المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وأن يحيطا بالإنسان من جميع جهاته، فتكون أعماله الكسبية في - التفسير والمفسرون في العصر الحديث - فضل عباس - جـ ٢

[فضل حسن عباس]

فهرس الكتاب

- ‌مقدِّمَة:

- ‌الفصل الأول المدرسة العقلية الاجتماعية

- ‌1 - الإمام الشيخ محمد عبده

- ‌أولًا: موجز عن تاريخ حياة الإمام:

- ‌ثانيًا: العوامل التي أثرت في تكوين شخصيته:

- ‌العامل الأول:

- ‌العامل الثاني:

- ‌العامل الثالث:

- ‌ثالثًا: آراء الشيخ في الإصلاح:

- ‌رابعًا: الشيخ في رأي النقاد:

- ‌1 - علماء الأزهر:

- ‌2 - الأدباء والمفكرون:

- ‌رأيي في الشيخ:

- ‌خامسًا: آثار الشيخ العلمية:

- ‌سادسًا: مدرسته في التفسير:

- ‌سابعًا: منهجه في التفسير:

- ‌1 - نظرته للسورة القرآنية على أنها وحدة كاملة:

- ‌2 - يسر العبارة وسهولة الأسلوب:

- ‌3 - عدم تجاوزه النص في مبهمات القرآن:

- ‌4 - محاربته الإسرائيليات:

- ‌5 - حرصه على بيان هداية القرآن الكريم

- ‌6 - دحضه الشبهات:

- ‌ثامنًا [*]: المدارس التي تأثر بها الشيخ في تفسيره:

- ‌1 - مدرسة التصوف:

- ‌2 - المدرسة السلفية:

- ‌أ- عقيدة السلف:

- ‌ب- محاربته للبدع:

- ‌جـ- محاربته للتقليد والتعصب المذهبي:

- ‌موازنة تستحق التقدير:

- ‌3 - مدرسة المعتزلة:

- ‌أولًا: الصبغة العقلية

- ‌ثانيًا [*]: تأثره بأبي مسلم:

- ‌ثالثًا: مسألة السحر بعامة وسحر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بخاصة:

- ‌4 - الحضارة الأوروبية:

- ‌أ- تأويلاته في قصة آدم:

- ‌مناقشة هذا التأويل:

- ‌ب- إحياء الموتى في تأويلات الإمام:

- ‌جـ- فكرة التطور في تفسير الشيخ:

- ‌د- تأويله لبعض المعجزات وبعض ما خرج عن مألوف الناس:

- ‌1 - خلق عيسى عليه السلام ومعجزاته:

- ‌2 - الاعتقاد بنزول عيسى بن مريم عليهما السلام:

- ‌3 - تأويله لحادثة الفيل:

- ‌تاسعًا: تقويم التفسير:

- ‌2 - صاحب المنار - محمد رشيد رضا

- ‌نشأته العلمية:

- ‌عبادته وتصوفه:

- ‌السفر إلى مصر:

- ‌آثاره ومؤلفاته

- ‌تفسير القرآن الحكيم

- ‌منهجه في التفسير:

- ‌تقويمه لكتب التفسير:

- ‌طريقته في التفسير:

- ‌خصائص تفسير المنار:

- ‌1 - العناية بالتحقيقات اللغوية:

- ‌عنايته بالقضايا البلاغية والإعرابية:

- ‌2 - بيانه لحكمة التشريع ورده لبعض المأثور:

- ‌الفوائد الذاتية للطهارة الحسية:

- ‌نماذج من تفسيره لآيات الأحكام

- ‌1 - مخالفته لأئمة الأمصار وفقهاء المذاهب

- ‌أ - مخالفته في آية الوصية:

- ‌2 - مخالفة الجمهور في معنى الإحصان:

- ‌4 - مخالفته فيما حرم من الأطعمة:

- ‌5 - آيات الرضاع:

- ‌3 - استشهاده بآراء المتكلمين في آيات العقيدة ومناقشتهم:

- ‌4 - ابتعاده عن الخرافات والإسرائيليات ووقوعه فيما هو أخطر منها:

- ‌أ- وضعه مقاييس خاصة للحكم على الحديث:

- ‌ب- ولقد بات سهلًا على الشيخ أن ينكر كل حديث

- ‌جـ - علامات الساعة:

- ‌1 - إشكالاته على أحاديث الدجال وردها:

- ‌2 - رأيه في أحاديث المهدي:

- ‌5 - استقلال الشخصية:

- ‌6 - بيانه لسنن الله في العمران والاجتماع:

- ‌7 - دفاعه عن الإسلام:

- ‌8 - عنفه على مخالفيه في الرأي:

- ‌9 - كثرة التفريعات والاستطرادات:

- ‌تقويم التفسير:

- ‌3 - الشيخ عبد القادر المغربي 1867 - 1956

- ‌1 - حياته:

- ‌عودته:

- ‌في خدمة العلم:

- ‌آثاره العلمية:

- ‌وأشهر مؤلفاته:

- ‌وفاته:

- ‌2 - تأثره بالإمام:

- ‌3 - منهجه في التفسير:

- ‌بروز خصائص المدرسة العقلية في تفسيره:

- ‌4 - الشيخ محمد مصطفى المراغي

- ‌مولده ونشأته

- ‌تأثره بالإمام وآراؤه الإصلاحية:

- ‌تفسيره:

- ‌نماذج من تفسيره:

- ‌تقويم التفسير:

- ‌5 - الشيخ أحمد مصطفى المراغي

- ‌ترجمته

- ‌آثاره العلمية:

- ‌وفاته:

- ‌منهجه في التفسير:

- ‌نماذج من تفسيره

- ‌1 - يقول في تفسيره لآية الكرسي

- ‌المعنى الجملي:

- ‌الإيضاح:

- ‌2 - ويقول في تفسيره لقول الله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ}

- ‌تفسيرات المفردات:

- ‌المعنى الجملي:

- ‌الإيضاح:

- ‌الملحوظات الموضوعية على التفسير:

- ‌1 - نقله عبارة غيره:

- ‌2 - التقاطه كل ما فيه غرابة:

- ‌3 - ولوعه بالحديث عن الأرواح وخطؤه فيها منهجًا وموضوعًا:

- ‌4 - إغراب الأستاذ في التأويل، وتضييقه لنطاق الخوارق ولو كلفه ذلك رد الأحاديث الصحيحة:

- ‌أ- شططه في تأويل آيات استراق السمع والرجم بالشهب:

- ‌ب- تناقض كلام الشيخ في حادثة المعراج:

- ‌جـ- إنكاره انشقاق القمر:

- ‌د- تأرجحه في إدريس عليه السلام:

- ‌هـ- اضطرابه في معرفة ماهية إبليس:

- ‌و- تفسيره للمعارج:

- ‌5 - إكثاره من التفسير العلمي ولو كان بعيد الاحتمال:

- ‌6 - تناقضه وعدم دقته:

- ‌رأينا في التفسير:

- ‌6 - الأستاذ الأكبر الشيخ محمود شلتوت رحمه الله

- ‌تفسير القرآن الكريم

- ‌منهجه في التفسير:

- ‌مدى تأثر الشيخ بغيره من المفسرين:

- ‌آراء الشيخ في بعض مسائل التفسير:

- ‌1 - رأيه في القصص القرآني:

- ‌2 - رأيه في الإيمان بالغيب:

- ‌3 - رأيه في تفسير بعض آيات الأحكام:

- ‌4 - بيانه لحكمة التشريع ودفاعه عن الإسلام، واستنباطه بعض القواعد السياسية والاجتماعية لتدعيم المجتمع الإسلامي:

- ‌رأيي في التفسير:

- ‌7 - (تيسير التفسير) لفضيلة الشيخ عبد الجليل عيسى

- ‌ترجمته:

- ‌طريقة الأستاذ التي اتبعها في تفسيره:

- ‌تأثره بالإمام محمد عبده:

- ‌الفصل الثاني المدرسة العلمية في التفسير

- ‌الجواهر في تفسير القرآن للشيخ طنطاوي جوهري رحمه الله

- ‌أ- حياة الشيخ طنطاوي جوهري:

- ‌ب - الدوافع لهذا التفسير:

- ‌جـ - محتويات التفسير:

- ‌2 - منهجه في التفسير:

- ‌أ- إهابته بالأمة وبخاصة العلماء وتنويهه بتفسيره:

- ‌ب - استشهاده بأقوال علماء الغرب:

- ‌جـ - كثرة الصور في الكتاب:

- ‌د - ولع الشيخ بالحديث عن الأرواح:

- ‌3 - أسلوب الشيخ في التفسير:

- ‌أ - أسلوب القصة:

- ‌ب- أسلوب المحاورة:

- ‌جـ - خصوبة الخيال:

- ‌4 - آراؤه في بعض مسائل التفسير:

- ‌أ - رأي الشيخ في الحروف المقطعة في أوائل السور:

- ‌ب- رأيه في المتشابه:

- ‌جـ - الشيخ والمناسبات بين السور:

- ‌د - رأي الشيخ في السحر وقصة هاروت وماروت:

- ‌هـ - رأيه في يأجوج ومأجوج:

- ‌و- قصة ذي القرنين:

- ‌ز - الشيخ ومبهمات القرآن:

- ‌5 - تساؤلات حول التفسير:

- ‌1 - هل في الجواهر كل شيء إلا التفسير

- ‌أما المدني

- ‌التفسير اللفظي:

- ‌الإيضاح:

- ‌ المثال الثاني المكي، فهو من سورة هود

- ‌2 - هل أخضع القرآن للنظريات الحديثة:

- ‌3 - الربا ولحم الخنزير:

- ‌6 - قيمة تفسير الجواهر:

- ‌1 - التسابيح والتحميد في القرآن لغز الوجود

- ‌2 - تفصيل الكلام على الارتداد وعبادة الأصنام:

- ‌3 - هل الأخلاق الفاسدة وإغواء الشياطين رحمة

- ‌الفصل الثالث المدرسة التربوية الوجدانية

- ‌سيد قطب/ صاحب الظلال

- ‌تعريف بصاحب الظلال

- ‌التعريف بالظلال وفهم صاحبه له:

- ‌منهجه في التفسير:

- ‌الموضوع الأول: ما شارك فيه سيد المفسرين

- ‌1 - المفسر وفواتح السور

- ‌2 - المفسر والآيات العلمية:

- ‌3 - المفسر ومبهمات القرآن:

- ‌4 - المفسر وآيات الأحكام:

- ‌الموضوع الثاني: العقيدة في ظلال الآيات:

- ‌1 - العقيدة في إطارها العام:

- ‌بيانه لأصل العقيدة الإسلامية وأنها الأساس لجميع البشر:

- ‌2 - العقيدة في إطارها الخاص:

- ‌نماذج من تفسيرات العقيدة:

- ‌سيد والمدرسة العقلية:

- ‌تقويم التفسير:

- ‌1 - خصائص عامة في الظلال:

- ‌أولًا: إن أول ما يبدو للقارئ أن التفسير لم يعن صاحبه كثيرًا بالتحليل اللفظي

- ‌ثانيًا: عدم اهتمامه بالخلافات الفقهية:

- ‌ثالثًا: إسهاب المؤلف في كثير من الموضوعات:

- ‌رابعًا: الشدة والعنف في آرائه:

- ‌خامسًا: تأثير أسلوبه الأدبي عليه في بعض ألفاظه وعباراته:

- ‌سادسًا: ميزات الظلال:

- ‌ ميزات التفسير

- ‌ الميزة الأولى: في رأي هي الإيمان بالنص القرآني

- ‌ الميزة الثانية: فهي موقفه من الإسرائيليات فكتابه ليس خاليًا من الإسرائيليات

- ‌الميزة الثالثة: خلو التفسير خلوًا تامًّا من المماحكات اللفظية والتشاد

- ‌الميزة الرابعة: هذه الدعوة الصريحة لتحكيم القرآن

- ‌الميزة الخامسة: عدم مخالفته للمفسرين:

- ‌الجانب الثاني:

- ‌ المتحدثون عن الظلال وصاحبه:

- ‌أولًا: بعض اتهامات ربيع المدخلي لسيد قطب والرد عليها

- ‌ثانيًا: وقفة مع كتاب (في ظلال القرآن، رؤية استشراقية فرنسية) للمؤلف الفرنسي أوليفييه كاريه:

- ‌الخط الأول:

- ‌أولًا: الأمور العامة التي أراد المؤلف تأكيدها وتقويم (الظلال) من خلالها:

- ‌ثانيًا: رَسمَ المؤلف لمنهج سيد قطب في الظلال الخطوط التالية:

- ‌المبحث الأول: جهات التفسير:

- ‌المبحث الثاني: فعل القرآن (ص 62)

- ‌المبحث الثالث: الظروف الاجتماعية في مكة والمدينة:

- ‌المبحث الرابع: القرآن والتاريخ (ص 85):

- ‌المبحث الخامس: القرآن والعلوم الحديثة - قضايا منهجية (ص 94):

- ‌الخط الثاني:

- ‌ثالثًا: حول منهجه في التفسير الموضوعي:

- ‌الفصل الرابع مدرسة الجمهور

- ‌ محاسن التأويل للشيخ محمد جمال الدين القاسمي

- ‌مولده ونشأته:

- ‌ثقافته:

- ‌أفكاره وآثاره:

- ‌ آثاره العلمية

- ‌ محاسن التأويل:

- ‌منهجه في التفسير:

- ‌نماذج من التفسير:

- ‌2 - وفي تفسير قول الله عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [

- ‌3 - ويفسر المقسمات بها في سورة التين بقوله:

- ‌ منهجه رحمه الله

- ‌أولًا: عنايته بالقضايا اللغوية:

- ‌ثانيًا: عنايته بالقضايا النحوية:

- ‌ثالثًا: عنايته ببعض القضايا البلاغية:

- ‌عنايته بالقضايا العلمية:

- ‌ملاحظات حول التفسير:

- ‌تقويم التفسير:

- ‌التفسير المنهجي التفسير الوسيط للقرآن الكريم

- ‌الأستاذ الدكتور أحمد الكومي

- ‌منهج هذا التفسير:

- ‌1 - حسن العرض ويسر العبارة:

- ‌2 - شمول المادة وصحتها:

- ‌3 - عدم الاستطراد:

- ‌نماذج من التفسير:

- ‌1 - من سورة الفاتحة:

- ‌2 - تفسير قوله تعالى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [

- ‌3 - الشفاعة:

- ‌4 - حكمة التكرار في آيات القبلة:

- ‌5 - قوله تعالى:

