الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أفكاره أم الدفاع عنه إلى ما يقرب من الأربعين مؤلفًا، وذلك حسبما أعلمه يقينًا.
وبعض هذه المؤلفات جمع الشبهات والاتهامات والانتقادات التي وجهت لسيد رحمه الله وسجلها جميعها، ونسبها إلى قائليها وردّ عليها
…
ولكننا وجدنا بعض القضايا مما لم يعرض له الكاتبون بحاجة إلى تجلية وتوضيح، ولذا سنتحدث هنا عن بعض هذه القضايا وهي:
أولًا: اتهامات ربيع المدخلي والرد عليه.
ثانيًا: وقفة مع كتاب (في ظلال القرآن) للفرنسي أولفييه كاريه.
ثالثًا: موقف سيد من التفسير العلمي وكلام الدكتور فهد الرومي.
رابعًا: منهجه في التفسير الموضوعي.
أولًا: بعض اتهامات ربيع المدخلي لسيد قطب والرد عليها
.
قلنا في بداية الحديث عن سيد قطب ومن تحدث عن الظلال إنه ليس من هدفنا الحديث عن سيد وفكره وحياته إلا بقدر ما يتصل بالحديث عن الظلال.
ومن هذا المنطلق فإننا لن نطيل النفس في حديثنا عن الاتهامات التي وجهها ربيع بن هادي المدخلي لفكر سيد وعقيدته، وبخاصة إذا علمنا أن حديث المدخلي كله منصب على شخص سيد، وليت دراسته كانت موضوعية، وليته تحدث عن أخطاء سيد في الظلال، أو عن الأخطاء التي في كتب سيد بشكل عام، بل إنك تلمس وكأن هم هذا الرجل الحديث عن سيد وشخص سيد كأن بينه وبين سيد عداوة أبدية.
وإنك تلحظ هذا في كتابَيْه الأول والثاني في هذا الشأن وهما:
الأول: مطاعن سيد قطب في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والثاني: أضواء إسلامية على عقيدة سيد قطب وفكره.
وقد صدر الكتابان عن مكتبة الغرباء في السعودية عام 1993 م.
أما الكتاب الأول فقد كان للدفاع عن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن عثمان رضي
الله عنه تحديدًا، ولو قرأت الكتاب لوجدته للطعن في سيد قطب، لا للدفاع عن الصحابة أو عثمان رضي الله عنهم جميعًا، يكفيك دليلًا على ذلك أن تقرأ مقدمة الكتاب وخاتمته لتعرف أن هدف المؤلف متجه إلى كشف عيوب من تصدى لتوجيه الشباب والتأثير فيهم، هذا في مقدمة الكتاب، وفي خاتمة الكتاب يقول:(لقد تبين للمؤمنين أولي الدين والعقول والنهى من هذا العرض مدى ما كان ينطوي عليه سيد قطب من حقد وكراهية لعثمان بن عفان الخليفة الراشد المظلوم، وما ظلم به هذا الخليفة الحمى الصالح الوقور العادل. ومدى التطاول والافتراءات والاتهامات التي جمع فيها بين حقد الروافض والاشتراكيين)(1).
وقد ختمها بقوله عن سيد (والله حسيبه، والله يكافئه بما يستحق، ووقى شبابَ الأمة سوءُ أفكاره ومبادئه المنافية للمنهج الإسلامي الحق اللابسة لباس الإسلام ظلمًا وزورًا)(2).
بهذا التعميم، وهذا الأفق الضيق الجائر يحاكم المدخلي سيد قطب وأفكاره وعقيدته ونتاجه.
وليته عدل في حكمه وعرض لآراء سيد وأقواله دون أن يكون الحقد على سيد وفكر سيد منطلقه في ذلك، ولو فعل لكان كغيره من المفكرين والعلماء الذين عرضوا لآراء سيد وأقواله وناقشوها نقاشًا علميًّا موضوعيًا بعيدًا عن التعصب والحقد، وبعيدًا عن عبارات الاتهام والتجني في الألفاظ، وذلك من منطلق أن لا أحد معصوم غير الأنبياء، وأنه لا قدسية لكلام أحد غير كلام الوحي.
وفي الكتاب الآخر (أضواء إسلامية على عقيدة سيد قطب وفكره) تجد هذه العنوانات الاستفزازية الصارخة المثيرة التي يظهر فيها التحامل من أولها إلى آخرها:
شذوذ سيد في تفسير (لا إله إلا الله) عن أهل العلم عدم وضوح الربوبية
(1) مطاعن سيد قطب في أصحاب رسول صلى الله عليه وسلم ص 275.
(2)
السابق ص 276.
والألوهية عند سيد وفي ذهنه الشك والتشكيك في أمور عقدية يجب الجزم بها قول سيد بخلق القرآن وأن كلام الله عبارة عن الإرادة قول سيد بعقيدة وحدة الوجود والحلول والجبر غُلوّ سيد في تعطيل صفات الله كما هو شأن الجهمية سيد لا يقبل أخبار الآحاد الصحيحة في العقائد بل ولا المتواترة سيد يجوز للبشر أن يشرعوا قوانين لتحقيق حياة إسلامية صحيحة إيمان سيد قطب بالاشتراكية المادية الغالية (1).
ولعله من حسن حظ الحقيقة وسوء حظ ربيع المدخلي أنه قبل أن يدفع بهذا الكتاب للطبع أرسله إلى الدكتور بكر بن عبد الله أبي زيد، ليقرأه ويسجل عليه بعض الملحوظات، فكان رأيه أن لا ينشر الكتاب وأرسل رسالة إلى المدخلي يدافع فيها عن سيد، فرد عليها بكتاب عنوانه (الحدّ الفاصل بين الحق والباطل- حوار مع الشيخ بكر أبي زيد) وهذا نص الرسالة التي أرسلها بكر أبو زيد للمدخلي:
بسم الله الرحمن الرحيم
فضيلة الأخ الشيخ: ربيع بن هادي مدخلي الموقر.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
…
وبعد
…
فأُشيرُ إلى رغبتكم قراءةَ الكتابِ المرفق: (أضواء إسلامية على عقيدة سيد قطب وفكره). هل من ملاحظات عليه؟ ثم هذه الملاحظات هل تَقضي على هذا المشروع، فيُطوى ولا يُروى؟ أمْ هي مما يمكن تعديلُها، فيترشحُ الكتاب بعدُ للطبع والنشر؟ ويكونُ ذخيرةً لكم في الآخرة، بصيرةً لمن شاء الله من عباده في الدنيا! .
لهذا أبَدي ما يلي:
1 -
نظرْتُ في أَولِ صفحةٍ منه (فهرس الموضوعات) فوجدتُها عناوين قد جَمعَت
(1) أضواء إسلامية على عقيدة سيد قطب وفكره، انظر الفهرس ص 239.
في سيد قطب- رحمه الله تعالى- أُصولَ الكفر، والإلحاد، والزندقة: القولُ بوحدة الوجود، القولُ بخلقِ القرآن، يُجَوِز لغيرِ الله أَنْ يُشَرِّع، غلوُّه في تعطيل صفاتِ الله تعالى، لا تقْبلُ الأحاديث المتواترة، يشكِّكُ في أُمورِ العقيدة التي يَجبُ الجزمُ بها، يُكَفِّرُ المجتمعات ..
إلى آخرِ تلك العناوين، التي تقشعِرُّ منها جلودُ المؤمنين! ! .
وأَسِفْتَ على أَحوالِ علماء المسلمين في الأقطار، الذين لم يُنَبِّهوا على هذه الموبقات! وكيفَ الجمعُ بين هذا وبين انتشارِ كتبه في الآفاقِ انتشارَ الشمس، وعامَّتُهم يستفيدونَ منها، حتى أَنتَ في بعض ما كتبت! .
عند هذا أَخذتُ بالمطابقة بين العنوان والموضوع، فوجدتُ الخبرَ يكذبهُ الخبر! ونهايتُها بالجملة عناوينُ استفزازية، تجذبُ القارئ العاديَّ إلى الوقيعةِ في سيد -رحمه الله تعالى-.
وأما القارئُ الذي عنده قدرٌ يسير من البصيرة، فإنه إذا قرأَ الموضوعَ داخل الكتاب، سيجدُ عنده ردةَ فعلٍ قوية نحو ما كتبت، وعودةَ الحنين إلى كتب سيد -رحمه الله تعالى-.
وإني أكرهُ لي ولكم ولكل مسلم، مواطنَ الإثم والجُناح
…
وإنَّ من الغبنِ الفاحِش إِهداءَ الإنسانِ حسناتهِ إلى مَن يعتقدُ بغضَه وعداوتَه! .
2 -
نظرتُ، فوجدتُ هذا الكتاب يفتقدُ (أُصولَ البحثِ العلمي): الحيدةُ العلمية، منهجُ النقد، أَمانةُ النقل والعلم، عدمُ هضمِ الحق! .
أما أدب الحوار، وسموُّ الأسلوب، ورصانةُ العرض، فلا تمتُّ إلى الكتاب بهاجس! ! وإليك التدليل:
أولًا: رأيتُ الاعتمادَ في النقل من كتبِ سيد -رحمه الله تعالى- من طبعاتٍ سابقة، مثل (الظلال) و (العدالة الاجتماعية). مع علمِكم أنَّ لها طبعاتٍ معدَّلَة لاحقة! .
والواجبُ حسبَ أُصولِ النقد والأمانة العلمية تسليطُ النقدِ -إنْ كان- على النصِّ من الطبعةِ الأخيرة لكلِّ كتاب، لأنَّ ما فيها من تعديل، ينسخُ ما في سابقتها! .
وهذا غيرُ خافٍ -إن شاء الله تعالى- على معلوماتِكم الأوَّلية. لكن لعلَّها غلطةُ طالب، حَضَّرَ لكم المعلومات، ولَمَّا يَعْرِفْ هذا؟ .
وغيرُ خافٍ أَيْضًا ما لهذا من نظائرَ لدى أَهل العلم! فمثلًا كتابُ (الروح) لابن القيم -رحمه الله تعالى- لَمّا رأى بعضهم فيه ما رأَى، قال: لعلَّه في أَوّلِ حياته!
…
وهكذا في مواطنَ لغيره ..
وكتاب (العدالة الاجتماعية) هو أولُ ما ألَّفَه في الإسلاميات والله المستعان! .
ثانيًا: لقد اقشعرَّ جلدي حينما قرأتُ في فهرس هذا الكتاب قولُكم: (سيد قطب يَجَوِّزُ لغيرِ الله أنْ يُشَرِّع)! ! فهرعْتُ إِليها قبلَ كل شيء، فرأيتُ الكلامَ بمجموعهِ نقلًا واحدًا لسطور معدودة من كتابه (العدالة الاجتماعية). وكلامُه لا يفيدُ هذا العنوان الاستفزازيَّ! ! .
ولنفرضْ أَنَّ فيه عبارةً موهمةً أو مطلقة، فكيفَ نُحَوِّلُها إلى مؤاخذةٍ مكَفِّرة؟ تنسفُ ما بنى عليه سيد -رحمه الله تعالى- حياتَه، ووظَّفَ له قلمه، من الدعوةِ إلى توحيدِ الله تعالى في (الحكم والتشريع) ورفض سَنَّ القوانين الوضعية، والوقوفِ في وجوهِ الفَعلة لذلك! ! .
إنَّ اللهَ يحبُّ العدلَ والإنصافَ في كل شيء، ولا أَراك -إن شاء الله تعالى- إلّا في أَوبةٍ إلى العدلِ والإنصاف! ! .
ثالثًا: ومن العناوين الاستفزازية قولُكم: (قولُ سيد قطب بوحدة الوجود
…
)! ! .
إنَّ سيدًا -رحمه الله تعالى- قال كلامًا متشابهًا، حلَّقَ فيه بالأُسلوب، في تفسيرِ سورتي الحديد والإخلاص، وقد اعْتُمِدَ عليه بنسبةِ القولِ بوحدةِ الوجودِ إليه! .
وأَحْسنتُم حينما نقلْتُم قولَه في تفسير سورة البقرة، من ردِّهِ الواضح الصريح لفكرةِ وحدةِ الوجود، ومنه قولُه:(ومن هنا تَنتفي من التفكير الإسلامي الصحيحِ فكرةُ وحدةِ الوجود).
وأَزيدكم: إِنّ في كتابه (مقومات التصور الإسلامي) ردًّا شافيًا على القائلين بوحدة الوجود.
لهذا فنحنُ نقول: غَفَرَ اللهُ لسيد كلامه المتشابه، الذي جَنَحَ فيه بأُسلوب وَسَعَّ فيه العبارة! والمتشابهُ لا يُقاوِم النَّصَّ الصريحَ القاطِعَ من كلامه! .
لهذا أَرجو المبادرةَ إلى شطبِ هذا التكفير الضمنى لسيد -رحمه الله تعالى- وإني مشفقٌ عليكم! ! .
رابعًا: وهنا أَقولُ لجنابكم الكريم بكلِّ وضوح: إِنكَ تحتَ هذه العناوين (مخالفتُه في تفسير لا إله إلا الله للعلماء وأهل اللغة) و (عدمُ وضوحِ الربوبية والألوهية عند سيد).
أَقول: أَيها المحب الحبيب -لقد نَسَفْتَ بلا تثبُّت، جميعَ ما قرَّرَه سيد -رحمهُ الله تعالى- من معالمِ التوحيد، ومقتضياتِه ولوازِمِه التي تحتلُّ السمةَ البارزةَ في حياتِه الطويلة! .
فجميعُ ما ذكرتمُ يلغيه واحدة، وهي: إنَّ توحيدَ اللهِ في الحكمِ والتشريعِ من مقتضيات كلمةِ التوحيد! .
وشد -رحمهُ الله تعالى- ركّز على هذا كثيرًا، لِما رأَى من هذه الجرأة الفاجرةِ على إِلغاء شرع الله من القضاءِ وغيره، وإحلالِ القوانين الوضعية بدلًا عنها، ولا شكَّ أن هذه جرأةً عظيمة، ما عهدتهَا الأُمَّةُ الإسلاميةُ في مشوارها الطويل، قبلَ عام 1342 هـ.
خامسًا: ومن عناوين الفهرس (قولُ سيد بخلقِ القرآن، وأَنّ كلامَ الله عبارةُ عن الإرادة)! ! .
ولَمَّا رجعْتُ إلى الصفحات المذكورة، لم أَجدْ حرفًا واحدًا، يصرحُ فيه سيد -رحمه الله تعالى- بهذا اللفظ: القرآنُ مخلوَق!
كيف يكونُ هذا الاسْتسِهال للرمي بهذه المكفِّرات؟
إِنَّ نهايةَ ما رأَيتُ له تمدُّدٌ في الأسلوب، كقوله:(ولكنهم لا يملكونَ أَنْ يُؤَلِّفوا منها -أي الحروف المقطعة- مثل هذا الكتاب، لأنه من صنعِ الله، لا من صنع الناس)! .
وهي عبارةٌ لا نشكُّ في خطئها! لكن: هل نحكُمُ من خلالِها أَنَّ سيدًا يقولُ بهذه المقولةِ الكفرية (خلق القرآن)؟ اللهمَّ إِني لا أَستطيعُ تَحَمُّلَ عهدةِ ذلك! ! .
ولقد ذكَّرَني قولُه هذا بقولِ نحوِه، للشيخ (محمد عبد الخالق عضيمة) -رحمه الله تعالى- في مقدمة كتابه: (دراسات في أُسلوبِ القرآن الكريم، الذي طبعتْه -مشكورة- جامعةُ الإمامِ محمد بن سعود الإسلامية! فهل نرمي الجميع بالقولِ بخلقِ القرآن؟ اللهم لا! ! .
وأَكتفي بهذه من الناحية الموضوعية -وهي المهمَّة-.
ومن جهات أخرى أُبدي ما يلي:
1 -
مسودة هذا الكتاب تقعُ في (161) صفحة بقلم اليد، وهي بخطوطٍ مختلفة! ولا أَعرفُ منه صفحةً واحدةً بقلمكم حسبَ المعتاد! ! إِلَّا أن يكونَ اخْتلَفَ خَطُّكم، أو اختلط عليّ! ! أم أَنه عُهِدَ بكتبِ سيد قطب -رحمه الله تعالى- لعددِ من الطلاب، فاستخرجَ كلُّ طالبٍ ما بدا له، تحتَ إِشرافِكم أو بإِملائِكم! ! ! .
لهذا فلا أتحَقَّقُ عن نسبتِه إليكم، إلَّا أن نُصَّ ما كتبْتَه على طرَّته أنَّه من تأليفِكم! وهذا عندي كافٍ في التوثيقِ بالنسبةِ لشخصِكُم الكريم! ! .
2 -
مع اختلافِ الخطوط، إلَّا أَنَّ الكتابَ من أَوَّلِهِ إِلى آخره يَجري على وتيرةٍ واحدة، وهي: أَنه بنفسٍ متوتِّرة، وتهيُّج مستمر، ووثبةٍ تضغطُ على النص، حتى يتولَّدَ منه الأخطاءُ الكبار، وتجعلُ محلَّ الاحتمال ومشتبهَ الكلام محلَّ قطع لا يقبلُ الجدال
…
وهذا نكْثٌ لمنهجِ النقد: الحيدة العلمية! ! .
3 -
من حيثُ الصياغة: إِنْ قارَنّا بينَه وبين أُسلوب سيد -رحمه الله تعالى- فهو في نُزولٍ، وسيدٌ قد سَما! ! .
وإن اعتبرناه عن جانبكم الكريم، فهو أُسلوب (إعدادي)! ! لا يناسبُ إِبرازَه من طالبِ علمٍ حازَ العالميةَ العالية ..
لا بدَّ من تكافؤ القُدرات في الذوق الأدبي، والقدرةِ على البلاغةِ والبيان، وحسنِ العرض
…
وإِلّا فَلْيُكْسَر القلم! ! .
4 -
لقد طغى أُسلوبُ التهيُّجِ والفزع العلمي على النقد! ولهذا افْتَقَدَ الرّدّ أَدبَ الحوار! ! .
5 -
في الكتاب من أَوَّلِه إِلى آخره: تَهَجُّم، وضيقُ عَطَن، وتشنَجٌّ في العبارات، فلماذا هذا؟ .
6 -
هذا الكتابُ يُنَشِّطُ الحزبيةَ الجديدة، التي أَنشأَتْ في نفوسِ الشبيبة جُنوحَ الفكر، بالتحريم تارة، والنقدِ تارة، وأَنَّ هذا بدعة، أو ذاكَ مبتدع، وهذا ضلال، وذاكَ ضالّ
…
ولا بَيِّنَةَ كافيةَ للإِثبات! ! . وَوَلَّدَتْ غُرورُ التديّنِ والاستعلاء! حتى كأَنَّما الواحدُ عند فعلَتِه هذه يُلقي حِفلًا عن ظهره، قد استراحَ مِن عَناءِ حمله، وأَنَّه يأَخُذُ بحجزِ الأُمَّةِ عن الهاوية، وأَنه في اعتبارِ الآخرين قد حَلَّقَ في الورعِ والغيرة على حرماتِ الشرع المطهر! ! .
وهذا من غير تحقيق هو في الحقيقةِ هَدْم! وإِنْ اعتبُرَ بناءً عاليَ الشرفات، فهو إلى التساقط، ثم التبردُ في أَدراجِ الرياح العاتية! .
