الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
* أما الاستواء على العرش، فقد اضطرب في بيان معناه:
- {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [الأعراف: 54]: أي ثم جلس على سرير الملك، وبما أن الله ليس بجسم، ولا عرض، فلا يجوز أن يؤخذ هذا الكلام على ظاهره، بل يجب تأويله، وقد سلك علماء السنة هذا المسلك، فقالوا: إن الاستواء على العرش صفة لله بلا كيف، أي أن له تعالى استواء على العرش على الوجه الذي عناه منزهًا عن الاستقرار والتمكن، وقالوا: العرش هو الجسم المحيط بسائر الأجسام.
- {ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ} [يونس: 3]: أي ثم جلس على العرش، وهذا محال على الله لأنه ليس بجسم، وعليه فهو كناية عن التمكن في السلطان والاستيلاء على ناصية كل شيء.
- {وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ} [الرعد: 30]: أي بالله البليغ الرحمة، مشتق من رحم يرحم رحمة، أي رق قلبه وعطف.
كان حقه هنا أن يبين أن هذا محال على الله، والرحمة كما قال العلماء إما أن تكون صفة فعل، وهذا ما ذهب إليه المتأخرون، وإما أن تكون صفة ذات، وهذا ما ذهب إليه المتقدمون، وآثرت كلمتي (متقدمين، ومتأخرين) على كلمتي (السلف والخلف).
مآخذ على التفسير:
1 -
أكثر من القول بالزوائد:
فمن ذلك عند قوله:
- {وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ} [البقرة: 71]: لا هنا زائدة.
- {جُنْدٌ مَا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزَابِ} [ص: 11]: ما مزيدة للتقليل.
- {وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} [ص: 24]: أي وهم قليل، وما مزيدة، للإبهام والتعجب من قلتهم.
- {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ} [الزمر: 75]: وترى الملائكة محدقين بالعرش، من هنا مزيدة، ينزهون الله عن النقص.
- {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ} [فصلت: 36]: أي وإن ينزغنك، وما زائدة.
- {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ} [الحديد: 29]: أي ليعلموا، ولا زائدة.
- {وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ} [آل عمران: 73]: اللام في كلمة لمن زائدة، والمعنى ولا تصدقوا إلا من اتبع دينكم.
والأمثلة على هذا كثيرة جدًّا.
2 -
وقع في القول بالتكرار:
- حين فسر آيات تحويل القبلة: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 149] قال: ثم كرر هذا القول تأكيدًا وزيادة بيان.
- {إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا} [آل عمران: 177]: تكرير للتأكيد أو تعميم للفكرة بعد تخصيص من نافق من المتخلفين أو ارتد من العرب.
- {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالونَ لِلسُّحْتِ} [المائدة: 42]: كررها للتأكيد.
- {نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ} [القصص: 3]: لقد تكرر ذكر موسى وفرعون في القرآن على وجوه شتى؛ لأن في تاريخهما عبرة للعرب، وزجرًا لهم عن التمادي في إهمال الدعوة الإسلامية.
وقد نفاه في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} [المؤمنون: 9]: الصلاة ذكرت أول السورة وفي الآية التاسعة، وليى هذا تكرارًا ينافي البلاغة كما قد يتوهم، فإنه ذكر الصلاة أولًا مقترنة بالخشوع، والخشوع فيها غير المحافظة عليها.
3 -
أحيانًا كان يفسر الآيات بتعسّف:
- {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203]: أي كبروه في أدبار الصلوات، وعند ذبح القرابين ورمي الجمار.
- {هَارُوتَ وَمَارُوتَ} [البقرة: 102]: اسما ملكين هبطا من السماء إلى الأرض لتعليم الناس السحر ابتلاء من الله للناس، وتمييزًا بينه وبين المعجزة، وهذا بعيد عن العقل، وأحسن منه ما قيل من أنه عنى بالملكين رجلين صالحين سماهما ملكين لصلاحهما.
- {وَإِذْ قَال إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى
…
[إلى قوله تعالى]{ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا} [البقرة: 260]: إن إشارة الكتاب الكريم إلى معجزة إبراهيم هذه تشير إلى أن في الإنسان قوى إلهية في إمكانها بتوفيق الله أن تبعث الحياة في الجمادات، وقد دلت الأبحاث في المغناطيس الحيواني في هذا العصر على ما يجعل هذه المعجزة معقولة علميًّا. وهذا تكلف في تفسير الآية الكريمة.
- {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَال وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 8] ويخلق لكم ما لا تعلمون من تسخير قوى البخار والكهرباء وغيرهما، وهذه من أغرب معجزات القرآن، فإنه فيه تنبوأ صريحًا بما اخترع في القرنين التاسع عشر والعشرين.
- {وَإِذْ قَال رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ} إلى آخر قصة خلق آدم عليه السلام، ورفض إبليس السجود [الحجر: 28 - 42]: نقول: ولا يصح أن يؤخذ هذا الكلام على ظاهره، فإن الله لا يُرى للملائكة ولا لإبليس، ولا يستطيع كائن من كان أن يجادله، وإنما أراد الله تصوير ما فعله الملائكة والشيطان حيال آدم، وما جاش بصدورهم عنه، فأتى بما رأيت، وهو أبلغ ما يقال في هذا المقام.
أقول: لعل هذه نزعة مستوحاة مما ذكره الشيخ محمد عبده في تفسير الآية الكريمة في سورة البقرة، وليت الأستاذ بقي على منهجه الذي عُرف به وعرفناه عنه.
- {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} [الكهف: 99] أي ونفخ في البوق، قيل: إذا جاء يوم القيامة نفخ إسرافيل في بوق فحييت الخلائق وخرجت من قبورها للمحشر، ونرى نحن أن النفخ في البوق كناية عن الإيذان بحلول ساعة الحشر، واللغة العربية ملأى بالكنايات والاستعارات، وقال بعض المفسرين الصور جمع صورة، ويكون معنى (ونفخ في الصور) أي بُعثت الأرواح إلى أجسادها.
- {طه} : قيل معناه: يا رجل على لغة بني عك، وقيل: أصله طأها، على أنه أمر لرسول الله بأن يطأ الأرض بقدميه، فإنه كان يقوم في تهجده على إحدى رجليه، وقد أبدلت الألف من الهمزة، والهاء كناية عن الأرض، لكن يرد ذلك رسمها.
- {الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} [الأعراف: 54] أي في ستة أوقات وأدوار، لأنه لم يكن قد خلق اليوم قبل خلقها.
- {لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ} [الإسراء: 62]: أي لأستأصلنهم بالإغواء، من احتنك الجراد الأرض، إذا استأصل ما عليها.
ونكتفي بهذه النماذج التي أعطتنا صورة واضحة عن تفسيره الموجز.