- ‌6 - تفسير سورة الطارق: جاء في تفسيرها:

- ‌7 - سورة الكوثر

- ‌محاسن هذا التفسير:

- ‌1 - الإكثار من الاستشهاد بالحديث النبوي:

- ‌2 - بيانه لبعض القيم والأحكام التي تؤخذ من الآيات:

- ‌3 - نقله أقوال المفسرين:

- ‌من التفاسير التقليدية الموجزة تفسير الأستاذ محمد فريد وجدي

- ‌ترجمة المفسر:

- ‌تفسيره:

- ‌أولًا: مقدمة (صفوة العرفان):

- ‌الدور الأول: دور الفطرة

- ‌الدور الثاني: دور الفلسفة

- ‌الدور الثالث: دور العلم

- ‌الدور الرابع: رجوع الإنسان لدين الفطرة

- ‌نظرة على الأدوار التي تنتاب العقائد:

- ‌الرقي المادي والشكوك في الدين:

- ‌كيف كان العالم قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الرسل في نظر القرآن:

- ‌الإسلام:

- ‌الأديان في نظر القرآن:

- ‌الناس في نظر القرآن:

- ‌النسخ في القرآن:

- ‌الولاية والكرامة:

- ‌الشفاعة والتوسل في القرآن:

- ‌القضاء والقدر في نظر القرآن:

- ‌النعيم والعذاب الأخرويان:

- ‌جمع القرآن:

- ‌القراءات:

- ‌ثانيًا: منهجه في التفسير:

- ‌الجانب اللغوي في التفسير:

- ‌مسائل علوم القرآن في التفسير:

- ‌ موقفه من الإسرائيليات:

- ‌ موقفه من التفسير الأثري:

- ‌ نقله عمن سبق من المفسرين:

- ‌ موقفه من آيات الأحكام:

- ‌ موقفه من القضايا العقيدة:

- ‌مآخذ على التفسير:

- ‌الشيخ حسنين مخلوف وتفسيره صفوة البيان لمعاني القرآن

- ‌ترجمة موجزة للشيخ حسنين محمد مخلوف

- ‌من مؤلفات الشيخ:

- ‌منهجه في تفسيره:

- ‌خصائص هذا التفسير

- ‌1 - سلفيته في تفسير آيات العقيدة:

- ‌أ- موقفه من آيات الصفات:

- ‌ب- رأيه في الإسراء والمعراج:

- ‌ج- يثبت رؤية الله للمؤمنين يوم القيامة:

- ‌هـ- رأيه في معجزة انشقاق القمر:

- ‌و- عدم تأويله للآيات التي تتحدث عن استماع الجن والرجم بالشهب:

- ‌ز- عقيدته في رفع عيسى عليه السلام ونزوله:

- ‌2 - اعتداله في تفسير آيات الأحكام:

- ‌3 - اهتمامه بالتحقيقات اللغوية:

- ‌4 - اهتمام الشيخ بالقضايا البلاغية:

- ‌4 - استشهاده بالأحاديث النبوية:

- ‌6 - إكثاره النقل عن المفسرين:

- ‌تقويم التفسير:

- ‌الشيخ السعدي وتفسيره

- ‌ طريقة الشيخ السعدي في تفسيره:

- ‌التفاسير الدعوية

- ‌ابن باديس ومنهجه في التفسير

- ‌حياته:

- ‌وفاة الشيخ:

- ‌آثاره العلمية:

- ‌منهج ابن باديس في التفسير:

- ‌نماذج من تفسيره:

- ‌1 - صلاح النفوس وإصلاحها

- ‌ميزان الصلاح:

- ‌تفاوت الصلاح:

- ‌التوبة وشروطها:

- ‌شر العصاة:

- ‌دواء النفوس في التوبة:

- ‌نكتة نحوية:

- ‌تطلب التوبة مهما عظمت الذنوب:

- ‌2 - القَول الحسَنُ:

- ‌اللسان وخطره:

- ‌خطر الكلمة:

- ‌ضرورة الأدب الإسلامي:

- ‌التحذير من كيد العدو الفتان:

- ‌3 - الطور الأخير لكل أمة وعاقبته

- ‌أطوار الأمم:

- ‌الأحكام الشرعية والقدرية:

- ‌4 - الفرقان

- ‌5 - تفسير المعوذتين

- ‌سورة الفلق

- ‌الأعمال الكسبية بين الخير والشر:

- ‌مسؤولية الإنسان:

- ‌سورة الناس

- ‌تقويم التفسير:

- ‌الشيخ حسن البنا ومنهجه في التفسير

- ‌ كلام بعض العلماء في الشيخ حسن البنا:

- ‌ طريقته في التفسير:

- ‌أولًا: نماذج من تفسيره الوعظي الدَّعوي:

- ‌ثانيًا: نماذجُ من تفسيره العلمي المُسهَب:

- ‌ معالم منهج البنا في التفسير:

- ‌1 - حرصُه على ربط الآيات القرآنية بالواقع المعاش:

- ‌2 - تأثُّره بالأستاذ الإِمام وبمدرسة المنار:

- ‌3 - شخصيتهُ البارزة في مناقشة أقوال المفسرين والترجيح بينها:

- ‌4 - رده على الآراء المنحرفة في التفسير:

- ‌5 - عنايتُه بدقائق البلاغة وأسرار التعبير القرآني:

- ‌6 - عنايتُه بالمناسبات القرآنية:

- ‌7 - عنايتُه بالتفسير الموضوعي للآيات والسُّور:

- ‌8 - تناولُه للقضايا العلمية التي تشير إليها الآيات:

- ‌9 - عنايتُه بالقضايا الفقهية مع استطراد أحيانًا:

- ‌10 - موقف الشيخ البنا من الخوارق والمعجزات

- ‌بحث تحليلي لنفس المصلح أو حال النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة:

- ‌الأستاذ الأكبر الشيخ محمد الخضر حسين رحمه الله

- ‌تفسيره:

- ‌1 - رأيه في تفسير القرآن:

- ‌2 - عمق فهمه لكتاب الله:

- ‌3 - طريقته في التفسير:

- ‌4 - نماذج من تفسير الشيخ:

- ‌1 - تفسير آيات الصوم:

- ‌2 - يقول في تفسيره لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}

- ‌3 - وأحيانًا يكون الغرض من العلم المضاف إلى الله تعالى تذكير المؤمنين بعلم الله

- ‌4 - وفي تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} [

- ‌5 - موقفه من بعض المسائل في التفسير

- ‌أ - المحكم والمتشابه في القرآن

- ‌ب - مسائل العقيدة:

- ‌جـ - الشيخ والقصة القرآنية:

- ‌د - الشيخ وآيات الأحكام:

- ‌المراجع

الفصل: وأن يحيطا بالإنسان من جميع جهاته، فتكون أعماله الكسبية في

وأن يحيطا بالإنسان من جميع جهاته، فتكون أعماله الكسبية في الحياة مكتنفة بهما، دائرة بينهما، موصوفة بأحدهما. ولا بد في ذلك من قدر الله، ومن سننه العامة في هذا العالم الإنساني.

وحكمته المبينة في وحيه: هي ابتلاء خلقه، ليجازوا على ما يكون من كسبهم وسلوكهم، بعد أن وهبهم العقل والتمييز، وأكمل عليهم نعمته بهداية الدين عدلا منه تعالى ورحمة.

