الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 - الربا ولحم الخنزير:
ولنأت بعد هذا إلى السؤال الأخير حول ما رمي به الشيخ من إباحة للربا ولحم الخنزير، فقد كانت هذه المسألة مثار نقاش ومشادة عنيفة وجدل قوي، وكان الذي أثارها الشيخ مصطفى الحمامي على صفحات مجلة (الفتح)، التي كان يصدرها الأستاذ محب الدين الخطيب رحمه الله، فلقد نقل الشيخ مصطفى من تفسير الجواهر، ما يستدل به على أن الشيخ طنطاوي، قد أباح الربا ولحم الخنزير، ولنبدأ بالكلام عن مسألة الربا.
يقول الشيخ طنطاوي في تفسير سورة الكهف: (وهنا ننظر ونقول: الربا حرام ولكن هذا الحرام جعل سببًا في تخريب بلاد الإسلام، ولو أن الربا أخذ لدولتنا، وسدت به ديون دولتنا للإفرنجة، الذين يحيطون بنا، لكان ذلك واجبًا لا جائزًا فقط، ولو أن الربا أخذ منهم وأعطي للفقراء والمساكين، والذين لا يجدون صناعة يعيشون بها، فيشترى بها آلات للزراعة مثلًا، لكان ذلك من باب الاضطرار في المسألتين، فهذا اضطرار يبيح المحظور مؤقتًا.
ويرد الشيخ مصطفى على هذا بقوله: (فهذا رجل مسلم مفسر، يرضى لنفسه أن يقرر أنَّ اجتناب هذا الربا الحرام، كان سببًا لخراب بلاد المسلمين، ويصرخ بأعلى صوته، بوجوب أخذه لا جوازه فقط لسد ديوننا، وهذا الكلام ككلام ذلك الأجنبي تمامًا، الذي فهم أن الإسلام حلل الربا، لأن الضرورات تبيح المحظورات).
ويبين الشيخ طنطاوي وجهة نظره في خطاب أرسله إلى الأستاذ محب الدين الخطيب، لينشره في مجلة (الفتح) يقول فيه - (لقد اطلعت على ما ذكره صديقنا الشيخ الحمامي، اعتراضًا علي في مجلتكم الغراء، وأقول- معلوم أن حكومتنا إسلامية، وأن الزكاة واجبة، وأن الناس يودعون أموالهم في مصارف أجنبية والأجانب يتولون ربحها في التجارة والمكاسب
…
لذلك تألمت من ذلك كل
الألم، ومعلوم أن هذا الربح محرّم على صاحب المال دينًا، وعلى صاحب المصرف قانونًا. فإذن هو حق للحكومة
…
الخ) (1).
ومع أننا على يقين من أن الشيخ طنطاوي، لا يمكن أن يبيح الربا مطلقًا، إلا أن له وجهة نظر فيما يتعلق بالمصارف الأجنبية، ومع أنه ليس هناك مجال بحث هذه المسألة، إلا أن ما يقِفُنَا في هذه الأمور، هو ما نقوم به من عملية الترقيع في نظام. حياتنا من الإسلام تارة ومن غيره أخرى، مع أن الإسلام كل لا يمكن تجزئته.
أما مسألة لحم الخنزير، فينقل الشيخ الحمامي عن تفسير الجواهر في سورة الأعلى (إن لحم الخنزير إذا طبخ وبولغ في نضجه، حتى ماتت الديدان التي به، يحل أكله). وهذه لو صحت عن الشيخ، فإنها لإحدى الكبر. ولنستمع إلى ما يقوله الشيخ في المجلة المذكورة: (
…
ومنها الحشرة التي في لحم الخنزير، فهي من عجائب صنع الله، وهناك كلام للفرنجي جاء عرضًا، إذ يقول:(إنهم يأكلون هذا اللحم، بعد طبخه طبخًا قويًّا وليس هناك (كلمة)، يحل التي ذكرها صديقنا الحمامي، بل لو قال الفرنجي (يحل) لم يكن ذلك منسوبًا إلينا فكيف وهو لم يقل ذلك
…
على أني أقول بأوضح مما تقدم، إن الفاضل مدير مجلة الفتح وقرّاءَه، سيدهشون أشد الدهش إذا أعلمتهم، أن في نفس الصفحة التي رسمت فيها الدودة ما نصه:(ثم قال المؤلف (أي الفرنجي) إن في دراسة تاريخ الحشرة الشريطية، علمًا ونورًا مبينًا يوجب علينا أن نحترس كل الاحتراس، من أجل ما لا يوافق الصحة من لحم الخنزير -الحمد لله أن الإسلام حرمه علينا فلسنا بحاجة إلى هذه النصيحة- إذن صديقي قوّلني ما لم أقل، وقال فيما نصصت على تحريمه صريحًا، إنني حلّلته صريحًا).
وعلى رغم هذا الرد الحاسم، فقد استمر الجدل الصاخب والعتاب العنيف على صفحات المجلة، والذي ظهر أن الشيخ الحمامي كان واهمًا في نقل كلمة
(1) مجلة الفتح (مجلد 8) عدد 368 ص 358.