الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} [البقرة: 109](1) يبين لنا سر استعمال هاتين الكلمتين. يقول: العفو ترك العقوبة على الذنب، والصفح ترك اللوم والعتاب عليه. وهو أبلغ من العفو، إذ قد يعفو الإنسان ولا يصفح).
كما يبين اختيار كلمة مرضعة بدلًا من مرضع، في قوله تعالى:{يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ} [لحج: 2] في سورة الحج: (المرضعة: المباشرة للإرضاع بالفعل، تقول: أرضعت المرأة فهي مرضع، إذا كان لها ولد ترضعه، فإن وصفتها بإرضاع ولدها بالفعل، قلت مرضعة ((2).
ويقول في معنى سلقوكم من قوله تعالى {سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ} [الأحزاب: 19] أي: بسطوا فيكم ألسنتهم الذّربة بالأذى والسبّ والتنقيص. يقال: سلق البيض وغيره يسْلقه، أغلاه بالنار إغلاءة خفيفة. وسلقه بالكلام آذاه به، وأصل السلق: بسط العضو ومدّه للقهر، يدًا كان أو لسانًا (3).
ويبين معنى مليم في قوله تعالى {فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ} [الصافات: 142]: أي مكتسب ما يلام عليه مفارقه قومه بغير إذن ربه، يقال: ألام الرجل، إذا أتى ما يلام عليه من الأمر وإن لم يُلم. وأما الملوم: فهو الذي يلام سواء أتى بما يستحق أن يلام عليه أم لا" (4).
4 - اهتمام الشيخ بالقضايا البلاغية:
لم يفت الشيخ الحديث عن الاصطلاحات البلاغية، كالاستعارة والمجاز، إذا كانت الحال تدعو إلى ذلك، فها هو يبين العلاقة بين (أرأيتكم) وأخبروني عند تفسيره لقوله تعالى {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ} [الأنعام: 40] فيقول: "وفي استعمال
(1) ص 42.
(2)
جـ 2 ص 46.
(3)
(2/ 179).
(4)
(2/ 234).
(أرأيت) بمعنى أخبرني تجوزان، إطلاق الرؤية وإرادة الإخبار، لأن الرؤية سبب له، وجعل الاستفهام بمعنى الأمر، بجامع الطلب في كل منهما" (1).
ويقول عند قوله تعالى: {عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ} [الأحزاب: 72]: هي التكاليف والفرائض.
ونقل القرطبي عن القفال وغيره: إن العرض في الآية ضرب مثل، أي أن هذه الأجرام على عظمها لو كانت بحيث يجوز تكليفها لثقل عليها تقلد الشرائع، لما فيها من العقاب، والثواب، أي أن التكليف أمر حقه أن تعجز عنه السماوات والأرض والجبال، وقد حمله الإنسان وهو ظلوم جهول لو عقل، وفي القرآن من ضرب الأمثال كثير.
وقيل: الآية من المجاز، أي أنا إذا قايسنا ثقل الأمانة بقوة السماوات والأرض والجبال، رأينا أنها لا تطيقها، وأنها لو تكلمت لأبت وأشفقت، فعبر عن هذا بعرض الأمانة، كما تقول: عرضت الحِمْل على البعير فأباه، وأنت تريد قايست قوته بثقل الحمل فرأيت أنها تقصر عنه (2).
ويذهب الشيخ إلى القول بالتضمين فعند قوله تعالى: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة: 3] يقول الباء صلة للإيمان لتضمنه معنى الاعتراف (3).
وعند قوله تعالى: {أَذَاعُوا بِهِ} ، يقول: أي إلا قليلًا منهم لم يذيعوه، أي لم يفشوه يقال أذاع الخبر وأذاع به، إذا أشاعه وأفشاه، وقيل عدي بالباء لتضمنه معنى التحديث (4).
وعند قوله تعالى: {أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ} ، أفرطوا في المعاصي جانين على
(1)(2/ 58).
(2)
(2/ 192).
(3)
(1/ 15).
(4)
(1/ 160).
أنفسهم بارتكابها
…
ولتضمنه معنى الجناية عدّي بـ (على)(1).
ومع أن الشيخ يقول بالتضمين، إلا أنه يذهب إلى القول بالزيادة في بعض الحروف في كتاب الله تعالى فعند قوله تعالى:{وَنُقَدِّسُ لَكَ} ، يقول: واللام في (لك) زائدة لتأكيد التخصيص (2).
ويقول في (لا) من قوله {وَلَا يَأْمُرَكُمْ} ولا مزيدة لتأكيد النفي وهو شائع في الاستعمال (3).
{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ} ، وقيل إنها -لا- زائدة لتأكيد معنى القسم، كما زيدت في قوله {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ} ، لتأكيد وجوب العلم (4).
ويذهب كذلك الشيخ إلى القول بتناوب الحروف بعضها مكان بعض، فعند قوله:{حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ} ، يقول: يحفظن في غيبة أزواجهن ما يجب حفظه في النفس والمال، فاللام بمعنى (في) والغيب بمعنى الغيبة (5).
وعند قوله تعالى: {وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} ، أي: اغسلوا أيديكم مع المرافق وأرجلكم مع الكعبين، فـ (إلى) بمعنى (مع) كما في قوله تعالى:{وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ} [النساء: 2].
{وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ} [لفرقان: 25]
…
فالباء بمعنى (عن) كقوله تعالى: {يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ} [ق: 44] وهو مثل: انشقت الأرض عن النبات، أي: ارتفعت تربتها عنه عند طلوعه (6).
(1)(2/ 258).
(2)
(1/ 23).
(3)
(1/ 114).
(4)
(1/ 156).
(5)
(1/ 150).
(6)
(2/ 97).
ومن القضايا البلاغية التي يعرض لها الشيخ تكرار عبارة ما وإعادتها يقول: قوله تعالى: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ} [البقرة: 149] أعاد سبحانه هذا الأمر ثلاث مرات، وفي كل مرة فائدة زائدة، فعلل الأمر الأول بإكرامه تعالى لرسوله والمؤمنين بالقبلة التي يحبونها ويرضونها، وهي قبلة أبيهم إبراهيم، وعلل الثاني: بما جرت به العادة الإلهية من أن يؤتي أهل كل ملة قبلة، وقد شرع للمؤمن أشرف الجهات التي يعلم أنها حق، وهي بيته المعظم قبلة لهم.
وعلل الثالث بدفع شبه الطاعنين الجاحدين، كأنه تعالى يقول لهم: إلزم هذه القبلة فإنها التي كنت تهواها، ثم يقول: إلزم هذه القبلة، فإنه قبلة الحق لا قبلة الهوى، ثم يقول: إلزم هذه القبلة فإن في ذلك انقطاع حجج الطاعنين (1).
ويتحدث الشيخ عن سر تغاير الأسلوب، ولنستمع إليه عند تفسير قوله تعالى:{وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ} [البقرة: 177] حيث عدل بها من الرفع إلى النصب فيقول: (والصابرين منصوب على المدح بتقدير أخص، وغير سبكه عما قبله، تنبيهًا على فضيلة الصبر وميزته على سائر الأعمال، حتى كأنه ليس من جنس ما قبله، وهذا الضرب من الأسلوب يسمى القطع، وهو أبلغ من الإتباع)(2).
أما مسائل الإعراب، فعلى الرغم من أن المفسر رحمه الله لم يجعلها شغله الشاغل إلا أنه والحق يقال، نبه على كثير مما فيه لبس وخفاء، من ذلك مثلًا ما يقوله في قوله {قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ} [الأنعام: 45]: (والهمزة للاستفهام، ورأى بمعنى علم، وتتعدى إلى مفعولين. والتاء ضمير الفاعل، وما بعده حرف خطاب، يدل على اختلاف المخاطب، أتى به للتأكيد. والمفعول الأول المحذوف، تقديره: أغيرَ الله تدعونه لكشفه؟ ! .
ومن ذلك ما قاله عند تفسيره لقوله تعالى: {وَقِيلِهِ يَارَبِّ إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا
(1)(1/ 51).
(2)
(2/ 58).
يُؤْمِنُونَ} [لزخرف: 88]. (وقيله) بجر اللام أي وقوله، مصدر قال، معطوف على لفظ الساعة، أي وعنده علم الساعة، وعلم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: يا رب، أو الواو للقسم، أي وأقسم بقول محمد: يا رب، وجواب القسم قوله تعالى. {إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ} وقرئ بالنصب عطفًا علي محل الساعة، إذ هي في محل نصب بالمصدر المضاف إليها، على أنها مقول له، فكأنه قيل: يعلم الساعة، ويعلم قيله: يا رب) (1).
وعند قوله: {سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ
…
} [البقرة: 6] قال: سواء: اسم مصدر بمعنى الاستواء، خبر إن، والجملة الاستفهامية بعده مرفوعة به على الفاعلية لتأويلها بمفرد (2).
ويقول عند قوله تعالى: {غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ} : (ولا عاد) اسم فاعل بمعنى متعد، تقول عدا طوره إذا تجاوز حده وتعداه إلى غيره، فهو عاد، ومنه بل أنتم قوم عادون. وغير منصوب على الحال من الضمير المستقر في اضطر (3).
وعند قوله: {وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ} [الأنعام: 109]
…
فالاستفهام في معنى النفي وهو إخبار عنهم بعدم العلم لا إنكار عليهم، وقيل (أنّ) بالفتح بمعنى لعل، أي وما يدريكم حالهم عند مجيء الآيات، لعلها إذا جاءت لا يؤمنون فما لكم تتمنون مجيئها (4).
{لَعَمْرُكَ} قسم من الله تعالى بحياة محمد صلى الله عليه وسلم أو من الملائكة بحياة لوط عليه السلام، والعمر بفتح العين لغة في العمر بضمها، ومعناها مدة حياة الإنسان وبقائه، والتُزم الفتح في القسم، وعمر مبدأ خبره محذوف وجوبًا، تقديره: قسمي أو يميني
(1)(2/ 305).
(2)
(16/ 1).
(3)
(1/ 57).
(4)
(1/ 237).