وحكمة أخرى: وهي تمرين هذا الإنسان في حياته، العلمية والعملية، وتدريب فكره على اختيار الأنفع على النافع، والنافع على الضار، ثم سوق الجوارح إلى العمل على ذلك الترتيب وترويضها عليه.

‌مسؤولية الإنسان:

والإنسان يكتسب القوة والدربة بتمرسه على ما يلقاه من الخير والشر بعمله وبفكره.

وللفكر الإنساني عمل سابق لأعمال الجوارح المجترحة، وسائق لها ومهيء لما يظهر أنه من بدواتها (1).

وهذا العمل الفكري تظهر قوته في نواح منها - وهو أهمها:

التمييز بين الخير والشر، وأدق منه التمييز بين الخيرين، وشر الشرين، فإن الخير درجات وأنواع؛ والشر كذلك دركات وأنواع.

والإنسان في هذا الخضم الذي تلاطمت أمواجه، وفي هذا الفضاء الذي تشابهت أفواجه، محتاج إلى معونة إلهية في تمييز الخير من الشر. وقد أمده الله بهذه المعونة من دينه الحق. ومحتاج إلى تأييد إلهي يعصمه من الشر ويقيه من الوقوع فيه عن جهالة أو عمد.

(1) فالإنسان حر مختار، لا مقهور مسير كيشة في مهب الرياح.

ص: 640

وقد هداه الله إلى أسبابه ووسائله بما شرع له من المنبهات عند طروق الغفلة، والمبصرات عند عروض الشبهة، والمعوذات المحصنات عند إلمام لمة الشيطان، وطواف طائفة (1).

ومن هذه المعوذات:

عقائد تدفع عن صاحبها الشكوك، وهي شر.

وحقائق تقي صاحبها الوهم، وهو شر.

وعبادات تربي مقيمها على الخير، وتنهاه عن الفحشاء والمنكر.

وأعمال تثبت فاعلها على الحق.

وأقوال يمليها القلب - العامر بتقوى الله والخوف من مقامه - على الألسنة لتكون شهادة لها، أو عنوانًا عليها، والألسنة تراجمة القلوب.

فكان مما شرع الله لنا في كتابه وعلى لسان نبيه التعوذ باللسان من الشر والباطل.

وأنزل الله عليه هاتين السورتين وفيهما الاستعاذة بالله من أنواع من الشرور هن أمهات لما عداهن.

وكان نبينا عليه السلام يكثر التعوذ باسم الله وكلماته من أنواع أخرى من الشرور مفصلة في صحاح السنة.

فضل المعوذتين:

أما السورتان فيكفي في فضلهما ما أخرجه مسلم في صحيحه عن عقبة بن عامر الجهني، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"ألم تر آيات أنزلت الليلة لم ير خير منهن قط: قل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس".

(1) فتدخل الإسلام في حياة الإنسان وتنظيمها، لم يكن عبثًا، وإنما كان لرعاية الإنسان، والأخذ بيده نحو الرشد والكمال الإنساني.

ص: 641

وفي رواية أخرى في مسلم عنه تسميتها بالمعوذتين، وفي رواية أبي أسامة في مسلم أيضًا وصف عقبة بن عامر، بأنه كان من رفعاء أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم؛ ، فتسمية هاتين السورتين بالمعوذتين تسمية نبوية مأثورة، كأسماء جميع سور القرآن.

وقد يقال: المعوذات ويراد بها ما يشمل سورة الإخلاص.

وكفى بما فيها من أصول العقائد معاذًا من الشرك، وهو أصل الشرور كلها.

دفع توهم:

وحديث مسلم هو أصح ما ورد في نزولهما.

وأما ما يذكر في نزولهما في قصة سحر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فإن ذلك لم يصح سببًا لنزولها. وإن كان لقصة السحر وصاحبها لبيد بن الأعصم أصل ثابت في الصحيح. وقد تساهل كثير من المفسرين في حشر هذا السبب في تفسيرهما وفي حشر كثير مما لم يصح في فضائلهما، ولنا فيما صح غنية عما لم يصح.

خيريتهما:

وهذه الخيرية التي أثبتها لهما حديث عقبة عند مسلم، هي خيرية نسبية في ناحية مخصوصة. وهي ناحية التعوذ بهما من الشرور العامة والخاصة المذكورة فيها.

ودليل هذه النسبية ما أخرجه النسائي في سننه عن ابن عباس الجهني أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال له:

"يا ابن عباس، ألا أدلك (أو ألا أخبرك) بأفضل ما يتعوذ به المتعوذون؟ .

قال: بلى يا رسول الله.

قال: قل: أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس هاتين السورتين".

فبين صلى الله عليه وآله وسلم أن خيريتهما وأفضليتهما من جهة ما تشتملان عليه من معنى التعوذ، وهو من المعاني الداخلة في دائرة ما كلفنا الله به.

ص: 642

سر الختم بهما:

ولهاتين السورتين خصوصية غير المناسبات التي يذكرونها في ارتباط بعض السور بالبعض، ويستخرجون منها بالتدبر ما لا يحصى من الأنواع، وهذه الخصوصية هي ختم القرآن بهما؟ وترتيب السور توقيفي، ليس من صنيع جامعي المصحف كما ذكره السيوطي في الإتقان وجماعة؟ .

يستطيع ممارس القرآن ومتدبره ومتقلبه، بالذهن المشرق والقريحة الصافية، أن يستخرج من الحكم في هذا الختم بهما أنواعًا.

ولكن أجلاها وأوضحها:

أنهما ختم على كنوز القرآن في نفس المؤمن، وتحصين لهذه النعم المنشأة له من القرآن عليه - أن يكدرها عليه كيد كائد، أو حسد حاسد، فإن من أوتي الشيء الكريم، ورزق النعمة الهنية، هو الذي تمتد إليه أيدي الأشرار وألسنتهم بالسوء، وتقذفه عيونهم بالشرر، وتتطلع إليه نفوسهم بالحسد والبغضاء، ويشتد عليه تكالبهم، سعيًا في سلبه منه، أو تكديره عليه.

وبقدر النعمة يكون الحسد، وعلى مقدار نفسه ما تملك، تكون هدفًا لمكائد الكائدين، وتأتيك البلايا من حيث تدري ولا تدري (1).

ومن أوتي القرآن فقد طوى الوحي بين جنبيه، وأتى الخير الكثير، فهو لذلك مرمى أعين الحاسدين، ومهوى أفئدة الكائدين فكان حقيقًا، وقد ختم القرآن حفظًا أو مدارسة أو تلاوة، أن يلجتيء إلى الله طالبًا منه الحفظ والتحصين، ومن شر كل كيد وحسد يصيبه على هذا الخير العظيم، الذي كمل له هذه النعمة الشاملة التي تمت عليه.

هذه حكمة.

(1) وكل ذي نعمة محسود.

ص: 643

ب- والأخرى: هي أن من أوتي القرآن وتفقه فيه، فقد أوتي الحكمة وفصل الخطاب، وأحاط بالعلم من أطرافه، وملك كنزه الذي لا ينفد.

