الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولن أبدي رأيًا أو أصدر حكمًا، إلا بعد أن أستعرض نماذج من تفسيره، وقد ذهبت إلى دمشق لألتقي أخص تلاميذه، وأكثرهم صلة به العلامة الفاضل الأستاذ محمد بهجت البيطار رحمه الله وهو الذي أكمل تفسير سورة يوسف عليه السلام، الذي لم يتمه صاحب المنار، بسبب وفاته رحمه الله ولقد كان الرجل كريمًا في مقابلته، أكرمه الله، وقدر دار حديث بيننا حول تفسير القرآن، وسألته عن تراثه في التفسير، فأخبرني أنه ليس له إلا ما تقدم من إكماله سورة يوسف عليه الصلاة والسلام، ثم سألته عن القاسمي وتفسيره -فأخذ الرجل يتحدث عن مناقب أستاذه مما زادني إجلالًا له. وكان مما قاله:(رحم الله شيخنا لقد كان علمًا حقًّا، ولقد خلف هذه الآثار العلمية الجمة، مع أن المنية قد أتته مبكرة، قبل أن يبلغ الخمسين بسنين، فقلت له: (أود أن تحدثني عن تفسيره) فلم يزد على نص هذه العبارة: (إن جل تفسيره من منقوله لا من قوله).
منهجه في التفسير:
يبتدئ تفسيره بخطبة يقول فيها: (وإني كنت حركت الهمة، إلى تحصيل ما فيه من الفنون، والاكتحال بإثمد مطالبه لتنوير العيون، فأكببت على النظر فيه، وشغفت بتدبير لآلئ عقوده ودراريه، وتصفحت ما قدر لي من أقوال السابقين، وتعرفت حين درست ما تخلله من الغث والسمين. ورأيت كلًّا بقدر وسعه، حام جول مقاصده، وبمقدار طاقته في ميدان دلائله وشواهده. وبعد أن صرفت في الكشف عن حقائقه شطرًا من عمري، ووقفت على الفحص عن دقائقه قدرًا من دهري، أردت أن أنخرط في سلك مفسريه الأكابر، قبل أن تبلى السرائر وتفنى العناصر، وأكون بخدمته موسومًا، وفي حملته منظومًا. فشحذت كليل العزم، وأيقظت نائم الهمم، واستخرت الله تعالى، في تقرير قواعده وتفسير مقاصده، في كتاب اسمه بعون الله الجليل (محاسن التأويل) أودعه ما صفا من التحقيقات، وأوشحه بمباحث هي المبهمات، وأوضح فيه خزائن الأسرار، وأنقد فيه نتائج الأفكار، وأسوق إليه
فوائد التقطتها من تفاسير السلف الغابر. وفرائد عثرت عليها في غضون الدفاتر، وزوائد استنبطتها بفكري القاصر، مما قادني الدليل إليه، وقوى اعتماده عليه. وسيحمد السابح في لججه، والسائح في حججه، ما أودعته من نفائسه القريبة البرهان، وأوردته من أحاديثه الصحاح والحسان، وبدائعه الباهرة للأذهان، فإنها لباب اللباب ومهتدى أولي الألباب. ولم أطل ذيول الأبحاث بغرائب التدقيقات، بل اخترت حسن الإيجاز في حل المشكلات، اللهم إلا إذا قابلت فرسان مضمار الحق جولة الباطلات، فهنالك أصوب ألسنة البراهين نحو نحور الشبهات
…
هذا وقد حليت طليعته بتمهيد خطير في مصطلح التفسير، وهي قواعد فائقة وفوائد شائقة، جعلتها مفتاحًا لمغلق بابه
…
فدونك أيها الباحث عن مطالب أعلى العلوم
…
التائق لأسنى نتائج الفهوم، المتعطش إلى أحلى موارده، المنقب عن مصادر مقاصده، ينبوعًا لمعاني الفرقان، وعِقدًا ضم درر التبيان، وُقِفَ بك من الطريق السابلة على الظهر وخطب لك عرائس الحكم ثم وهب لك المهر، فقدِّم قدم عزمك، فإذا أنت بحول الله قد وصلت
…
وفارق وهْدَ التقليد راقيًا إلى يفاع الاستبصار، وتسنّم أوج التحقيق في مطالع الأنظار، والبس التقوى شعارًا، والاتصاف بالإنصاف مثارًا، واجعل طلب الحق لك نحلة، والاعتراف لأهله ملة، ولا ترد مشرع العصبيّة، ولا تأنف من الإذعان إذا لاح وجه القضية أنفة ذوي النفوس العصيّة. فذلك مرعى لسُوّامها وبيل، وصدود عن سواء السبيل (1).
ثم يبدأ في تمهيده، الذي يبلغ ثلاثمائة وخمسين صفحة، يضمنه إحدى عشرة قاعدة في أول التفسير:
1 -
قاعدة في أمهات مآخذه.
2 -
قاعدة في معرفة صحيح التفسير، وأصح التفسير عند الاختلاف.
3 -
قاعدة أن غالب ما صح عن السلف من الخلاف يرجع إلى اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد.
(1) تفسير القاسمي (1/ 5، 6).