الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مصادر دينهم، جعل الشيخ يجتهد فيما دعا إليه، ولا محذور في تصوره ما دامت مصادر هذا الدين ستحتفظ للمسلمين بشخصيتهم، ولن تذوب وتتلاشى هذه الشخصية أمام الحضارة الأخرى.
وأما كون الشيخ قد أنكر الحكم الديني، فهي تُهم عارية عن الدليل دافعها تعصب أعمى، وأما كون تلامذته كانوا معاول هدم لأركان الحياة الإسلامية، لتحل محلها القيم الصليبية، فهذا غير مسلم، وإن صح عن بعضهم أنه كان يريد أن يثبت بعض أفكار الغرب مثل علي عبد الرازق في كتابه (أصول الحكم) فهذا كان بعد وفاة الشيخ بأكثر من عشرين سنة ولا ذنب للشيخ فيه.
وعلى كل حال، فلقد اجتهد الشيخ وللمجتهد أجر واحد إن أخطأ، نعم أنا لست معه في تلك الحملات الشعواء، وتلك الكلمات التي كان يرمي بها الأزهر والأزهريين، كما أن كثيرًا من اجتهاداته كان لها آثار عكسية. ولكن مع هذا كله فسيبقى الشيخ علمًا ورمزًا لنقطة تحول أيقظت المسلمين ونبهتهم إلى ما يحيق بهم من أخطار، سواء أكان هؤلاء من خصومه أم مؤيديه. كما سيبقى إمامًا لمدرسة من مدارس الوعي الإسلامي. ولقد ذهب إلى جوار ربه وأفضى إلى ما قدم رحمه الله.
خامسًا: آثار الشيخ العلمية:
إن أول ما دبجه يراع الشيخ كان رسالة صغيرة تسمى (رسالة الواردات) تظهر فيها نزعته الفلسفط والصوفية، وذلك سنة 1373 هـ، أي بعد اتصاله بالشيخ جمال الدين بعامين، ولم تطبع تلك الرسالة في حياته. وفي سنة 1292 هـ ظهر للشيخ كتاب آخر، وهو حاشية على شرح الجلال الدواني للعقائد العضدية، لصاحبها عضد الدين الأيجي، صاحب كتاب المواقف (1). بدأت طباعة تلك الحاشية سنة
(1) رسالة الواردات وحاشيته على الجلال الدواني يرى د. محمد عمارة أنّ هذين الكتابين لجمال الدين الأفغاني وليسا للشيخ محمد عبده ويبرهن على ذلك بحجج كثيرة.
1322 هـ في حياته، أي قبل وفاته بعام واحد، مع حاشية أخرى لعبد الحكيم السيلكوتي وقد انتهت طباعتها بعد وفاته في شعبان 1323 هـ أي بعد وفاته بثلاثة أشهر، ويظهر للقارئ لأول وهلة تأثر الشيخ بالتصوف عند قرائته لأول تلك الحاشية (1)، كما يظهر علم الشيخ في فنون اللغة، وهو يناقش الجلال الدواني، فيما كتب على الطريقة الأزهرية المعروفة. وهذا رد على هؤلاء الذين يتهمون الشيخ بأن بضاعته في العلم مزجاة. كما يظهر من تلك الحاشية، ما علق في ذهن الشيخ من آثار فلسفية، ومعرفة بالمذاهب الكلامية وآراء الفرق المختلفة. وهذان الكتابان كانا من إنتاج الشيخ قبل حصوله على الشهادة العالمية.
وفي أثناء نفي الشيخ إلى بيروت وعودته من هذا المنفى، حظيت المكتبة الإسلامية بألوان من الثقافة الدينية واللغوية فمنها:
ترجمة رسالة الرد على الدهريين، ورسالة التوحيد التي كانت جديدة في أسلوبها، وتختلف اختلافًا كليًا عن حاشيته على العقائد، وإن كان موضوعهما واحدًا. وشرح البصائر النصيرية و (الإسلام والنصرانية) في رده على فرح أنطون الصليبي. وقد فسر جزء (عم) لطلاب مدارس الجمعية الخيرية الإسلامية، وشرح نهج البلاغة، ومقامات بديع الزمان، وشرح ودرّس كتابي دلائل الإعجاز، وأسرار البلاغة للإمام عبد القاهر الجرجاني رحمه الله. ولعل آخر تلك الآثار وأخيرها وأدومها أثرًا، دروس التفسير التي ألقاها الشيخ في بضع سنين قبل وفاته، التي كانت شيئًا جديدًا في موضوعه وأسلوبه، كما كانت نواة لمدرسة وارفة الظلال في فهم القرآن وتفسيره.
(1) هذا إذا لم نرتأ ما ارتآه الدكتور محمد عمارة من أن هذين الكتابين للشيخ جمال الدين الأفغاني، حتى إن صح ما قاله الدكتور محمد عمارة، فإن للشيخ آثارًا كثيرة تدل على غزارة علمه وجمّ معرفته.