هذه سماتٌ ستّ، تَمَتَّعَ بها هذا الكتاب، فكانَ غيرَ مُمْتِع! ! .
هذا ما بدا لي، حسبَ رغبتكم
…
وأَعتذر عن تأخرِ الجواب، لأنني من قبلُ ليس لي عنايةَ بقراءةِ كتب هذا الرجل، وإِن تداولهَا الناس! ! .
لكن هولَ ما ذكرتم، دَفَعني إلى قراءاتٍ متعددةٍ في عامَّةِ كتبه، فوجدْتُ في كتبهِ خيرًا كثيرًا، وإيمانًا مشرقًا، وحَقًّا أَبلج، وتَشريحًا فاضحًا لمخططات الأعداء للإسلام! على عثراتٍ في سياقاتهِ، واسترسالٍ بعباراته! ليتَهُ لم يَفُهْ بها! وكثيرٌ منها ينقضُها قولهُ الحق في مكانِ آخر! والكمال عزيز! ! ! .
والرجلُ كان أَديبًا نَقّادةَ، ثم اتّجَهَ إِلى خدمةِ الإسلام، من خلالِ القرآن العظيم، والسُّنَّةِ المشرفة، وسَخَّرَ قَلَمَه ووقْتَه ودَمَه في سبيلها، فَشَرِقَ بها طُغاةُ عصْرِه! ! .
وأَصَرَّ على موقفِه في سبيل الله تعالى، وكَشَفَ عن سالفَتِه!
…
وطُلِبَ منه أَنْ يسطُرَ بقلمه كلماتِ اعتذار! وقال كلمته الإيمانية المشهورة: إِنّ اصبعًا أَرْفَعُهُ للشهادة، لنْ أكتبَ به كلمةَ تضادُّها! أو كلمة نحو ذلك! .
فالواجبُ على الجميع الدعاءُ له بالمغفرة! والاستفادةُ من علمه! وبيانُ ما تَحَقَّقْنا خَطَأَه فيه!
وإِنّ خطأَه لا يوجبُ حرمانَنا من علمه، ولا هَجْرَ كتبِه!
واعْتبِرْ -رعاك الله- حاله بحالِ أَسْلافٍ مَضَوْا، أمثال أبي إِسماعيل الهروي والجيلاني، كيف دافعَ عنهما شيخُ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مع ما لديهما من الطوامَّ! لأنَّ الأصلَ في مسلكهما نصرةُ الإسلام والسُّنَّة! .
وانظرْ (منازل السائرين) للهروي -رحمه الله تعالى- تَرَ عجائبَ لا يُمكنُ قُبولُها!
ومع ذلك فابنُ القيم -رحمه الله تعالى- يعتذرُ عنه أَشَدَّ الاعتذار، ولا يُجَرِّمُه فيها، وذلكَ في شرحه (مدارج السالكين).
وقد بسطتُ في كتاب (تصنيف الناس بين الظّنِّ واليقين) ما تيسَّرَ لي من قواعدَ ضابطة في ذلك! .
وفي الختام: فإِني أنصحُ فضيلةَ الأخ في الله، بالعدولِ عن طبعِ هذا الكتاب (أَضواء إسلامية .. ).
وإنه لا يجوزُ نشرُه، ولا طَبعُه، لما فيه من التَّحامُل الشديد، والتدريبُ القويُّ لشبابِ الأُمة على الوقيعةِ في العلماء، وتشذيبِهم، والحَطِّ من أَقدارهم، والانصرافِ عن فضائلهم! ! .
واسْمَحْ لي -بارك الله فيك- إِنْ كنتُ قسوتُ في العبارة، فإنه بسببِ ما رأيتهُ من تحامُلِكم الشديد، وشَفَقَتِي عليكم، ورغبتِكم الملحةِ بمعرفةِ ما لديَّ نحوه، جرى القلمُ بما تقدَّمَ! ! .
سَدَّدَ اللهُ خطى الجميع.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أخوكم
بكر بن عبد الله بن أبو زيد 20/ 1/ 1414 هـ