وأن من آفات العلم اغترار صاحبه به، وقد يتمادى به الغرور حتى يسول له أن ما أوتيه من العلم كافٍ في وقايته من الأضرار، ونجاته من الأشرار، فكان من رحمة الله بصاحب القرآن، ولطف تأديبه له، وحسن عنايته به، أن ختم بهاتين السورتين كتابه؛ لتكونا آخر ما يستوقف القارى المتفقه، وينبهه إلى أن في العلم والحكمة مسألة لم يتعلماه إلى الآن، وهي: أنه مهما اعتد في العلم باعه، واشتد بالحكمة إطلاعه، فإنه لا يستغني عن الله، ولا بد له من الالتجاء إليه، والاعتصام به: يستدفع به شر الأشرار، وحسد الحاسد وكفى بهذه التربية قامعًا للغرور، وانه لشر الشرور.

هذه هي المناسبة العامة بين جميع القرآن مرتبًا ترتيبه التوقيفي، وبين هاتين السورتين في اتحاد موضعها.

وجه الارتباط بما قبلهما:

وأما المناسبة الخاصة بين السورتين وبين سورة الإخلاص، فهي:

أن سورة الإخلاص قد عرفت الخلق بخالقهم بما فيها من التوحيد والتنزيه والتمجيد؛ فإذا قرأت القرآن وتدبرته على ترتيبه، ووجدت توحيد الله منبثًا في آياته وسوره. متجليًا ذلك التجلي الباهر بما عرضه وصوره، سادًا ببراهينه على النفوس كل ثنية وكل مطلع - كانت آخر مرحلة يقطعها فكرك من مراحل التوحيد في القرآن، هذه السورة المعجزة على قصرها، فكأنها توكيد لما امتلأت به نفسك من معاني التوحيد، وكأنها وصة مودع مشفق بمهم يخشى عليك نسيانه؛ فيعمد فيها من الكلام إلى ما قل ودل ولم يمل.

ومن صدقك في توحيدك لله في ربوبيته وإلهيته

أن تنقطع عن هذا الكون

ص: 644

وتكون منه، وكأنك لست منه بصدق معاملتك لله، وإخلاص توحيدك إياه، فأنت وقد آمنت وصدقت، وخرجت من سورة الإخلاص متشبعًا بمعانيها، ومنها معنى الصمد - تستشعر أن العالم كله عجز وقصور، وأن خيراته مكدرة بالشرور، وأن لا ملجأ إلا ذلك الفرد الصمد، الذي لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد، فتجيء المعوذتان بعد الإخلاص مبينتين لذلك الالتجاء الذي هو من تمام التوحيد.

تسمية واحدة:

ولأجل هذه المناسبة والارتباط بين السور الثلاث جمع بينهن في التسمية: ففي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينفث عن نفسه بالمعوذات".

وسياق النسائي لحديث عقبة بن عامر المتقدم: "أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قرأ وقرأت معه الإخلاص، ثم: قل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس. فلما ختمهن، قال: ما تعوذ بمثلهن أحد.

وكما جمع صلى الله عليه وسلم بينهن في التسمية والتعوذ، جمع بينهن عمليًا في قراءة الوتر.

هذا إجمال المناسبة الخاصة بين السور الثلاث.

رب الفلق:

قال تعالى: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} .

الألفاظ والتراكيب:

الأمر المفرد للنبي عليه السلام.

ومن حسن الأدب في مقدرات القرآن، أن تقدر في مثل هذا الأمر: أيها الرسول، أو أيها النبي؛ لأنهما الوصفان اللذان نطق بهما القرآن في نداء النبي عليه الصلاة والسلام، وأن لا نقدر يا محمد كما هو جار على الألسنة، وفي التصانيف؛ فإن القرآن لم يخاطبه باسمه.

ص: 645

والأمر لنبينا أمر لنا، لأننا المقصودون بالتكليف، ولا دليل على الخصوصية، فهو في قوة: قل أنت، وقل لأمتك يقولون.

(وأعوذ) أستجير وألتجى، ويتعدى هو وجميع تصاريفه بالباء كأستجير. والعوذ والعياذ مصدران منه كالصوم والصيام. وفي القرآن مما جاء على المعنى اللغوي:"يعوذون برجال من الجن". ومن كلام العرب: قد استعذت بمعاذ.

(والرب) الخالق المكون المربي، ومواقع استعمال هذه الكلمة في القرآن هي التي تكشف كل الكشف عن معناها الكامل.

لطائف لغوية:

(والفلق) الفجر المفلوق المفرى.

ومن لطائف هذه اللغة الشريفة: أن الفتح، والفلح، والفجر، والفلق، والفرق، والفتق، والفرى وألفأ، والفقأ والفقه

كلها ذات دلالات واحدة، وتخصيصها بمتعلقاتها باب من فقه اللغة عظيم (1).

ومما وصف به ربنا نفسه في القرآن (فالق الإصياح)، وفالق الحب والنوى)، فهما من أسمائه تعالى.

ومواقع هذه الألفاظ التي تضاف إلى كلمة رب في القرآن، كمواقع أسماء المخلوقات التي أقسم بها الله: كلاهما عجيب معجز.

فكل لفظة تستعمل في المقام الذي يناسبها وتناسبه، وكل لفظة تبعث في الأسلوب الذي وقعت فيه متانة وقوة، وفي معناه وضوحًا وجلاءً.

وسر إضافة الفلق إلى رب هنا: أن الفجر بمعناه العرفي هو تشقق الظلمة عن النور، فإن الليل يكون مجتمع الظلمات مسدول الأرواق، فإذا جاء الصبح حصل الانفلاق، والذي يبقى بعد ذلك الانفلاق هو النور الذي نفى الظلمة، ولا ينف

(1) في صلة اللفظ بالمعنى، وإمساس الألفاظ أشباه المعاني.

ص: 646

ظلمات الشر والضلال والباطل إلا أنوار الخير والهدى والحق من خالقها، وفالق أنوارها.

وكما أضيف الفلق بمعنى الفجر إلى كلمة رب هنا، أقسم به في آية أخرى وهي قوله تعالى:{وَالْفَجْرِ} .

الشر:

{مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ}

من كل مخلوق فيه شر، فلا يدخل في عمومه إلا كل شرير من أي العوالم كان، كما يدخل في عموم المناطق كل ذي نطق، أو من شر كل مخلوق.

ومن مخلوقات الله ما هو خير محض كالأنبياء والملائكة.

ومعلوم أن المخلوقات كلها خلقت بحق والحكمة، فهي في نفسها خير. فإن كان لا ينشأ من أعمالها أو آثارها إلا الخير فهي الخير المحض، وإن كان ينشأ عنها الشر أحيانًا أو دائمًا، فعملها هو الشر، وهو المستعاذ منه.

لا تكليف بالشر:

وتصبح نسبة هذا القسم إلى الله من حيث الخلق والحكمة، ونسبة أعماله إليه من حيث التقدير والتكوين؛ لا من حيث الرضا والتكليف؛ فالله لا يرضى بالشر ولا يكلف به.

وقصارى إبليس وهو مادة الشر في هذا الوجود، أن يزين الشر ويلبسه بالخير. فالشر بيد الله خلقه وحكمة، لا رضا وتكليفًا. والخير بيد الله خلقة وحكمة ونعمة وأمرًا.

الشر ذاتي ونسبي:

وقد يكون الشر ذاتيًا لا ينفك، وقد يكون نسبيًا: باعتبار حالة تعرض واتجاه يقصد.

