الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1 - العقيدة في إطارها العام:
يتناول سيد رحمه الله موضوع العقيدة تناول فقه وفهم، مثبتًا تارة ورادًا ومعترضًا تارة أخرى، ولقد بحث علماء الأديان هذه المسألة وتبعهم كثير من الكتاب المسلمين، ووصلت بهم أبحاثهم إلى أن العقيدة رافق تطورها تطور هذا الإنسان، فمن عهد تعدد الآلهة إلى عهد التمييز والترجيح إلى عهد التوحيد الخالص، وكأن الأمر عند هؤلاء أن العقيدة تمامًا كالصناعة والعلوم المتعددة وهذا في الحقيقة يؤدي إلى نتيجة خطيرة كل الخطورة وهي أن هذا الأساس هو الذي لعب دورًا كبيرًا في تشذيب هذه العقيدة وتهذيبها، ولكن سيدًا رحمه الله لم يمر على هذه المسألة دون أن يبين ما تنطوي عليه من مزالق، فها هو يترصد ويتحسس ما يكتبه الكاتبون ليفنده ويرده، حتى إن كان هؤلاء ممن كان له معهم ماض كثير الصلات متين الروابط، فهو يقول (1):
(إن قوم نوح هؤلاء
…
هم ذرية آدم
…
وآدم
…
قد هبط إلى الأرض ليقوم بمهمة الخلافة فيها، بعد أن علمه ربه كيف يتوب من الزلة التي زلها، وكيف تلقى من ربه كلمات فتاب عليه بها، وكيف أخذ عليه ربه العهد والميثاق -هو وزوجه وبنوه- أن يتبع ما يأتيه من هدي الله، ولا يتبع الشيطان وهو عدوه وعدو بنيه إلى يوم الدين.
وإذن فقد هبط آدم إلى الأرض مسلمًا لله متبعًا هداه
…
وما من شك أنه علم نبيه الإسلام جيلًا بعد جيل، وأن الإسلام كان هو أول عقيدة عرفتها البشرية في الأرض حيث لم تكن معها عقيدة أخرى، فإذا نحن رأينا قوم نوح -وهم من ذرية آدم بعد أجيالٍ لا يعلم عددها إلا الله- قد صاروا إلى هذه الجاهلية
…
فلنا أن نجزم أن هذه الجاهلية طارئة على البشرية بوثنيتها وأساطيرها وخرافاتها وأصنامها
(1) الظلال جـ 12 ص 70 الطبعة الخامسة.
وتصوراتها وتقاليدها جميعًا، وأنها انحرفت عن الإسلام إليها بفعل الشيطان المسلط على بني آدم، وبفعل الثغرات الطبيعية في النفس البشرية، تلك الثغرات التي ينفذ منها عدو الله وعدو الناس، كلما تراخوا عن الاستمساك بهدي الله واتباعه وحده وعدم اتباع غيره معه في كبيرة ولا صغيرة
…
وهذه الحقيقة.، . حقيقة أن أول عقيدة عرفت في الأرض هي الإسلام القائم على توحيد الدينونة والربوبية والقوامة لله وحده
…
تقودنا إلى رفض كل ما يَخْبِطُ فيه من يسمونهم (علماء الأديان المقارنة) وغيرهم من التطورين، الذين يتحدثون عن التوحيد بوصفه طورًا متأخرًا من أطوار العقيدة
…
سبقته أطوار شتى من التعدد والتثنية للآلهة، ومن تأليه القوى الطبيعية، وتأليه الأرواح، وتأليه الشموس والكواكب
…
إلى آخر ما تخبط فيه هذه (البحوث) والتي تقوم ابتداءً على منهج موجه بعوامل تاريخية ونفسية وسياسية معينة
…
يهدف إلى تحطيم قاعدة الأديان السماوية والوحي الإلهي عند الله، وإثبات أن الأديان من صنع البشر، وأنها من ثم تطورت بتطور الفكر البشري على مدار الزمان.
وينزلق بعض من يكتبون عن الإسلام مدافعين، فيتابعون تلك النظريات التي يقررها الباحثون في تاريخ الأديان -وفق ذلك المنهج الموجه- من حيث لا يشعرون، وبينما هم يدافعون عن الإسلام متحمسين يحطمون أصل الاعتقاد الإسلامي الذي يقرره القرآن الكريم في وضوح حاسم، حين يقرر أن آدم عليه السلام هبط إلى الأرض بعقيدة الإسلام، وأن نوحًا عليه الصلاة والسلام واجه ذراري آدم الذين اجتالهم الشيطان عن الإسلام إلى الجاهلية الوثنية بذلك الإسلام نفسه
…
القائم على التوحيد المطلق
…
وأن الدورة تجددت بعد نوح فخرج الناس من الإسلام إلى الجاهلية، وأن الرسل جميعًا أرسلوا بعد ذلك بالإسلام
…
وأنه لم يكن قط تطور في العقيدة السماوية في أصل الاعتقاد -إنما كان الترقي والتركيب والتوسع في الشرائع المصاحبة للعقيدة الواحدة، وأن ملاحظة ذلك في
العقائد الجاهلية لا يدل على أن الناس صاروا إلى التوحيد بناء على تطور في أصل العقيدة، إنما يدل على أن عقيدة التوحيد على يد كل رسول كانت تترك رواسب في الأجيال التالية -حتى بعد انحراف الأجيال عنها- ترقي عقائدهم الجاهلية حتى تصير أقرب إلى أصل التوحيد الرباني، أما عقيدة التوحيد في أصلها فهي أقدم في تاريخ البشرية من العقائد الوثنية جميعًا.
وبعد هذا البيان والإيضاح ينقل صاحب الظلال فقرات من كلام الأستاذ العقاد في كتابه (الله): (ترقى الإنسان في العقائد، كما ترقى في العلوم والصناعات، فكانت عقائده الأولى مساوية لحياته الأولى، وكذلك كانت علومه وصناعاته فليست أوائل العلم والصناعة بأرقى من أوائل الديانات والعبادات، وليست عناصر الحقيقة في واحد منها بأوفر من عناصر الحقيقة في الأخرى ..
وقد أسفر علم المقابلة بين الأديان عن كثير من الضلالات والأساطير التي آمن بها الإنسان الأول، ولا تزال لها بقية شائعة بين القبائل البدائية أو بين أمم الحضارة العريقة، ولم يكن من المنظور أن يسفر هذا العلم عن شيء غير ذلك، ولا أن تكون الديانات الأولى على غير ما كانت عليه من الضلالة والجهالة، فهذه هي وحدها النتيجة المعقولة التي لا يترقب العقل نتيجة غيرها، وليس في هذه النتيجة جديد يستغربه العلماء أو يبنون عليه جديدًا في الحكم على جوهر الدين فإن العالم الذي يخطر له أن يبحث في الأديان البدائية ليثبت أن الأولين قد عرفوا الحقيقة الكونية الكاملة منزهة من شوائب السخف والغباء إنما يبحث عن محال .. ).
(يعرف علماء المقابلة بين الأديان ثلاثة أطوار عامة مرت بها الأمم البدائية في اعتقادها الآلهة والأرباب، وهي دور التعدد ودور التمييز والترجيح ودور الوحدانية
…
ولا تصل الأمة إلى هذه الوحدانية النافعة إلا بعد أطوار من الحضارة تشيع فيها المعرفة ويتعذر فيها على العقل قبول الخرافات التي كانت سائغة في عقول الهمج وقبائل الجاهلية، فيصف الله بما هو أقرب إلى الكمال والقداسة من