الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحكم)؟ قال: (نعم). ثم يأخذ الطائر الرجل يقص ما في القصة من حكم، بعد أن عجز عنها الشيخ فيقول:
1 -
قال الله لموسى إن الخضر أعلم منك بعد أن عتب عليه.
2 -
ولما سأله عن مقره قال: مجمع البحرين، فلم عبر بالبحرين؟ فكأن المقام مقام تبحر في العلم.
3 -
ذكر في الخبر، أن عند الصخرة ماء عين الحياة، ونام موسى فلما أصاب السمكة روح الماء وبرده، عاشت ووقعت في الماء، وعين الحياة رمز للعالم هو الحي الحقيقي بعد الموت وفي الدنيا، والناس جميعًا أموات .. ).
واللطيف في أسلوب قصة الشيخ، أنها جاءت متناسبة في أكثر من وجه مع القصة الأصلية، فالرجلان الأولان في القصة أحدهما عالم، والآخر فلاح يريد أن يتعلم، ثم هذا الشيخ يعلمه الطائر المنقلب رجلًا، فتأمل عمق الشيخ ودقته وجميل أفكاره.
ب- أسلوب المحاورة:
فكما اعتمد الشيخ أسلوب القصة، يوشح بها بعض مقاطع تفسيره، فقد استعمل كذلك أسلوب المحاورة، فيصور لنا أن عالمًا يرتاده بين الفينة والفينة، ليسأله مسألة في التفسير، ليبين فيها وجهًا غامضًا، ويجري حوارًا لطيفًا، يخرج الفكرة بيضاء ناصعة، نقشت في صفحات القلب، وها هو الشيخ المستفسر يجلس إلى الشيخ يسأله في أثناء كتابته تفسيره سورة طه.
يقول الشيخ طنطاوي: (لما وصلت إلى هذا المقام، حضر صديقي العالم، الذي اعتاد أن يناقشني في أمثال هذا المقام، واطلع على ما تقدم وقال: لقد أحسنت صنعًا في الكلام على قوله تعالى: {قَال رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه: 50]، إذ أبنت أن القرآن يدخل العلوم والحكم في غضون القصص،
وتكون تلك هي المقصودة، ولكن كيف أَبَنْتَ تلك المحاورة الموسوية، ولم تُبيِّنْ محاورة السحرة مع فرعون؟ فالمحاورة الأولى قد استبان بها نظام هذه الدنيا، فهل من سبيل إلى أن تستبين الثانية بطريق مشوق جميل، حتى نرى نظام الآخرة، بهيئة تسر القلب وتشرح الصدر، كما انشرحت صدورنا ببيان المحاورة الأولى، وجمال نظام العالم الذي نعيش فيه؟ ) (1)، وإزاء هذه الرغبة، يأخذ الشيخ في بيان ما طلبه صديقه العالم السائل، فيأتي على عادته بالطريف والعجيب في المعارف، والحكم والعلوم.
وها هو ذا يقول في سورة الأنبياء، عند تفسير قوله تعالى:{وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء: 105].
(اعلم أن الله عز وجل، لا يضع شيئًا في غير موضعه، فبالحكمة قامت السماوات والأرض، وجعل صلاح كل شيء بحسبه، فلصلاح الملك أربعة شروط هي:
1 -
أن يكون القادة علماء حكماء مفكرين، فهم يكونون أشبه بالعقل في الدماغ.
2 -
وأن يكون للأمة جيش منظم يقوده ضباطه، على شريطة أن يخضع لأولئك العقلاء، وهذا أشبه بالقوة الدموية في جسم الإنسان.
3 -
أن يكون الفلاحون والعمال والصناع قائمين بأعمالهم مطيعين للفريقين.
4 -
أن تنظم هذه الطوائف الثلاثة، بحيث تقسم جميع أعمال الدولة عليهم، هذا هو الصلاح الذي ذكره الله هنا للملك في الأرض).
وهنا نجد الشيخ يستعين بموقف المحاورة، ليزيد الموضوع إيضاحًا: (قال لي قائل لما سمع هذا المعنى: أيها الأستاذ، هل الله قال ذلك؟ فو الله إنك لتطرق المعاني من تلقاء نفسك، ووالله ما في كتاب الله شيء من هذا، فقلت له: (لا
(1) الجواهر جـ 10 ص 125.