ص: 647

ونعم الله على عباده قد تنقلب عليهم شرًّا وبلاء بسبب سوء تصرفهم فيها:

كالمال الذي سماه الله خيرًا في القرآن - يكسبه صاحبه من الوجوه المشروعة، ويتحرى رضا الله في جمعه وتفريقه؛ فيكون خيرًا بذاته وبعمل صاحبه.

ويتصرف فيه بعكس ذلك فيكون شرًّا لا من ذاته، بل من عمل صاحبه.

لم عيب الشر؟

وهذا العالم الإنساني المكلف، هو الذي يتجلى الخير والشر في أعماله، ويتصلان بحياته اتصالًا وثيقًا.

وإنما عيب عليه وقبح منه، لأنه قادر على تمييزه واجتنابه، ومكلف بذلك. وقد وضح له الدين قوانين ثابتة للخير والشر، وأوضح له أن الخير ما نفع، وأن الشر ما أضر. ولكنه وإن أوتي قوة التمييز لم يؤت قوة الاستعصام، ابتداء من الله: فأما المخذول فيأتي الشر عامدًا متعمدًا وهو يعلم أنه شر. وأما الموفق فيواقع الشر في مواقف يشتبه عليه فيها الخير بالشر ويعسر التمييز (1).

والخير والشر لا يوازنان بميزان حسي يستوي الناس كلهم في إدراكه، وقد تدق الفوارق بينهما حتى تخفى.

وفي هذه المواقف يجب الالتجاء إلى الله ليرينا الخير خيرًا، ويكشف لبصائرنا عن حقائق الشر فلا يلتبس علينا شيء بشيء.

وبعد أن يوجه الاضطرار نفوسنا هذا التوجيه الصحيح، تندفع ألسنتنا وتقول:{أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ} وبهذا تظهر المناسبة الدقيقة بين (رب والفلق).

المناسبة بين الرب والفلق:

1 -

فإن رب الناس ومربيهم وسائقهم إلى ما يكمل وجودهم، هو الذي تنكشف

(1) ولعل في هذا كفاية لبعض المتنطعين، الذين يقولون: مقدر ومكتوب ونحن مجورون مقهورون.

ص: 648

له سرائرهم، والفلق نور يكشف للعيان كل المبصرات فترى على حقائقها ومقاديرها، لا يزيع البصر في شيء منها ولا يطغى، والإنسان مهما يكن عالمًا فقد تخفى عليه حقائق من المعقولات فيزيغ فكره ويطغى.

2 -

ومناسبة أخرى، وهي أن الشر ظلام، وقد أجرى الله في فطر البشر تصور الشر كالظلام، وأجرى على ألسنتهم تشبيه الشر بالظلام: ذلك أن ما يلابس إحساسهم من الأنس بالنور والبشاشة له، هو عين ما يلابسه من الأنس والبشاشة للخير، وأن ما يضايقهم من وحشة الظلام وتوقع الهلاك فيه: هو عين ما يضايقهم من ذلك الشر.

تخصيص أنواع خطرة من الشر:

هذا كله في الشر على عمومه، ثم خصص تعالى من هذا العموم ثلاثة أنواع من الشر، لشدة تعلقها بحياة الإنسان وكثرة عروضها له، ويجيء أكثرها من أخيه الإنسان، ورتبها ترتيبًا بديعًا لا يستغرب في جنب بلاغة القرآن، ودقته في رعاية المراتب وتنسيقها في عرض الأذهان.

هذه هي الثلاثة:

الغاسق إذا وقب.

والنفاثات في العقد.

والحاسد إذا حسد.

مفردات:

(والغاسق) الليل المظلم، والمراد هنا المصيبة تطرق ليلًا وعلى غرة (ووقب) دخل في الوقب وهو النقرة في الشيء.

(والنفاثات) السواحر ينفش الريق، واللفظ جمع نفاثة كثيرة النفث.

(والعقد) جمع عقدة بيان لعادة السواحر المعروفة، من عقد الخيوط ونفث الريق عليها.

ص: 649

جامع الثلاثة:

والجامع بين الثلاثة هو اشتراكها في الخفاء: فإن الغاسق ظلام تخفى فيه الشرور، والنفاثات مبني أمرهن على الإخفاء تخييلًا وإيهامًا، والحسد داء دفين.

فالثلاثة كما ترون شرها خفي، وكل شر يخفى عمله أو يخفى أثره يجل خطبه، ويعظم خطره، فيعسر التوقي منه والاحتياط له، لأنك نتقي ما يظهر ويستعلن، لا ما يخفى ويستتر، لا جرم (1) كانت الثلاثة جديرة بالتخصيص.

ترتيب الثلاثة:

أما نكتة الترتيب: فإن الليل ليس شرًّا في نفسه، ولا الشر من عمله، وإنما هو ظرف للشرور، والعلاقة بين الشيء وظرفه مكينة في النفوس قوية في الاعتبار، مسببة للحكم على أحدهما بحكم الآخر.

بخلاف النفاثات والحساد، فإن الشر من عملهما ومن وصفهما، ولانطباعهما عليه صار ذاتيًا لهما، ولا شك أن الشر الذاتي أمكن من العرضي.

كما أن بين الاثنين تفاوتًا في ذاتيه الشر وقوته، وعسر التوقي منه:

فالنفاثات وإن كن يتحرين إخفاء عملهن، ولكنه مما يمكن ظهوره وافتضاحه - بخلاف الحاسد فإنه يخفي شره ويبالغ، فيظهر بمظهر الخير فشره أشد، والتوقي منه أعسر، ففي الترتيب بين الثلاثة ترق من الأخف إلى الأشد.

ومن جهة أخرى نجد التناسب ظاهرًا بين الثلاثة: الغاسق والنفاثات والحاسد: فإن الجميع ظلام: ظلام الزمن، وظلام السحر، وظلام الحسد.

وفي تقييد الغاسق بالوقوب احتمالان كلاهما صحيح مفيد المراد:

التقييد بالوقوب زمانيًا ومكانيًا:

الأول: أن وقوب الغاسق عبارة عن اعتكار الظلم وتكاثفها، فكأن بعض أجزائها

(1) حقًّا.

ص: 650

يدخل بعضًا. والظلام يبدأ خفيفًا مشوبًا بأسفار من الشفق، أو من طبيعة الأرض، ثم يشتد ويحلولك حتى يغطي على كل شيء، فتلك التغطية هي الوقوب.

والوقوب على هذا الاحتمال منظور فيه إلى ظرفه الزماني.

وفائدة القيد حينئذ، أن تلك الحالة المصورة بهذه الجملة، هي التي يقع فيها الشرور من الآدميين وغيرهم، فالطارق يطرق، والسارق يسرق، والحيات تنهش، والضواري تفترس، وظلام الليل يستر ذلك كله، ويعين عليه، ويعوق عن الاستصراخ والاستنجاد.

والعرب تقول فيما يشير إلى هذا: (الليل أخفى للويل).

فالمستعاذ منه على هذا الاحتمال: شر يقع في زمان.

والاحتمال الثاني: أن الوقوب في حقيقته هو دخول شيء في شيء دخولًا حسيًا، فيقتضي ظرفًا مكانيًا، وما هذا الظرف إلا الأبنية والمساكن، والظلام حين يهجم يدخل المساكن فيملأها، ويكون دخوله فيها أبين من دخوله في الفضاء، وملؤه إياها أشد.

