الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ووجه الارتباط بين أجزاء الآية الكريمة واضح، فإنهم لما استعجلوا السيئة قبل الحسنة ذكَّرهم القرآن الكريم بما وقع للأمم من قبلهم وأحالهم على ما عرفوا من أحوال المكذبين السابقين الذين حقت عليهم الكلمة ووقعت بهم المَثُلات وبيَن لهم بعد ذلك أن الله قادر على المغفرة كما أنه قادر على العقوبة الشديدة، ولكنه يغفر لمن يشاء ويعاقب من يشاء، لا تتوقف عقوبته ولا مغفرته على اقتراح أحد أو تحكم مخلوق، وفقنا الله وإياكم إلى الخير وهدانا سواء السبيل
…
(1)
*
معالم منهج البنا في التفسير:
قبل أن نتحدث عن معالم منهج الشيخ البنا في التفسير، نذكر أنه رحمه الله كتب على صفحات مجلة الشهاب عام 1367 هـ - 1947 م مقدمة ضافية في التفسير أراد أن تكون مدخلًا لمشروع تفسير له يكون عنوانه (مقاصد القرآن الكريم). ونورد فيما يلي خلاصة هذه المقدمة؛ لأنها توقفنا على طرف كبير من منهج الشيخ في التفسير.
عنون البنا رحمه الله لمقدمته بهذا العنوان: (مقدمات في علم التفسير)، ثم تحدَّث عن القرآن الكريم مبينًا أن بركته الكبرى إنما هي في تدبره وتفهم معانيه ومقاصده، ثم تحقيقها في الأعمال الدينية والدنيوية على الهواء، ثم تحدَّث عن الحاجة إلى التفسير، ونشأة علم التفسير، وعناية السلف به. ثم عرض لقضيته (التفسير بالرأي) وبيَّن أن المذموم منه ما كان بغير علم أو اتباعًا للهوى.
وذكر الشيخ رحمه الله أن أسلوب التفسير قد تأثر بالتطورات الاجتماعية والثقافية في العصور الإِسلامية المختلفة، فنشأ عن ذلك اتجاهات في التفسير، ومناهج المفسرين. ثم قال الشيخ: "وهكذا نجد أن أسلوب التفسير يتجدد مع كلِّ مفسَّر، ومع كل عصر بحسبه، وذلك أمر طبيعي كما قدمنا، فإنما يصور المفسرون ما
(1) مجلة المنار -مجلد 35 - جزء 9 جمادى الآخرة 1359 هـ/ أغسطس 1940 م.
فهموا من كتاب الله، وأداة فهمهم عقولُهم، ومادة علمهم بيئتهُم ومعارف عصرهم، فكان لزامًا أن يظهر ذلك جليًّا في نفثات أقلامهم، ومعرض آلائهم" [مقاصد القرآن الكريم ص 2].
ثم تحدَّث الشيخَ البنا رحمه الله عن مزالق بعض الكاتبين في التفسير، وبُعدِهم عن جادة الصواب، وشططهم في الآراء التي تنافي مقاصد القرآن الكريم، كزعم بعضهم أن قصص القرآن لا يعدو أن يكون سردًا فنيًا لا يستلزم صدق الرواية ولا صحة الواقعة! وكغُلُوِّ بعضهم في التفسير العلمي للقرآن تكلفًا وتعسفًا، وآخذًا بنظريات وفروض علمية لم ترق إلى مستوى الحقائق! ! وكغُلُوِّ آخرين في تأويل بعض السمعيات والغيبيات كالجن والملائكة وأحوال الموت والقبر والبعث
…
! .
ثم ختم البنا رحمه الله مقدمته بنصيحة تُرشد القاري إلى أسلوب عملي محدد يمرن عليه، ويلجأ إليه لفهم القرآن الكريتم، فقال تحت عنوان: (أفضل التفاسير وأقرب طرائق الفهم":
"وبعد فقد سألني أحد الإخوان عن: أفضل التفاسير وأقرب طرائق الفهم لكتاب الله تبارك وتعالى؟ .
فكان جوابي على سؤاله بهذه الكلمة: (قلبك) فقلب المؤمن ولا شك هو أفضل التفاسير لكتاب الله تبارك وتعالى، وأقرب طرائق الفهم أن يقرأ القاري بتدبر وخشوع وأن يستلهم الله الرشد والسداد، ويجمع شوارد فكره حين التلاوة، وإن يُلم مع ذلك بالسيرة النبوية المطهرة، ويعني بنوع خاص بأسباب النزول وارتباطها بمواضعها من هذه السيرة، فسيجد في ذلك أكبر العون على اللهم الصحيح السليم، وإذا قرأ في كتب التفسير بعد ذلك فللوقوف على معنى لفظ دَقَّ عليه، أو تركيب خَفي أمامه معناه، أو استزادة من ثقافة تُعينه على الفهم لكتاب الله، فهي مساعدات على الفهم، والفهم بعد ذلك إشراق ينقدح ضوؤه في صميم القلب.
ومن وصايا الأستاذ الإِمام الشيخ محمد عبده رحمه الله لبعض تلامذته: