الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن معنى هذه الآية قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222]. وهم الذين كلما أذنبوا تابوا، والتوبة طهارة للنفس من درن المعاصي.
(والغفور) في قوله تعالى: {فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا} . وهو الكثير المغفرة، لأنه على وزن فعول، وهو من أمثلة المبالغة الدالة على الكثرة. والمغفرة سترة للذنب وعدم مؤاخذته به.
ولما ذكر من وصف الصالحين كثرة رجوعهم إليه، ذكر من أسمائه الحسنى ما يدل على كثرة مغفرته ليقع التناسب في الكثرة من الجانبين، ومغفرته أكبر. وليعلم أن كثرة الرجوع إليه يقابله كثرة المغفرة منه، فلا يفتأ العبد راجعًا راجيًا للمغفرة، ولا تقعده كثرة ما يذنب عن تجديد الرجوع، ولا يضعف رجاءه في نيل مغفرة الغفور كثرةُ الرجوع.
نكتة نحوية:
وقد أكد الكلام (بإن) لتقوية الرجاء في المغفرة. وجيءَ بلفظة كان، لتفيد أن ذلك هو شأنه مع خلقه من سابق، وهذا مما يقوي الرجاء فيه في اللاحق، ، فقد كان عباده يذنبون ويتوبون إليه، ويغفر لهم، ولا يزالون كذلك، ولا يزال تبارك وتعالى لهم غفورًا.
تطلب التوبة مهما عظمت الذنوب:
وإنما احتيج إلى هذا التأكيد كله في تقوية رجاء المذنب في المغفرة، ليبادر الرجوع على كل حال، لأن العبد مأخوذ بأمرين يضعفان رجاءه في المغفرة:
أحدهما كثرة ذنوبه التي يشاهدها، فتحجبها كثرتها عن رؤية مغفرة الله تعالى، التي هي أكبر وأكثر.
والآخر رؤيته لطبعه البشري، وطبع بني آدم من المنع عند كثرة السؤال، كما
قال شاعرهم - أي البشر لأن الشاعر العربي (1) عبر عن طبع بشري:
سألنا فأعطيتم، وعدنا فعدتُمُ
…
وَمَنْ أكْثَرَ التَسْآلَ يوما سيحرمُ
فيقوده القياس - وهو من طباع البشر أيضًا - الفاسد: إلى ترك الرجوع والسؤال، من الرب الكريم العظيم النوال.
فهذان الأمران يقعدانه عن الرجوع والتوبة، فيستمر في حمأة المعصية، وذلك هو الهلاك المبين. فكان حاله مقتضيًا لأن يؤكد حصول المغفرة عند رجوعه بتلك المؤكدات.
ونكتة بلاغية:
وقد كان مقتضى الظاهر في تركيب الآية أن يقال: إن تكونوا صالحين فإنه كان لكم غفورًا، لأن المقام للإضمار. لكنه عدل عن الضمير إلى الظاهر فقيل:{فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا} لينص على شرط المغفرة وهو الأوبة والرجوع.
وعلم من ذلك أن الصالح عندما تقع منه الذنوب مطالب - كغيره - بالأوبة، لتحصيل المغفرة، لأن فرض الأوبة إلى الله من المعاصي عام على الجميع.
وقد اشتملت الآية من فعل الشرط، وهو {إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ} ، وجواب الشرط، وهو {فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا} - على الحالتين اللازمتين للإنسان لتكميل نفسه، وهما الصلاح المستفاد من الأول، والإصلاح بالأوبة المستفاد من الثاني.
وما دام الإنسان مجاهدًا في تزكية نفسه بهذين الأصلين فإنه بالغ أملًا ورجاءً - بإذن الله - درجة الكمال.
(1) هو زهير بن أبي سُلمى ربيعة بن رباح المزني، أحد فحول الجاهلية الأربعة. وهو أعف الشعراء قولًا وأكثرهم تهذيبًا لشعره، وجرت أبيات كثيرة له مجرى المثل. وكثير من أصوله وفروعه شعراء لا يشق لهم غبار.