الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعند قوله تعالى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] يقول في تفسير (القروء): جمع قرء بالفتح والضم، وهو الحيض أو الطهر الفاصل بين الحيضتين، وإلى الأول ذهب أبو حنيفة وأحمد وإلى الثاني ذهب مالك والشافعي" (1).
وعند قوله {فَاكْتُبُوهُ} من آية الدين قال: "أمر استحباب، وقيل: للوجوب وعن ابن عباس: أن المراد بالدين في الآية السلم"(2).
وهو كذلك لا يرد الأحاديث الصحيحة، أو يؤولها كما رأينا عند صاحب المنار ومن سلك مسلكه. يظهر ذلك جليًّا عند تفسيره لقول الله تعالى:{قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [الأنعام: 145] فهو يقول (3)(والحصر حقيقي بالنسبة لما نزل تحريمه، وقد وردت السنة بعد نزول هذه الآية، بتحريم لحوم الحمر الأهلية، وكل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير، وقيل: الحصر إضافي بالنسبة لما زعموه من تحريم البحائر والسوائب، أي إنما حرم هذه الأربعة دون ما يزعمون من ذلك، فلا ينافي تحريم غيرها مما ذكر).
3 - اهتمامه بالتحقيقات اللغوية:
إن من أهم ما يمتاز به تفسيره التحقيقات اللغوية، وإننا لا نجد تلك التحقيقات في تفسير بحجمه، حتى في ما هو أوسع منه، وتظهر عنايته هذه في بيان معاني الكلمات، وأصل اشتقاقها، أو في سر الفرق بين كلمة وكلمة، أو تجلية استعارة في جملة، كل ذلك وغيره واضح في هذا التفسير.
(1) 1/ 75.
(2)
1/ 92.
(3)
ص 245 - 246.
فها هو يبين لنا أصل كلمة (كتاب) وكلمة (ريب)، والتقوى وكلمة (يوقنون) وكلمة (المفلحون) في أوائل سورة البقرة بقو له (1):
الكتاب: مصدر كتب كالكتاب، وأصل الكتب ضم أديم إلى أديم الخياطة. واستعمل عرفًا في ضم الحروف بعضها إلى بعض بالخط، وأريد به هنا المنظوم عبارة، قبل أن تنظم حروفه التي يتألف منها الخط، تسمية للشيء باسم ما يؤول إليه.
الريب: الشك والظنة والتهمة. مصدر رابه الأمر إذا حصل عنده فيه ريبة، وقال ابن الأثير: والشك مع التهمة.
هدى للمتقين: جمع متق اسم فاعل من اتقى، وأصله اوتقي بوزن افتعل من وقى الشيء وقاية أي أصانه وحفظه مما يضره ويؤذيه، فإذا بنيت منه افتعل قلبت الواو تاء، وأدغمت في التاء الآخرة فصارت اتقى.
يوقنون: من الإيقان وهو التحقق. يقال: يقن الماء، إذ سكن وظهر ما تحته، واليقين: العلم وزوال الشك، يقال يقنت -بالكسر- يقنا، وأيقنت وتيقنت واستيقنت بمعنى واحد. وهو درجة من العلم فوق المعرفة والدراية وأخواتهما، يصحبهما ثبات الحكم وسكون النفس وطمأنينتها).
والمفلحون: من الفلاح وهو الفوز والظفر بدرك البغية، وأصله من الفلح بسكون اللام وهو الشق والقطع، ومنه فلاحة الأرض وهو شقها للحرث واستعمل منه الفلاح في الفوز كما أن الفائز شق طريقه وفلحه للوصول إلى البغية أو انفتحت له طريق الظفر وانشقت".
وفي معنى السفهاء يقول: السفه: الخفة والرقة والتحرك والاضطراب يقال ثوب سفيه، إذا كان رديء النسج خفيفه، أو كان باليًا رقيقا، وتسفهت الريح الشجر، مالت به. وزمام سفيه كثير الاضطراب لمنازعة الناقة إياه وشاع في خفة العقل وضعف الرأي.
(1) ص 14 - 15.
ويفصل لنا معنى (الهيم) و (المماراة) و (الأسر) فيقول في تفسير قوله تعالى (1){فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ} [الواقعة: 55] من سورة الواقعة: (الإبل العطاش التي لا تروى بالماء، لداء يصيبها يشبه الاستسقاء يسمى الهيم، فلا تزال تشرب حتى تهلك، أو تسقم سقمًا شديدًا
…
جمع أهيم للمذكر وهيماء للمؤنث).
ويقول في تفسير قوله تعالى {أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى} [النجم: 12] من سورة النجم: (يقال: ما راه يماريه مماراة ومراء، جادله، مشتق من مري الناقة يمريها، إذا مسح ضرعها ليخرج لبنها وتدربه، فشبه به الجدال، لأن كلا من المتجادلين يمرى ما عند صاحبه، أي يسعى لاستخراجه ليلزمه الحجة. وعدّي الفعل بـ (على) لتضمنه معنى المغالبة).
أما عند قوله تعالى: {نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ} [الإنسان: 28] من سورة الدهر فيقول: (يقال: أسره الله، خلقه، وبابه ضرب، وفرس شديد الأسر: أي الخلق- والأسر: القوة، مشتق من الإسار -بالكسر- وهو القِدُّ الذي تشد به الأقتاب. يقال: أسرت القتب أسرًا، شددته وربطته، ومنه الأسير لأنه يكتف بالأسار).
وهذا موضع آخر، طالما اختلفت فيه كلمة العلماء، وشنع فيه على بعضهم، وتطاول بعضهم فيه على الشافعي، يحققه الشيخ، وأعني به قوله تعالى:{ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} [النساء: 3](2): (والعول في الأصل: الميل المحسوس. يقال: عال الميزان عَوْلًا إذ مال، ثم نقل إلى الميل المعنوي وهو الجور، ومنه: عال الحكم إذا جار وقيل {أَلَّا تَعُولُوا} أي لا تكثر عيالكم. يقال: عال يعول، إذا كثر عياله).
أما عن دقة التعبير القرآني، والتغاير بين الأساليب، فلم يفت المفسر التنبيه عليه في كثير من الأحيان، فمن ذلك ما ذكره عند قوله تعالى: {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى
(1) ص 394.
(2)
ص 139.