الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لحاجة العلم الماسة إليه فكان الظلال، يقول: (وانتهيت من فترة الحياة في ظلال القرآن إلى يقين جازم حاسم أنه لا صلاح لهذه الأرض ولا راحة لهذه البشرية ولا طمأنينة لهذا الإنسان ولا رفعة ولا بركة ولا طهارة ولا تناسق مع سنن الكون وفطرة الحياة إلا بالرجوع إلى الله
…
والرجوع لله له صورة واحدة وطريق واحد لا سواه إنه العودة بالحياة كلها إلى منهج الله الذي رسمه للبشرية
…
) (1).
ومن ذلك الوقت بدأت المكتبة الإسلامية تستقبل بين كل حين وآخر كتابا جديدًا من كتب سيد فيه عمق الفكر وحرارة الدعوة والتركيز المستمر الدائم على أن الإسلام منهج كامل شامل يتناول مظاهر الحياة جميعها، وبدأ حينها حياة جديدة مع هذا الدين وهذا القرآن ومع الإخوان المسلمين، وبقي مدافعًا منافحًا عن الحق حتى استشهد، حيث حكم عليه بالإعدام جمال عبد الناصر وذلك عام 1966 م.
ومن الكتب التي أخرجها للمكتبة الإسلامية:
الإسلام ومشكلات الحضارة، خصائص التصور الإسلامي ومقوماته، هذا الدين، المستقبل لهذا الدين، مشاهدة القيامة في القرآن، التصوير الفني في القرآن، معالم في الطريق، دراسات إسلامية، معركة الإسلام والرأسمالية، السلام العالمي والإسلام، العدالة الاجتماعية في الإسلام، في ظلال القرآن ويقع في ثلاثين جزءًا وهو موضوعنا الذي ستتحدث عنه إن شاء الله.
التعريف بالظلال وفهم صاحبه له:
إذا كان صاحب المنار ذا نزعة عقلية قوية ظهرت في ثنايا تفسيره حينما أراد أن يثبت أن القرآن لا يتعارض مع ما يقرره العقل، وإذا كان الشيخ طنطاوي عاش مولعًا بعجائب الكون، محاولًا أن يعكس ما أولع به على تفسيره، فإن سيد قطب عاش في ظلال القرآن، ومن هنا فإن كتاب الظلال يمكن أن نعده مدرسة جديدة
(1) في ظلال القرآن (1/ 15).
بالإضافة إلى المدرستين السابقتين أعني مدرسة المنار ومدرسة الجواهر (1)، يقول صاحب الظلال في مقدمته:
(الحياة في ظلال القرآن نعمة، نعمة لا يعرفها إلا من ذاقها، نعمة ترفع العمر وتباركه وتزكيه
…
لقد عشت أسمع الله -سبحانه- يتحدث إلي بهذا القرآن، أنا العبد القليل الصغير
…
أي تكريم للإنسان هذا التكريم العلوي الجليل؟ أي رفعة للعمر يرفعها هذا التنزيل؟ أي مقام كريم يتفضل به على الإنسان خالقه الكريم؟
وعشت في ظلال القرآن أنظر من علو إلى الجاهلية التي تموج في الأرض، وإلى اهتمامات أهلها الصغيرة الهزيلة، انظر إلى تعاجب أهل هذه الجاهلية بما لديهم من معرفة الأطفال وتصورات الأطفال
…
وأعجب ما بال هذا الناس؟ ما بالهم يرتكسون في الحمأة الوبيئة، ولا يسمعون النداء العلوي الجليل، النداء الذي يرفع العمر ويباركه ويزكيه؟ يا حسرة على العباد.
وعشت في ظلال القرآن -أرى الوجود أكبر بكثير من ظاهره المشهود
…
إنه عالم الغيب والشهادة لا عام الشهادة وحده
…
والموت ليس نهاية الرحلة إنما هو مرحلة في الطريق، وما يناله الإنسان من شيء في هذه الأرض ليس نصيبه كله
…
وما يفوته هنا من الجزاء لا يفوته هناك فلا ظلم ولا بخس ولا ضياع
…
وعشت في ظلال القرآن أرى الإنسان أكرم بكثير من كل تقدير عرفته البشرية من قبل
(1) لقد بدأ سيد فكرته في تفسير القرآن الكريم عندما بدأ بنشر مقالاته في مجلة المسلمون، تحت عنوان (في ظلال القرآن)، وبعد إصداره سبع حلقات في هذه المجلة توقف عن ذلك ليبدأ بكتابة تفسير متكامل للقرآن الكريم في كتاب مستقل يحمل العنوان، وصدر عنه ستة عشر جزءًا ما بين العام 1952 - 1954 ودخل حينها سيد السجن، وأكمل بقية الأجزاء فيه، وانتهى من ذلك قبل نهاية الخمسينيات.
ثم بدأ بكتب الظلال من جديد وينقح فيه الكثير حتى وصل فيه إلى نهاية الجزء الثالث عشر، وقد انتهى فيه من تفسير سورة إبراهيم عليه السلام، ثم دخل السجن من جديد وبقي فيه إلى وقت إعدامه. وسيكون حديثنا ووقفاتنا مع الظلال من خلال الطبعات المنقحة.
