الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المفكرين). وقول الشيخ هذا، يبرهن على ضخامة الدور الذي كان يلعبه تلامذة الإفرنج في العالم الإسلامي، حتى شكلوا هذا الضغط النفسي على علمائنا، وأنطقوا ألسنتهم بهذه المقالات، وجعلوهم ينحون هذا المنحى الخطير في التفسير).
جـ - كثرة الصور في الكتاب:
من الأمور التي تسترعى انتباه القارى، ما يجده قد بث في ثنايا الكتاب من صور عديدة متنوعة، فمن صورة حشرة كنملة أو عنكبوت، إلى صورة الفراشة والخنفساء والدودة الشريطية، فرأس البرغوث فأم الأربعة والأربعين، إلى صور حيوانات برية وبحرية، إلى صور بعض الأناسي، إلى صور الطير وصور بعض الناس، وأذكر أنني حينما كنت طالبًا في كلية أصول الدين، كنت أتردد على المرحوم الأستاذ محب الدين الخطيب، قبل أن يكون رئيسًا لتحرير مجلة الأزهر، وسألته عن تفسير الشيخ طنطاوي، فلم يُبدِ لي كثيرًا من الاستحسان، ثم قال:(ما هذا التفسير الذي يمتلئ صورًا؟ ) وذكر على سبيل المثال، صورة آغاخان كبير فرقة الإسماعيلية.
د - ولع الشيخ بالحديث عن الأرواح:
من الغريب أن نجد عالمًا فاضلًا وهبه الله فكرًا مستنيرًا، ومنّ عليه بإيمان راسخ وعقيدة ثابتة، أقول من الغريب أن نجد مثل هذا يؤمن بتحضير الأرواح، ويؤلف لذلك الكتب، ولا يكتفي بذلك، بل يمزج هذا بتفسير القرآن الكريم، ولو أردنا أن نعدد المواضع التي ذكر الشيخ فيه مسألة علم الأرواح لطال الأمر، لأننا لا نكاد نقرأ تفسير سورة من سور القرآن، إلا ونجد لعلم الأرواح ذكرًا، بل نجد في السورة الواحدة مواضع عديدة، ذكر فيها مسائل الروحانية الحديثة، فعند تفسيره لقول الله تعالى:{وَإِذْ قَال مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: 67]، يقحم الحديث عن الأرواح عند تفسير الآية، ليجعلها دليلًا على
تحضير الأرواح، ويلوم المسلمين لقعودهم عن هذا العلم الذي سبق إليه الغربيون، ولا ينسى أن يكرر هذا القول عند تفسير قول الله:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ} [البقرة: 243]، وعند قوله تعالى:{أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} [البقرة: 259]، وقوله سبحانه:{وَإِذْ قَال إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى} [البقرة: 260].
ويقول عند تفسيره لقول الله تعالى في سورة الأنعام: {لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأنعام: 127]، (ولقد أظهر علم الأرواح في الكشف الحديث، أن الأرواح الشريرة توسوس لأمثالها من الأحياء بما يناسب طبائعها، ويوالونهم، ويريدون أن يكونوا على طرائقهم
…
وأهل العلم والفضلاء يعطون الأحياء إرشادًا وتعليمًا نافعًا، كما كانوا في الدنيا، وعلى ذلك يكون الفاسقون الميتون من البشر، ملحقين بالجن في الوسوسة، والصالحون الميتون ملحقين بالملائكة في الإلهام، وهذا الكشف الحديث الذي ملأ أمريكا وإنجلترا وفرنسا وإيطاليا وجميع بلاد العالم، ما عدا المسلمين، هو الذي يكون به تفسير القرآن
…
الخ).
وها هو في السورة نفسها عند تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ} [الأنعام: 111]، يقول تحت عنوان:(عجائب القرآن ومعجزاته في القرن العشرين): (أفادت هذه الآية أن الإيمان بالله واليوم الآخر، تابع لمشيئة الله واستعداد الإنسان، فليست البراهين بمغنية ما دام المرء لا يستعد، والقضاء لم يسعد، وهذا بعينه الحاصل الآن، ألم تر إلى أننا اليوم في القرن العشرين، نسمع أن العلماء في أمريكا وأوروبا يكلمون الموتى، ومع ذلك نرى بعض المتعلمين في بلادنا الشرقية، يكفرون بالله واليوم الآخر، ولا يقلدون في الإيمان ساداتهم من الفرنجة
…
فالله تعالى أذن للناس أن يكلموا الموتى في عصرنا الحاضر كما في الآية
…
الخ) (1).
