الكريمة، ويحاول في إيجاز واختصار استنباط الفوائد الدعوية والتربوية التي من شأنها أن تفيد القارى، وتزيده استمساكًا بالفضيلة، وتجنبًا للرذيلة.
فعند تفسيره للآيات التي تذكر أن اليهود نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم واتبعوا ما تتلو الشياطين من السحر قال الشيخ منبهًا على اشتغال النفس بالباطل حين لا تشتغل بالحق: "ولما كان من الفوائد القدرية والحكمة الإلهية أن من ترك ما ينفعه، وأمكنه الانتفاع به فلم ينتفع، ابُتلي بالاشتغال بما يضره. فمن ترك عبادة الرحمن، ابُتلي بعبادة الأوثان، ومن ترك محبة الله وخوفه ورجاءه، ابتلي بمحبة غير الله وخوفه ورجائه، ومن لم ينفق ماله في طاعة الله، أنفقه في طاعة الشيطان، ومن ترك الذكَ لربه ابتُلي بالذل للعبيد، ومن ترك الحق ابتلي بالباطل"(1).
وعند قوله تعالى: {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً} [البقرة: 138] قال السعدي رحمه الله: "وإذا أردت أن تعرف نموذجًا يبين لك الفرق بين صبغة الله وبين غيرها من الصِّبغ، فقس الشيء بهذه، فكيف ترى في عبد آمن بربه إيمانًا صحيحًا، أثر معه خضوع القلب وانقياد الجوارح، فلم يزل يتجلى بكل وصف حسن، وفعل جميل، وخلق كامل، ونعت جليل. ويتخلى عن كل وصف قبيح، ورذيلة وعيب، فوصفه الصدق في قوله وفعله، والصبر والحلم، والعفة والشجاعة، والإحسان القولي والفعلي، ومحبة الله وخشيته، وخوفه ورجاؤه، فحاله الإخلاص للمعبود،
(1) تفسير السعدي ص 46.
والإحسان لعبيده. فقسه بعبد كفر بربه، وشرد عنه، وأقبل على غيرة من المخلوقين، فاتصف بالصفات القبيحة: من الكفر، والشرك والكذب، والخيانة، والمكر، والخداع، وعدم الفقه، والإساءة إلى الخلق، في أقواله وأفعاله، فلا إخلاص للمعبود، ولا إحسان إلى عبيده، فإنه يظهر لك الفرق العظيم بينهما، ويتبين لك أنه لا أحسن صبغة من صبغة الله، وفي ضمنه أنه لا أقبح صبغة من انصبغ بغير دينه" (1).
وقد يذكر الشيخ السعدي رحمه الله شيئًا من الحكم والعبر والفوائد المستنبطة في القصص القرآني، كما فعل في خاتمة قصة يوسف عليه السلام، وقصة موسى مع الخضر عليهما السلام، وقصة داوود وسليمان عليهما السلام.
وفي الجملة فإن تفسير السعدي تفسير وعظي موجز، يشتمل على وجازته على ترسيخ العقيدة، وتهذيب الأخلاق، وصقل النفوس، ويعين القارئ العادي على تدبر القرآن وتفهمه، والعمل بمقتضى ما فيه من الهدى والنور.
(1) تفسير السعدي ص 54.