الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (قيل لبني إسرائيل ادخلوا الباب سجدًا وقولوا حطة فبدلوا ودخلوا يزحفون على استاههم. وقالوا: حبة في شعيرة)(1).
3 - نقله أقوال المفسرين:
وهذه لعمر الحق من أهم ما يتطلبه التفسير المنهجي. ونحن في زمن كادت تندرس فيه آثار العلماء السابقين في كل علم، وصار يكتفي فيه بالمذكرات التي تحول بين الطالب وتراثه العلمي، هذا كله إلى جانب ما نراه من هجوم على المفسرين الأقدمين، لذا كان النقل من كتب التفسير في هذا الكتاب من أعظم المحاسن، فكأن الطالب الذي يدرسه، يجمع إلى الدراسة النصية. ولكن النقل في هذا الكتاب يمتاز عن غيره بميزتين اثنتين:
أولاهما: النقل عن أئمة التفسير دون غيرهم. كابن جرير والزمخشري والرازي وأبي حيان والقرطبي وابن كثير والآلوسي والشيخ محمد الخضر حسين رحمهم الله تعالى، ويلاحظ في هذا النقل حسن الاختيار.
ثانيتهما: الترجيح بين أقوال المفسرين عند الحاجة، فلم يقفا موقفًا سلبيًا وإنما كانت تبرز شخصيتهما العلمية مرجحين موجهين ما اختاراه.
يظهر هذا عند تفسير الصراط المستقيم، وعند تفسير قوله تعالى:{اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ} [البقرة: 61]، فبعد أن أوردا أقوال المفسرين: ابن جرير وأبي حيان وابن كثير في المقصود من كلمة (مصر) قالا: (هذا والذي نرجحه في هذا المقام هو ما ذهب إليه الإمام ابن كثير لما يأتي:
1 -
إن القراءة بالتنوين متواترة: وابن جرير نفسه لم يجوز القراءة بغيرها، وهذه القراءة المتواترة، نص في أن المراد من مصر، أي بلد كان، لا مصر فرعون،
(1) ج 1/ ص 187 - 188.
ثم إذا كان المراد به ذلك فليس لنا أن نقول إنه يصدق على مصر فرعون، وذلك لأن الأمصار التي تنبت ما طلبوا من البقول والخضر أقرب إليهم من مصر، فليس المعقول أن يؤمروا بالذهاب إلى مصر فرعون وهي بعيدة عن مكانهم بعدًا شاسعًا، ويتركوا الأمصار الأقرب إليهم وفيها ما يريدون.
2 -
لم ينقل أحد من المؤرخين أنهم رجعوا إلى مصر بعد خروجهم منها كما قال أبو حيان وغيره، بل الثابت أن بني إسرائيل خرجوا من مصر، وأمروا بعد خروجهم بدخول الأرض المقدسة لقتال الجبارين، ولكنهم أبوا طاعة نبيهم عليه السلام، فعذبوا بالتيه أربعين سنة؛ لتخلفهم عن قتال الجبارين؛ ولعصيانهم أمر نبيهم، وماتوا جميعًا في التيه، وبقي أبناؤهم، ، فامتثلوا أمر الله تعالى وهبطوا إلى الشام، وقاتلوا الجبارين ودخلوا الأرض المقدسة بقيادة يوشع بن نون.
3 -
ليس في الآية ما يشعر بأن موسى عليه السلام، طلب من ربه أن يجيبهم إلى رغبتهم، فكيف نقول بما لم يدل عليه القرآن الكريم ولو من طريق الإشارة؟ .
4 -
دخولهم في التيه كان عقوبة لهم على نكوصهم عن قتال الجبارين، ليدخلوا الأرض المقدسة التي كتبها الله لهم، فالتيه والحالة هذه، كان بمثابة سجن لهم يعاقبون فيه، كما يشعر بذلك قوله تعالى:{فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ} [المائدة: 26] فكيف يخرج السجين من سجنه تلبية لبعض رغباته المنكرة، وبناء على ذلك يكون الأمر في قول موسى لهم {اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ} للتهديد والتوبيخ والتجهيل) (1).
هذا هو التفسير الوسيط في منهجه وخصائصه ومميزاته، وإنه بحق وسط بين التفاسير. ولقد أدى الغرض الذي كتب من أجله، وأوصل إلى الغاية التي توخيت منه، وأرجو الله تعالى أن يكرم مؤلفيه بنعمة إتمام هذا التفسير.
(1) 4/ ص 202 - 203.
هذا الكلام كنت كتبته في أول السبعينيات من القرن الماضي وبعد سنين صدر هذا التفسير للقرآن الكريم كاملًا في خمسة عشر مجلدًا، لكنه كان يحمل اسم الدكتور محمد سيد طنطاوي، وقد تفضل مشكورًا فأهداني هذا التفسير حينما جاء إلى عمان لحضور أحد المؤتمرات.
ولقد عجبت كل العجب عندما قرأت مقدمة هذا التفسير التي كتبها الأستاذ الدكتور محمد سيد طنطاوي فلم أجد فيها ذكرًا لأستاذنا الشيخ الكومي رحمه الله وهذا أمر يدعو إلى الاستغراب، ويبعث في النفس ألمًا، وإذا كان الشيخ الكومي رحمه الله ذا أثر طيب يقر به تلاميذه جميعهم، بل كلّ من عرفه، فإن الدكتور طنطاوي أولى الناس بأن يعترف للشيخ الكومي؛ لأن الذي أعرفه أنه كان من أخصّ تلاميذه، فحينما ذهبت مع الشيخ الذهبي رحمه الله إلى الشيخ الكومي من أجل الإشراف على رسالتي، استدعى الدكتور الطنطاوي للإشراف على رسالتي، وخصه بهذا الإشراف من بين تلاميذه جميعًا.
وإذا كان لا بد من كلمة أخيرة فإن التفسير الوسيط يفيد منه المتخصصون كما يفيد منه ذوو الثقافات العامة، وقد يغني عن قراءة كثير من التفاسير، فلقد جمع أقوال كثير من المفسرين وبخاصة أجلتهم جمعًا ليس عشوائيًا، بل هو جمع ناشئ عن فهم وذكاء، وإذا كان في الآية أكثر من رأي للمفسرين فهو يوازن بين هذه الآراء مرجحًا ما يبدو له، وغالبًا ما يكون موفقًا في هذا الترجيح، وإني أنصح لطلاب العلم قراءة هذا التفسير، رحم الله شيخنا الشيخ الكومي، وجزى الله الأستاذ الدكتور محمد سيد طنطاوي خيرًا على ما بذله من جهد في هذا الكتاب خدمة لكتاب الله تبارك وتعالى.