(1) الجواهر جـ 4 ص 105.
وها هو عند تفسيره لسورة الإسراء (يريد أن يثبت صحة الإسراء علميًّا بأدلة من علوم الغربيين وقصصهم، وأقوال علماء الأرواح الذين يرون أن هذه الأجسام البشرية في الدنيا تنظمها أرواح، وكل جسم يربى فيه جسم آخر على مثاله، نوراني أثيري، أي مادة أثيرية، وهذا الجسم الأثيري البرزخي منطبق تمام الانطباق على هذا الجسم المادي، وأن الإنسان إذا تجرد من هذا الجسم، يرى أنه لم يكن هناك فرق بين المجسمين
…
الخ.
ويجد الشيخ المجال الخصيب للحديث عن الأرواح، عند قوله تعالى:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ} [الإسراء: 85]. (حيث يطيل القول ويأتي بموضوعات عديدة (1)، فيكتب فصلًا عن طريق تحضير الأرواح، يذكر فيه ست طرق، وعن الأرواح تكتب بلا أقلام، كما يتحدث عن آداب تحضير الأرواح، وعن حوادث عديدة في مصر، جرى فيها تحضير للأرواح، إلى آخر ما هنالك من مسائل كثيرة حول هذا الموضوع.
كما لا ينسى الشيخ رحمه الله: الحديث عن الأرواح عند قوله تعالى: {قَال الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} [النمل: 40] وعند قوله تعالى: {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ} [النمل: 82].
إلا أن من الإنصاف للرجل أن نقول، إنه في أكثر هذه المواضع التي ذكرناها، كان لا يتحدث في هذه الأحاديث عند التفسير اللفظي للآيات، وإنما يتحدث بعد انتهاء التفسير اللفظي، حيث يتحدث عن لطائف أو جواهر عن هذه الآية أو تلك، بل لقد صرح الشيخ رحمه الله بأنّ حديثه هذا ليس تفسيرًا للآية بل الآية تبقى على ظاهرها، وإنما ذلك رمز، فها هو عند تفسيره للآية الأخيرة يفسرها تفسيرًا لفظيًا، ليس فيه زيادة ولا خروج عن المألوف، ولكنه بعد انتهاء هذا التفسير لها ولآيات بعدها، يأتي
(1) الجواهر جـ 9 ص 92 - 120.
بلطائف، ومنها لطيفة في هذه الآية، يضمنها حديثه عن الأرواح.
ويعترض عليه بأن قوله هذا، ليس منسجمًا مع النصوص القرآنية، فكيف يقصره على علم الأرواح؟ فيجيب الشيخ:(أنا لم أقل إن هذا هو المعنى، ولكن أقول إنه رمز له وإشارة، فالآية باقية على ظاهر معناها، ترمز إلى ما ذكرناه فالدابة باقية على المعنى الأصلي، نكل علمها إلى الله تعالى، وتكون رمزًا لهذا، وهذا قسم من أقسام الكناية في علم البيان، فاللفظ على حاله يشير لما اقترب منه، كما أوضحه الإمام الغزالي في تفسير قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه كلب أو صورة)، فقد جعلها على حالها، ورمز بها إلى الشهوة والغضب فافهم، فإذا فهمت هذا فقد قطعت جهيزة قول كل خطيب) (1).
حتى مع التسليم بصحة ما ذكره الشيخ، فإن ذلك في رأينا لا يسلمه من الإنحاء عليه باللائمة، ولا يعفيه من عتاب عنيف ونقد ومؤاخذة توجه إليه، من كل هؤلاء الذين يغارون على الإسلام وأمته كغيرته هو.
إن مزج التفسير بهذه المسائل في اعتقادي، هو الذي أفقده عنصرًا هامًا من عناصر الشهرة والإقبال عليه والإفادة منه، ويا ليت الشيخ رحمه الله اكتفى بما ذكره في تفسيره من الفوائد العلمية، وهو كثير، ولم يتورط بإقحام هذه المسائل، التي لم تثبت صحتها، ويقيني أنها لن تثبت كذلك، يقول الدكتور محمد محمد حسين عن هذا التفسير:(وكم كانت الكارثة شديدة الوقع، حينما نرى الشيخ طنطاوي قد خدع بجمعية أبي الخير الروحية، كما أفسح المجال في تفسيره للنقل عن مزاعمهم ودعاواهم، مما أدخل الفساد والضعف على كتابه ذلك، في كثير من المواضع)(2).
(1) الجواهر جـ 12 ص 235.
(2)
حصوننا مهددة من داخلها ص 309.