الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 -
بيان أن للأمم آجالًا لا تتقدم ولا تتأخر عن أسبابها، التي اقتضتها السنن الإلهية العامة
…
3 -
ابتلاء الله الأمم بالبأساء والضراء تارة، وبضدها من الرخاء والنعماء تارة أخرى.
4 -
بيان أن الإيمان بما دعا الله إليه، والتقوى في العمل بشرعه فعلًا وتركًا، سبب اجتماعي طبيعي لسعة بركات السماء والأرض وخيراتها على الأمة
…
5 -
استدارجه تعالى للمكذبين والمجرمين وإملاؤه لهم
…
6 -
سنة الله في الأمم التي ترث الأرض من بعد أهلها الأصلاء، هي سنته تعالى في أهلها.
ويفصل كل أصل من هذه الأصول، ولعلنا لا نعدو الحقيقة إذا قلنا: إن تفسير المنار كان له أثر غير قليل، وهو ينبه على هذه السنن، وهو ينعى على هؤلاء الذين ركنوا إلى التواكل ظانين أنه من التوكل، وشتان ما بينهما، ولا نعدو الحقيقة كذلك إذا قلنا إن خير ما يمتاز به هذا التفسير كذلك هو تفصيل هذه السنن تفصيلًا يجمع إلى دقة البحث وعمق الفهم نبيل الغاية وكريم المقصد.
7 - دفاعه عن الإسلام:
لم يعرف التاريخ قديمًا وحديثًا دينًا صوبت له السهام من كل حدب وصوب كهذا الدين، ولقد كانت هجمات أعدائه مركزة غاية التركيز، مع أنه الدين الذي كرم الإنسان وسما به، بقطع النظر عن بيئته الجغرافية أو الاجتماعية، وبقطع النظر عن جنسيته، ولو أن المسلمين تنبهوا لتلك الهجمات، أو سلم هذا الدين على الأقل من تبعية كثير منهم لأعدائه، ما استطاعت قوة في الدنيا أن تنال منه أو منهم، وليس أضر على مبادئ الحق من الجهل والتعصب الأعميين، وبهما ابتلي هذا الإسلام من الداخل والخارج، ورحم الله القائل (1):
(1) هذه الأبيات من قصيدة لخالي رحمه الله الشيخ يوسف عبد الرزاق، عنوانها:(كيف الوصول إلى العلياء) نشرت في مجلة جمعية مكارم الأخلاق في مصر في عشرينيات القرن الماضي.
وبالإسلام كان لنا التفاف. . . لدوحته فتخشانا الشعوب
فكاد له بنو الإلحاد كيدًا. . . وعابوه وليس له ذنوب
وأعماهم عنادهم وصموا. . . وحقًّا إنها تعمى القلوب
ومع كل هذا فإن الله يقيض لهذا الدين على مدة الزمن، من ينفي عنه تحريف المبطل، وزيغ الضال، وكيد الماكر، وحقد الحاقد، وهم ورثة الأنبياء، وهم الذين يقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عنهم (لا تزال طائفة من أمتي قائمة على هذا الدين، لا يضرهم من غالبهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك)(1).
