الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفسير القرآن الحكيم
كانت تسطير على رشيد رضا رحمه الله النزعة الإصلاحية، ولقد نمت تلك النزعة حينما اطلع في بلده على بعض أعداد من مجلة العروة الوثقى، التي كان يقرأ فيها تفسيرًا لآيات من الكتاب العزيز، تتجلى فيها هداية القرآن، بما لم يره في تفسير من قبل، ولقد لخص أهداف تلك المجلة بقوله:
1 -
بيان سنن الله تعالى في الخلق، ونظام الاجتماع البشري، وأسباب ترقي الأمم وتدنيها وقوتها وضعفها.
2 -
بيان أن الإسلام دين سيادة وسلطان جمع بين سعادة الدنيا وسعادة الآخرة.
3 -
أن المسلمين ليس لهم جنسية إلا دينهم، فهم إخوة لا يجوز أن يفرقهم نسب ولا لغة ولا حكومة.
من هنا أيقن الرجل أن لا صلاح لهذه الأمة إلا بفهم القرآن، وهذا لا يأتي إلا بتفسير يلائم أوضاع العصر، وظروف الحياة، لذا نراه في أول يوم وطئت قدمه أرض مصر، يتصل بالشيخ محمد عبده، ليعرض عليه اقتراحه بتفسير القرآن، وتأخذ هذه المسألة دورًا من النقاش، وأخيرًا يقتنع الشيخ، ويبدأ بإلقاء دروسه في تفسير القرآن في الجامع الأزهر، وكان الشيخ رشيد، يدون لنفسه أفكار الأستاذ الإمام في التفسير، وعندما أنشئت مجلة المنار، بدأ رشيد ينثر دروس الشيخ في التفسير، بعد عرضها عليه وإقراره لها.
منهجه في التفسير:
وبعد أن توفي الأستاذ رحمه الله، شعر رشيد بعبء المسؤولية، وأنه لا بد من أن يتحمل وحده تبعة تأليف تفسير للقرآن، على أن يودعه دروس الإمام. ونجد رشيدًا في تفسيره هذا، لم يلزم نفسه بنهج الإمام وطريقته، بل كان له نهج آخر، عبر عنه بقوله:
(وإني لما استقللت بالعمل بعد وفاته، خالفت منهجه رحمه الله تعالى، بالتوسع فيما يتعلق بالآية من السنّة الصحيحة، سواء كان تفسيرًا لها أم في حكمها، وفي تحقيق بعض المفردات والجمل اللغوية، والمسائل الخلافية بين العلماء، وفي الإكثار من شواهد الآيات في السور المختلفة، وفي بعض الاستطرادات لتحقيق مسائل تشتد حاجة المسلمين إلى تحقيقها، بما يثبتهم بهداية دينهم في هذا العصر، أو يقوي حجتهم على خصومهم من الكفار والمبتدعة، أو يحل بعض المشكلات التي أعيا حلها بما يطمئن به القلب، وتسكن إليه النفس. وأستحسن للقارئ أن يقرأ الفصول الاستطرادية الطويلة وحدها، في غير الوقت الذي يقرأ فيه التفسير، ليتدبر القرآن والاهتداء به في نفسه، وفي النهوض بإصلاح أمته وتجديد شباب ملته - الذي هو المقصود بالذات منه - وأسأله أن يخصني والأستاذ بدعواته الصالحة (1).
وهكذا ولد هذا التفسير، وهنا مسألة مهمة لا بد من بيانها، وهي: ما جاء في أجزاء المنار الأولى، منسوبًا للشيخ محمد عبده، أهو له بالفعل؟ أم أن الشيخ رشيدًا كان له فيه شيء من التحوير والتبديل والزيادة والنقص؟ .
لقد رأيت لبعض الكاتبين كلامًا في هذا الموضوع، يفهم منه التشكيك في هذه المسألة، وهذا في رأيي لا يصح أبدًا، فرشيد كان رحمه الله أمينًا، وهو الذي حفظ لنا تراث الأستاذ، وهو الذي كان يخالفه أو يستدرك عليه، ولقد بلغت أمانته أنه بعد أن توفي الإمام حيث رأى أن من الأمانة ألا يعزو إليه ما كتبه عنه، أو حفظه منه حفظًا وصار يكثر من القول:(قال ما معناه)، أو (ما مثاله)، أو (ما ملخصه).
يقول رحمه الله عند تفسير سورة الفاتحة: (كان غرضنا الأول من كتابة تفسير الفاتحة، ونشره في المنار هو بيان ما نستفيده من دروس شيخنا الأستاذ الإمام مع شيء مما يفتح الله به علينا بالاختصار، فلذلك اختصرنا فيما كتبناه أولًا، ثم لما طبعنا تفسير الفاتحة على حدته مرة ثانية زدنا فيه بعض زيادات، وكان بدا لنا أن
(1) تفسير المنار (1/ 16).