للإنسان ومن بعد، إنه إنسان بنفخة من روح الله
…
فعقيدة المؤمن هي وطنه وهي قومه وهي أهله، ومن ثم يتجمع البشر عليها وحدها لا على أمثال ما تتجمع عليه البهائم من كلأ ومرعى وقطيع وسياج.
والمؤمن ذو نسب عريق ضارب في شعاب الزمان، إنه واحد من ذلك الموكب الكريم الذي يقود خطاه، ذلك الرهط الكريم: نوح وإبراهيم
…
ومحمد عليهم الصلاة والسلام {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ} [المؤمنون: 52].
هذا الموكب الكريم
…
يواجه مواقف متشابهة وأزمات متشابهة
…
وفي ظلال القرآن تعلمت أنه لا مكان في هذا الوجود للمصادفة العمياء ولا للفلتة العارضة {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: 49]
…
إن الوجود ليس متروكًا لقوانين آلية صماء عمياء، فهناك دائمًا وراء السُّنن الإرادة المدبرة والمشيئة المطلقة، والله يخلق ما يشاء ويختار، كذلك تعلمت أن يد الله تعمل ولكنها تعمل بطريقتها الخاصة، وأنه ليس لنا أن نستعجلها ولا أن نقترح على الله شيئًا
…
فإن المنهج الإلهي موضوع للمدى الطويل ومن ثم لم يكن متعسفًا ولا عجولًا في تحقيق غاياته
…
كما يقع لأصحاب المذاهب الأرضية الذين يعتسفون الأمر كله في جيل واحد ويتخطون الفطرة المتزنة الخطى لأنهم لا يصبرون على الخطو المتزن
…
فأما الإسلام فيسير هينًا لينًا مع الفطرة يدفعها من هنا ولردعها من هناك ويقومها حين تميل، ولكنه لا يكسرها ولا يحطِّمها، إنه يصبر عليها عبر العرف البصير الواثق من الغاية المرسومة، والذي لا يتم في الجولة الأولى يتم في الجولة الثانية أو الثالثة أو العاشرة أو الألف
…
إن الاحتكام إلى منهج الله في كتابه ليس نافلة ولا تطوعًا ولا موضوع اختيار إنما هو الإيمان أو فلا إيمان
…
{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} . {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ} [الجاثية: 18 - 19].
والأمر إذن جدٌّ
…
إنه أمر العقيدة من أساسها
…
ثم هو أمر سعادة هذه البشرية أو شقائها
…
إن هذه البشرية -وهي من صنع الله- لا تفتح مغاليق فطرتها إلا بمفاتيح من صنع الله ولا تعالج أمراضها وعللها إلا بالدواء الذي يخرج من يده -سبحانه- وقد جعل في منهجه وحده مفاتيح كل مغلق وشفاء كل دواء {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الاسراء: 82]{إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الاسراء: 9].
ولقد كانت تنحية الإسلام عن قيادة البشرية حدثًا هائلًا في تاريخها، ونكبة قاصمة في حياتها، نكبة لم تعرف لها البشرية نظيرًا في كل ما ألم بها من نكبات
…
إن هناك عصابة من المضللين المخادعين أعداء البشرية، يضعون لها المنهج الإلهي في كفة، والإبداع الإنساني في عالم المادة في الكفة الأخرى ثم يقولون لها اختاري! ! .
وهناك آخرون لا ينقصهم حسن النية ولكن ينقصهم الوعي الشامل والإدراك العميق
…
إن شريعة الله للناس هي طرف من قانونه الكلي في الكون فإنفاذُ هذه الشريعة لا بد أن يكون له أثر إيجابي في التنسيق بين سيرة الناس وسيرة الكون
…
والشريعة إن هي إلا ثمرة الإيمان لا تقوم وحدها بغير أصلها الكبير، فهي موضوعةٌ لتنفذ في مجتمع مسلم
…
هذه بعض الخواطر والانطباعات من فترة الحياة في ظلال القرآن لعل الله ينفع بها ويهدي {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} (1).
هذا قبس من تلك المقدمة لتفسير الظلال، ومنه ندرك أن الرجل رحمه الله كانت
(1) مقدمة الظلال بتصرف.
وندرك من هذا كله ومما سبق غيرة علمائنا وأدبائنا رحمهم الله وجزاهم خيرًا على هذه الأمة، فقد ظهر لنا أن الإمام محمد عبده، والشيخ محمد رشيد رضا، إمامي المدرسة العقلية، كان حرصهما شديدًا على إيقاظ هذه الأمة، كذلك عرفنا ورأينا ما كان للشيخ طنطاوي جوهري رحمه الله من صرخات مشكورة في إيقاظ هذه الأمة، وها هو صاحب الظلال رحمه الله فيما يكتب، بل قدم حياته ثمنا لهذه الصرخة وتلك الآمال، رحم الله المفسرين وجزاهم عن كتابه وعن المسلمين خيرًا.