ولقد امتازت الحقبة الزمنية التي عاشها صاحب المنار بضروب كثيرة من هذا الهجوم المركز، ذلك أن فتنة الناس بمدنية الغرب وطفرة المادية، كانت على أشدها، وزاد في ذلك ما أصيب به المسلمون من هزات عنيفة في الحرب والسياسة والاقتصاد وغير ذلك من مرافق الحياة، فلا بد إذن من أن يشمر كل عالم عن ساق الجد، ويفرغ كنانته ويعجم عيدانها، ليرد السهام إلى كبد راميها، ولقد كان رشيد من هؤلاء، وقد ظهر ذلك واضحًا في تفسيره، فهو يدحض شبهات المستشرقين تارة، ويكشف زيف افتراءات الكنيسة تارة، ويصحح العقائد المزلزلة في نفوس المستغربين تارة ثالثة، ويبين خطورة المذاهب الداخلية والنحل الباطنية، كالبهائية والقاديانية وغيرهما، كل ذلك بأسلوب واضح، وحجة دامغة تتبختر اتضاحًا، مضمنًا ذلك كله الميزات التي يمتاز بها هذا الدين، فلقد رد على منكري الوحي عمومًا، وعلى الخصوص منكري الرسالة المحمدية، وبين أن الإسلام دين الفطرة والعقل، كما رد على منكري الجن -وهذا يدحض ما اتهم به من أنه منكر لوجودهم- وكذلك وضح سبق الإسلام في تحرير الرقيق والمرأة، وتكلم عن مقاصد القرآن في تربية النوع الإنساني، وأظهر عظمة القرآن في ما شرعه من نظم مالية وحربية وسياسية وغير ذلك، وأورد هنا نماذج من دفاعه عن الإسلام، كتبها في ثنايا تفسيره لسورة يونس:
(1) صحيح مسلم جـ 3/ 1523 طبعة عيسى الحلبي.
1 -
يعقد فصلًا بعنوان (صد الكنيسة عن الإسلام وبغيه عوجًا)(1) يقول فيه:
(إن رجال الكنيسة لم يجدوا ما يصدون به أتباعها عن الإسلام -بعد أن رأوه قد قضى على الوثنية والمجوسية، وكاد يقضي على النصرانية في الشرق، ثم امتد نوره إلى الغرب- إلا تأليف الكتب ونظم الأشعار والأغاني، في ذم الإسلام ونبيه وكتابه بالإفك والبهتان وفحش الكلام، الذي يدل على أن هؤلاء المتدينين أكذب البشر، وأشدهم عداوة للحق والفضيلة في سبيل رياستهم، التي يتبرأ منها المسيح عليه صلوات الله وسلامه، وقد كان أتباعه يصدقون ما يقولون، ويكتبون ويتهيجون بما ينظمون وينشدون، حتى إذا ما اطلع بعضهم على كتب الإسلام، ورأوا المسلمين وعاشروهم، فضحوهم أقبح الفضائح. كما ترى في كتاب (الإسلام خواطر وسوانح) للكونت دي كاستري، وكما ترى في الكتاب الفرنسي الذي ظهر في هذا العهد باسم (حياة محمد) للمسيو درمنغام، وهذان الكاتبان فرنسيان من طائفة الكاثوليك اللاتين. وقد صرحا كغيرهما بأن كنيستهم هي البادئة في الظلم والعدوان، والإفك والبهتان، وبأدب المسلمين في الدفاع (2).
2 -
يرد على زعم بعض أعداء الإسلام، أن محمدًا صلى الله عليه وسلم، سمع من نصارى الشام، خبر غلب الفرس وظهورهم على الروم، ليوهم الناس أن ما جاء في أول سورة الروم من الإنباء بالمسألة، مستمد من سماعه منهم، فيقول:(هذا مردود بدلائل التاريخ والعقل، فأما التاريخ فإنه يحدثنا بأن ظهور الفرس على الروم كان في سنة (610 م)، وذلك بعد رحلة محمد صلى الله عليه وسلم الأخيرة إلى الشام بأربع عشرة سنة، وقبل بدء الوحي بسنة
…
وأما العقل فإنه يحكم بأن مثل محمد في سمو إدراكه المتفق عليه، لا يمكن أن يجزم بأن الغلب سيعود للروم على
(1) تفسير المنار جـ 11 ص 154.
(2)
تفسير المنار جـ 11 ص 186.
الفرس في مدة بضع سنين
…
وقد صح أن انتصار الروم حصل سنة 622 م، وكان وحي التبليغ للنبي صلى الله عليه وسلم سنة 614 م، فإذا فرضنا أن سورة الروم نزلت في هذه السنة، يكون النصر قد حصل بعد ثماني سنوات، وإن كان في السنة الثانية تكون المدة سبع سنين، وهو المعتمد في التفسير).
