الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثواب الله وشكر الناس، وقبل أن نعرض لطريقته في التفسير ولنماذج منه ولآرائه في بعض المسائل، نود أن نتبين رأيه في تفسير القرآن.
1 - رأيه في تفسير القرآن:
ليس الشيخ من هؤلاء، الذين يريدون أن يحولوا بين الناس وبين إرادة الفهم لكتاب الله، فيضع الحواجز والعراقيل. وليس من أولئك، الذين يريدون أن يجعلوا من تفسير القرآن، متنًا يركبه كل واحد دون خبرة. كما أنه لا يرضى عن الذين يريدون التوسع في تأويل آيات القرآن، لتوافق ما يستجد من نظريات العلم. وإنما يقف الشيخ وقفة المعتدل المتبصر. فألفاظ القرآن ومعانيه يمكن أن يفسرها من يملك العدة لذلك. وإذا تحدثت بعض الآيات الكريمة عن حقائق الكون والحياة، فلا ينبغي أن نضرب صفحًا عما تحدث عنه، بل يجب أن نؤمن بأنه الحق.
يقول الشيخ في ذلك (1):
وإذا كان الباطنية، يخرجون بألفاظ القرآن، عن مقتضى أوضاعها ومجازاتها المألوفة، فهناك طائفة أخرى تحمل ألفاظه على حقائقها اللغوية، وقد يكون حملها على المجاز أو التمثيل، هو الذي تقضي به البلاغة، ويستدعيه المقام الذي سيقت فيه الآية. ومن هنا كان من شرائط المفسر للقرآن، أن يكون ملمًّا بفنون البيان، ذا ألمعية مهذبة، تساعده على أن يعرف المواضع التي تفهم فيها الألفاظ على حقائقها. والمواضع التي يليق ببلاغة القرآن أن تفهم فيها على المجاز أو التمثيل.
وحدث في هذا العصر آراء في التفسير، يذيعها نفر لا يرقبون في القرآن حكمة ولا بلاغة، كمن ينكر المعجزات الكونية بإطلاق، فيؤول آيات المعجزات على وجوه تجعلها من الحوادث العادية، وإن كان تأويلها لا يجرى على استعمال الألفاظ المعروف في اللغة، ولا تحتمله أساليب بلاغتها.
(1) بلاغة القرآن ص 22.
هذه هي الطريقة الموصلة إلى التفسير الحق فيما نرى، وننظر بعد هذا في الأهداف التي يتجه إليها المفسر، فنقول: أنزل القرآن لمقصدين ساميين:
1 -
هداية البشر إلى سبل السعادة في الحياتين الدنيا والآخرة.
2 -
دلالته على صدق الرسول صلى الله عليه وسلم، فيما ادعاه من الرسالة، التي هي مطلع تلك الهداية العامة، فكان أعظم معجزة وأخلدها على وجه الأرض.
فمن أراد تفسير القرآن، فليتجه إلى وجوه الهداية التي أرشد إليها من نحو العقائد والعبادات والأخلاق والآداب، وأحكام المعاملات، ويتجه مع هذا إلى الوجوه التي كان بها المعجزة الخالدة.
وقد تفاوت آراء المفسرين، في البحث عن وجوه هدايته، ووجوه إعجازه، على قدر تفاوتهم في العلم والفهم.
وتجاوز قوم حدود هذين الهدفين، وأطلقوا لأقلامهم العنان، فاستطردوا في التفسير مباحث لا يتوقف عليها فهم القرآن من حيث إنه هداية، أو مباحث لا يحتاج إليها في تقرير وجه من وجوه إعجازه، وإنما هي المسائل ترجع إلى علوم أخرى مستقلة بنفسها.
كنت يومًا في مجلس حافل، فقال أحد الحاضرين: إن القرآن نزل للوعظ والإرشاد، ولا يضره أن يوجد فيه ما يكون مخالفًا لقضايا بعض العلوم القطعية. فقلت: نحن نعلم أن القرآن الكريم لم ينزل لبيان الحقائق العلمية، التي يبحث عنها في مثل العلوم الطبيعية والرياضية، ولكنه إذا عرج في طريق هدايته، على شيء مما يبحث عنه أرباب هاتيك العلوم، عرفنا حق اليقين أنه لا يقول إلا حقًّا، ولا أرى هذا الرأي الذي أبديته إلا أنك فرضته فرضًا، إذ لا تستطيع أن تأتينا بمثال يرينا، كيف قرر القرآن شيئًا يخالف ما ثبت في العلوم اليقينية. وهنا انقطعت المحاورة بيني وبينه من ناحية المباحث العلمية" (1).
(1) بلاغة القرآن ص 22 - 25.