فالوقوب على هذا منظور فيه إلى ظرفه المكاني، لأن الشرور التي ترتكب في البيوت حين يغمرها الظلام أكثر مما يرتكب منها في الفضاء، خصوصًا من الآدميين، والمستعاذ منه على هذا الاحتمال شر يقع في مكان.

وعلى الاحتمالين لما كان الليل معوانًا لذوي الشر على شرهم، أضيف الشر إليه واستعيذ بالله منه.

النفاثات:

(والنفاثات) صفة إما للنفوس فتشمل الرجال والنساء، وتكون الاستعاذة من شر كل من يتعاطى هذا الفعل رجلًا كان أو امرأة، وإما للنساء. وخصصن بذلك لأن وقوع هذا الفعل منهن أكثر، وهن به أشهر.

ص: 651

النفث والمنفوث:

والنفث إخراج الهواء من الفم مدفوعًا بالنفس بدون بصاق، أو مع قليل منه تتطاير ذراته وهو دون التفل.

والنفث وإن كان عامًّا لكنه اشتهر فيما يفعله السحرة، يعقدون خيطًا ويتمتمون عليه برقى معروفة عندهم، وينفثون على عقدة منه بقصد إيصال الشر من نفوسهم الخبيثة إلى نفس المسحور، وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله.

وما أمرنا الله بالاستعاذة من شره إلا لأنه يؤثر في بعض النفوس القابلة للتأثر به حاشا النفوس المعصومة، كنفوس الأنبياء فإن شرور الدنيا وأسواءها لا تعدو أبدانهم إلى أرواحهم.

سحر الرسول:

ولا يتعاصى على هذه القاعدة ما ورد في سحر لبيد بن الأعصم اليهودي، لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وما يوهمه لفظ الرواية، فإن ذلك كله لا يخرج عن التأثر البدني (1).

الاعتقاد الصحيح:

نفث الشر والخير:

ونحن نعتقد دينا أن تأثير المؤثرات هو من وضع الله وحده.

ونقطع علمًا وتجربة أن للقوى النفسية تأثيرًا أعظم من تأثير القوى الجسمانية.

وأن من مظاهر هذا التأثير النفساني تأثير العين في المعيون، وتأثير التنويم في المنوم.

وأن التأثير والتأثر النفسانيين، يختلفان باختلاف النفوس الفاعلة والمنفعلة قوة وضعفًا.

(1) والقول بالتأثير البدني قول حسن في التوفيق بين القائلين بجواز تأثير السحر على الأنبياء: أولًا.

ص: 652

وأن تأثير العين ليس من ذاتها. وإنما هو من النفس التي من وراء العين ولو كان التأثير من ذات العين لكانت كل عين ناظرة تحدث ذلك الأثر، وأن هذا التأثير لون من ألوان النفس: فإن كانت خيرة كان تأثيرها خيرًا، وإن كانت شريرة كان شرًّا.

فالنفث المذكور في الآية إن أثر فإنما يؤثر بالقوة النفسية التي من ورائه. والساحر لا ينفث من نفسه الخبيثة إلا نفث الشر؛ لأن الشر هو صفته الطبيعية، كالحية لا تنفث الترياق، وإنما تنفث السم، وكالعدو يلقاك بطعن الأسل لا بطعم العسل؛ ، إذ كان ذلك من طبيعة العداوة.

هذا نفث الشر من النفوس الشريرة كنفوس السحرة.

نفث المؤمن:

وأما النفوس الخيرة الطيبة، كنفوس المؤمنين فإنها تنفث الخير للخير.

وفي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

نفث الرسول:

كان إذا آوى إلى فراشه جمع بين كفيه ثم نفث فيهما، وهو يقرأ المعوذتين ثم مسح بهما ما استطاع من بدنه يبدأ برأسه ووجهه يفعل ذلك ثلاث مرات" فهذا نفث الخير من خير نفس خلقها الله.

ثم قالت في تمامه: "فلما اشتكى كان يأمرني أن أفعل ذلك".

وفي رواية: "كان يقرأ بالمعوذات فلما ثقل كنت أنفث عليه بهذا، وأمسح بيد نفسه رجاء بركتها".

وفي رواية مسلم عنه: "أنه كان يفعل ذلك إذا مرض أحد أهله"(1).

فهذه الأحاديث - ثابتة صحيحة - تثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ المعوذات، وينفث حين القراءة نفث الخير قطعًا.

(1) وما أجملها من رقية تقوي الأثر النفسي عند المريض. وتساعد الدواء المادي على عاجل الشفاء.

ص: 653

حقيقة النفث إذن:

وتبين لنا أن كل نفس تنفث ما وقر فيها.

وأن النفث إيصال للقوة الروحانية إلى ما يراد وصول الأثر إليه، وهي دليلنا على ما أسلفنا من أن في النفث خيرًا وشرًا، ولولاها لما كان النفث إلا من فعل السحرة.

والنفوس إذا استفزها شيء من ملابستها، تتفشى فيها الروحانية وتضطرب، فكأنها بذلك النفث تنفض جزءًا من روحانيتها على نفس أخرى، أو على بدن.

وكأن تحريك اللسان بقراءة أو غيرها إثارة لتلك الروحانية، واستدعاء لها، حتى تتصل بالريق الذي ينفث، كما يتصل السيال الكهربائي بشيء مادي.

وقد علمنا أن السحرة لا ينفثون نفثًا مجردًا، بل يغمغمون برقى شيطانية وأسماء أرواح خبيثة.

شاهد آخر للنفث:

ومن الشواهد لنفث الريق، ما أخرجه مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها:

"أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا اشتكى الإنسان الشيء منه، أو كانت به قرحة، أو جرح، قال النبي بإصبعه هكذا:(تعني وضعها على الأرض كما فسرها سفيان بالعمل) ثم رفعها، وقال:

بسم الله تربة أرضنا بريقة بعضنا ليشفى به سقيمنا بإذن ربنا".

(بعد رواية الأستاذ لهذا الحديث، سكت لحظة كمن يستجمع خواطره، ثم اندفع فقال ما معناه بتوسع)(1):

تفسير القرآن:

إن القرآن كتاب الدهر ومعجزته الخالدة، فلا يستقل بتفسيره إلا الزمن. وكذلك

(1) ما بين القوسين من كلام العلامة البشير الإبراهيمي.

ص: 654

كلام نبينا صلى الله عليه وآله وسلم المبين له، فكثير من متون الكتاب والسنة الواردة في معضلات الكون ومشكلات الاجتماع، لم تفهم أسرارها ومغازيها إلا بتعاقب الأزمنة، وظهور ما يصدقها من سنن الله في الكون. وكم فسرت لنا حوادث الزمن واكتشافات العلم من غرائب آيات القرآن، ومتون الحديث، وأظهرت منها للمتأخرين ما لم يظهر للمتقدمين، وأرتنا مصداق قوله صلى الله عليه وآله وسلم في وصف القرآن:"لا تنقضي عجائبه".

الحوادث والمكتشفات كاشفة عنه:

والعلماء القوامون على كتاب الله وسنة رسوله لا يتلقونها بالفكر الخامد، والفهم الجامد. إنما يترقبون من سنن الله في الكون وتدبيره في الاجتماع ما يكشف لهم عن حقائقهما، ويكلون إلى الزمن وأطواره تفسير ما عجزت عنه أفهامهم.