3 -
ويرد زعم الذين يدعون أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخذ عن علماء النصارى في الشام بقوله (1): (لو كان النبي صلى الله عليه وسلم، تلقى عن علماء النصارى في الشام شيئًا، أو عاشرهم، لنقل ذلك أتباعه الذين لم يتركوا شيئًا علم عنه أو قيل فيه ولو لم يثبت، إلا ودونوه ووكلوا أمر صحته أو عدمها إلى إسناده، ولو وقع ما ذكر لاتخذه أعداؤه من كبار المشركين شبهة يحتجون بها على أن ما يدعيه من الوحي قد تعلمه في الشام من النصارى، فإنهم كانوا يوردون عليه ما هو أضعف وأسخف من هذه الشبهة، وهو أنه كان في مكة قين (حداد) رومي يصنع السيوف وغيرها. فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقف عنده أحيانًا يشاهد صنعته، فأتهموه بأنه يتعلم منه، فرد الله عليهم بقوله {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103)} [النحل: 103].
4 -
يعقد فصلًا في ترجيح فضائل القرآن على فضائل الإنجيل (2)، يقول فيه:
(وأذكر فضيلتين من فضائله، يزعم النصارى أن ما هو مأثور عندهم فيها، أكمل وأفضل مما جاء به الإسلام.
(الأولى) قول المسيح عليه السلام: (أحبوا أعداءكم باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى من أساء إليكم، ومن ضربك على خدك الأيمن فأدر له الأيسر)
…
أمثال هذه الأوامر لا تأتي في دين الفطرة العام، لأن امتثالها من
(1) تفسير المنار جـ 11 ص 187.
(2)
تفسير المنار جـ 8 ص 216.
غير المستطاع، فالله تعالى يقول {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286]، وإنما قرر القرآن في موضوعها الجمع بين العدل والفضل والمصلحة قال تعالى:{وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (41) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (42) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (43)} [الشورى: 40 - 43]، ولا يخفى أن العفو والمغفرة للمسيء، إنما تكون من القادر على الانتصار لنفسه، وبذلك يظهر فضله على من عفا عنه، فيكون سببًا لاستبدال المودة بالعداوة، في مكان الإغراء بالتعدي ودوام الظلم
…
أفليس هذا الإصلاح الأعلى، على لسان أفضل النبيين والمرشدين، دليلًا على أنه وحي من الله تعالى وقد أكمل به الدين؟ بلى وأنا على ذلك من الشاهدين، ولا يجحده إلا من سفه نفسه فكان من الجاهلين.
(الثانية) مبالغة المسيح عليه السلام في التزهيد في الدنيا، والأمر بتركها، وذم الغني، حتى جعل دخول الجمل في ثقب الإبرة أيسر من دخول الغني ملكوت السماوات
…
أما الإسلام فهو دين البشر العام الدائم، فلا يقر إلا ما هو لمصلحة الناس كلهم في دينهم ودنياهم، وهو في هذه المسألة، ذم استعمال المال فيما يضر من الإسراف والطغيان، وذم أكله بالباطل، ومنع الحقوق المفروضة فيه، والبخل به عن الفقراء والضعفاء ومدح أخذه بحقه ليكونَ عونًا للنفس على حفظ حقيقتها واستقلالها، فهذه المسألة وما قبلها مما أكمل الله تعالى به الدين، فيما أوحاه من كتابه إلى محمد رسول صلى الله عليه وسلم وخاتم النبيين، وما كان لرجل أمي ولا متعلم، أن يصل بعقله إلى أمثال هذا الإصلاح، لتعاليم الكتب السماوية التي يتعبد بها الملايين من البشر.
5 -
ويرد على شبهة لمقلدي الفلاسفة، يزعمون فيها أن الكمال البشري أن يعمل الإنسان الخير لذاته، أو لأنه خير لا لعلة، ويعدون من أكبر العلل، أن يعمله