الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
متواتر. وثانيهما: تأويل نزوله وحكمه على الأرض، بغلبة روحه وسر رسالته على الناس، وهو ما غلب في تعاليمه من الأمر بالرحمة والمحبة والسلم، والأخذ بمقاصد الشريعة دون الوقوف عند ظواهرها والتمسك بقشورها دون لبابها، وهو حكمتها وما شرعت لأجله. وكل ذلك مطوي في القرآن الذي حجبوا عنه بالتقليد، الذي هو آفة الحق، وعدو الدين في كل زمان، فزمان عيسى على هذا التأويل، هو الزمان الذي يأخذ الناس فيه بروح الدين والشريعة الإسلامية، لإصلاح السرائر من غير تقيد بالرسوم والظواهر) (1).
وسئل عن المسيح الدجال وقتل عيسى له فقال: (إن الدجال رمز للخرافات والدجل والقبائح، التي تزول بتقرير الشريعة على وجهها والأخذ بأسرارها وحكمها)(2).
وهذا مسلك خطر جدًّا، فالأحاديث في نزول سيدنا عيسى عليه السلام والدجال، أحاديث صحيحة صريحة، وليست من الآحاد في شيء، ثم دعوى أن أحاديث الآحاد لا يؤخذ بها في شؤون العقائد دعوى للعلماء فيها خلاف، فمحور الأمر كله يدور على صحة الحديث. وأخطر من هذا المسلك مسلك التأويل لهذه الأحاديث. وهذا قريب من تأويل الباطنية وما كان ينبغي له أن يخوض مثل هذا الخوض. وإذا فتح باب التأويل على هذا المنوال، فإن جميع النصوص سيلحق بها هذا الظن، وللناس مشارب مختلفة، فمن يمنع كل واحد إذن أن يؤول كل ما لم يقتنع به، أو ما له هوى في تأويله من أجل أن يوافق مذهبه وهواه؟ ؟ .
3 - تأويله لحادثة الفيل:
يقول في تفسيره لسورة الفيل:
(وفي اليوم الثاني، نشأ في جند الحبشة داء الجدري والحصبة. وقد فعل ذلك
(1) المنار جـ 3 ص 317.
(2)
المنار جـ 3 ص 317.
الوباء بأجسامهم ما يندر وقوع مثله، فكان لحمهم يتناثر ويتساقط. فذعر الجيش وصاحبه، وولوا هاربين، وأصيب الحبشي ولم يزل يسقط لحمه قطعة قطعة، وأنملة أنملة حتى انصدع صدره ومات في صنعاء، هذا ما اتفقت عليه الروايات، ويصح الاعتقاد به، وقد بينت لنا هذه السورة الكريمة أن ذلك الجدري أو تلك الحصبة، نشأت من حجارة يابسة، سقطت على أفراد الجيش بواسطة فرق عظيمة من الطير مما يرسله الله مع الريح. فيجوز لك أن تعتقد أن هذا الطير من جنس البعوض، أو الذباب الذي يحمل جراثيم بعض الأمراض -وأن تكون هذه الحجارة من الطين المسموم اليابس، الذي تحمله الرياح فيعلق بأرجل هذه الحيوانات، فإذا اتصل بجسد، دخل مسامه، فأثار فيه تلك القروح التي تنتهي بإفساد الجسم وتساقط لحمه. وأن كثيرًا من هذه الطيور الضعيفة من أعظم جنود الله في إهلاك من يريد إهلاكه من البشر. وأن هذا الحيوان الصغير الذي يسمونه الآن بالميكروب، لا يخرج عنها، وهو فرق وجماعات لا يُحصي عدَدها إلا بارئُها .. وهذا ما يصح الاعتماد عليه في تفسير السورة وما عدا ذلك فهو مما لا يصح قبوله، إلا بتأويل إن صحت رواياته) (1).
ولا أدري بم يفسر الأستاذ رحمه الله الحجارة، التي أرسلها الله على قوم لوط وما هو نوع الميكروب الذي كانت تحمله، ومثل ذلك ريح عاد وصيحة ثمود؟ .
والحق أن مذهب الأستاذ ومسلكه في تضييق نطاق الخوارق، وتأثره بالفلسفات المادية، وافتتانه بمعطيات الحضارة الغربية، التي تفسر كل شيء تفسيرًا ماديًا حتى التاريخ، كل ذلك واضح من خلال مواضع كثيرة في تفسيره، وبخاصة تفسير هذه السورة. إن الميكروبات حينما تظهر، لا تفرق بين عربي وحبشي، فإذا ابتلي بها قوم دون آخرين فذلك لا شك شأن إلهي، وإن لم تدركه عقولنا، فحري بنا إذن أن نبقي مثل هذه الشؤون الإلهية الخاصة كما جاء بها الشرع، وألا نحاول أن نخضعها
(1) تفسير جزء عم ص 158.