وقد أثر عن جماعة من فقهاء الصحابة بالقرآن قولهم في بعض هذه الآيات: لم يأت مصداقها أو تأويلها بعد: يعنون أنه آت، وأن الآتي به حوادث الزمان، ووقائع الأكوان، وكل عالم بعدهم، فإنما يعطي صورة زمنه بعد أن يكيف بها نفسه.

هذا الخبر عند الناس:

ولو أننا عرضنا حديث التربة والريقة على طائفة من الناس مختلفة الأذواق متقسمة الحظوظ في العلم وسألناهم:

أية علاقة بين الشفاء وبين ما تعاطاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أسبابه في هذا الحديث؟ .

فماذا تراهم يقولون؟

1 -

يقول المتخلف القاصر:

تربة المدينة بريق النبي صلى الله عليه وآله وسلم شفاء ما بعده من شفاء.

2 -

ويقول الطبيب المستغرب:

ص: 655

هذا محال، في التراب مكروب، وفي الريق مكروب، فأنى يشفيان مريضًا؟ أو ينفسان عن مكروب؟ ! .

ويقول الكيماوي:

هاهنا تفاعل بين عنصرين، ودعوا التعليل، فالقول ما يقول التحليل.

4 -

ويقول ذوو المنازع القومية والوطنية، ولو كانوا يدينون بالوثنية:

آمنا بأن محمدًا رسول الله، فقد علم الناس من قبل أربعة عشر قرنًا أن تربة الوطن معجونة بريق أبنائه، تشفي من القروح والجروح، ليربط بين تربته وبين قلوبهم عقدًا من المحبة والإخلاص له، وليؤكد فيها معنى الحفاظ له والاحتفاظ به، وليقرر لهم من منن الوطن منه كانوا عنها غافلين، فقد كانوا يعلمون من علم الفطرة أن تربة الوطن تغذي وتروي، فجاءهم من علم النبوة أنها تشفي فليس هذا الحديث إرشادًا لمعنى طبي، ولكنه درس في الوطنية عظيم.

ولو أنصف المحدثون لما وضعوه في باب الرقي والطب، فإنه بباب "حب الوطن" أشبه.

وما نرى رافع العقيرة بقوله (1):

ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة

بواد وحولي أذخر وجليل

وهل أردن يومًا مياه مجنة

وهل تبدون لي شامة وطفيل

إلا سائرًا على شعاعه:

وما ترى ذلك الغريب المريض الذي سئل فيم شفاؤك؟ .

فقال: شمة من تربة اصطخر. وشربة من ماء نهاوند، إلا من تلامذة هذا الدرس (2).

(1) تمثل أبو بكر الصديق رضي الله عنه بهذين البيتين بعد الهجرة يحن إلى هذه الأماكن التي ذكرها ويتمنى أن يبيت بها ولو ليلة. والإذخر والجليل بنتان ومجنة موضع سوق للعرب في الجاهلية وبها مياه، وشامة وطفيل موضعان.

(2)

أي أن أصحاب المنازع الوطنية يستشهدون به أيضًا.

ص: 656

ولقد زادنا إيمانًا به بعد إيمان (1) أنه يقول:

تربة أرضنا، بريقة بعضنا. ولم يقل: تربة الأرض بريق بني آدم، فليس السر في تربة وريق ومرض. ولكن السر في أرضنا وبعضنا ومريضنا - فهذه - والله ربنا - صخرة الأساس في بناء الوحدة الوطنية والقومية، لا ما يتبجح به المفتونون.

5 -

ويقول الروحانيون:

إن هناك روحًا طاهرة تتصل بتربة الأرض التي خلق المريض منها، وتغذي بنباتها ومائها، وتنفس كبده في جوها وهوائها، من ريقة منفوثة نفث الخير، من نفس مؤمنة قوية الروحانية طيبتها، فيكمل التكوين بين الريق والتربة مع اسم الله الذي قامت به السماوات والأرض، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، فيحصل الشفاء بهذا العمل النفساني. وإذا تحلت النفس بعجائبها لم يبق في الوجود عجيب.

6 -

ويقول غير هؤلاء ما يقول، وهذه المتون كاسمها متون، وهذا الأصول كاسمها أصول.

وهكذا، تأتي بعض المتون من كلام الله، وكلام رسوله، معجزة للعقول فتتطاير من حولها الفهوم والآراء تطاير الشعراء، ويظن كل عقل أن حرفته آلة لتفسير تلك المتون - والعلوم حرف العقول (2).

الكلمة للزمان:

والزمان من وراء الكل يصيح: أن انتظروا

الحاسد والحسد:

{وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ} .

(1) الكلام للوطنيين والقوميين أيضًا.

(2)

أي تأتي تفسيرات أخرى بالرمز، والحرف، والإشارة، واللامعقول والمعقول إلى آخر أمور الضعف العقلي والترف العقلي.

ص: 657

الحاسد، الذي قامت به صفة الحسد، وهو الذي يحب أن تسلب النعم من غيره. وقد تلح به هذه الصفة الذميمة فتزين له سلب النعم حتى من نفسه، إذا توقف على ذلك سلبها من غيره (1) فهو لا يحب الخير لأحد، ويتمنى ألا يبقى على وجه الأرض منعم عليه.

منشأ الحسد:

وإنما ينشأ الحسد من العجب وحب الذات، فتسول له نفسه أن غيره ليس أهلًا لنعم الله، وكفى بهذا معاداة للمنعم (2).

كل الشرور في إبليس:

والحسد شر تلازمه شرور: العجب، والاحتقار، والكبر. وقد جمع إبليس هذه الشرور كلها:

حسد آدم عجبًا بنفسه فقال: "أنا خير منه".

ورآه لا يستحق السجود احتقارًا له، فقال: "أهذا الذي كرمت علي؟ ! ثم تكبر ولم يسجد ورضى باللعنة والخزي.

ولا أشنع من صفة يكون إبليس فيها إمامًا! ! .

والحسد شر على صاحبه قبل غيره، لأنه يأكل قلبه، ويورق جفنه، ويقض مضجعه (3) ولا يكون شرًّا على غيره، إلا إذا ظهرت آثاره بأن كان قادرًا على الإضرار، أو ساعيًا فيه، ولهذا قال تعالى:{إِذَا حَسَدَ} والمتمني للشيء لا يمنعه

(1) علي وعلى أعدائي.

(2)

معاداة واعتراض عليه سبحانه.

(3)

ولله در الشاعر أبي تمام:

اصبر على كيد الحسود

فإن صبرك قاتله

النار تأكل نفسها

إن لم تجد ما تأكله

ص: 658

من إتيانه إلا العجز

وأعظم ما ينمي الحسد ويغذيه امتداد العين إلى ما متع الله به عباده من متاع المال والبنين؛ ونعمة العافية والعلم والجاه والحكم.

وقد نهى الله نبيه عن مد العين إلى ما عند الغير فقال:

{وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه: 131].

علاج الحسد:

وفي هذه الآية مع النهي إرشاد إلى علاج الحسد (1)، فإن الحسد مرض نفساني معضل، ولكنه كغيره من الأمراض النفسية يعالج.

وقد وصف الحكماء له أنواعًا من العلاج، فصلتها كتب السنة، وكتب الفقه النفسي (2) ككتاب الأحياء للغزالي.

* * *

(1) وأولى بالتمني الغبطة، أي أن تتمنى أن يأتيك من الله مثل ما للغير، ولا تتمنى زوال ما عنده.

(2)

تسمية لطيفة من ابن باديس.

ص: 659