المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌3 - استشهاده بآراء المتكلمين في آيات العقيدة ومناقشتهم: - التفسير والمفسرون في العصر الحديث - فضل عباس - جـ ٢

[فضل حسن عباس]

فهرس الكتاب

- ‌مقدِّمَة:

- ‌الفصل الأول المدرسة العقلية الاجتماعية

- ‌1 - الإمام الشيخ محمد عبده

- ‌أولًا: موجز عن تاريخ حياة الإمام:

- ‌ثانيًا: العوامل التي أثرت في تكوين شخصيته:

- ‌العامل الأول:

- ‌العامل الثاني:

- ‌العامل الثالث:

- ‌ثالثًا: آراء الشيخ في الإصلاح:

- ‌رابعًا: الشيخ في رأي النقاد:

- ‌1 - علماء الأزهر:

- ‌2 - الأدباء والمفكرون:

- ‌رأيي في الشيخ:

- ‌خامسًا: آثار الشيخ العلمية:

- ‌سادسًا: مدرسته في التفسير:

- ‌سابعًا: منهجه في التفسير:

- ‌1 - نظرته للسورة القرآنية على أنها وحدة كاملة:

- ‌2 - يسر العبارة وسهولة الأسلوب:

- ‌3 - عدم تجاوزه النص في مبهمات القرآن:

- ‌4 - محاربته الإسرائيليات:

- ‌5 - حرصه على بيان هداية القرآن الكريم

- ‌6 - دحضه الشبهات:

- ‌ثامنًا [*]: المدارس التي تأثر بها الشيخ في تفسيره:

- ‌1 - مدرسة التصوف:

- ‌2 - المدرسة السلفية:

- ‌أ- عقيدة السلف:

- ‌ب- محاربته للبدع:

- ‌جـ- محاربته للتقليد والتعصب المذهبي:

- ‌موازنة تستحق التقدير:

- ‌3 - مدرسة المعتزلة:

- ‌أولًا: الصبغة العقلية

- ‌ثانيًا [*]: تأثره بأبي مسلم:

- ‌ثالثًا: مسألة السحر بعامة وسحر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بخاصة:

- ‌4 - الحضارة الأوروبية:

- ‌أ- تأويلاته في قصة آدم:

- ‌مناقشة هذا التأويل:

- ‌ب- إحياء الموتى في تأويلات الإمام:

- ‌جـ- فكرة التطور في تفسير الشيخ:

- ‌د- تأويله لبعض المعجزات وبعض ما خرج عن مألوف الناس:

- ‌1 - خلق عيسى عليه السلام ومعجزاته:

- ‌2 - الاعتقاد بنزول عيسى بن مريم عليهما السلام:

- ‌3 - تأويله لحادثة الفيل:

- ‌تاسعًا: تقويم التفسير:

- ‌2 - صاحب المنار - محمد رشيد رضا

- ‌نشأته العلمية:

- ‌عبادته وتصوفه:

- ‌السفر إلى مصر:

- ‌آثاره ومؤلفاته

- ‌تفسير القرآن الحكيم

- ‌منهجه في التفسير:

- ‌تقويمه لكتب التفسير:

- ‌طريقته في التفسير:

- ‌خصائص تفسير المنار:

- ‌1 - العناية بالتحقيقات اللغوية:

- ‌عنايته بالقضايا البلاغية والإعرابية:

- ‌2 - بيانه لحكمة التشريع ورده لبعض المأثور:

- ‌الفوائد الذاتية للطهارة الحسية:

- ‌نماذج من تفسيره لآيات الأحكام

- ‌1 - مخالفته لأئمة الأمصار وفقهاء المذاهب

- ‌أ - مخالفته في آية الوصية:

- ‌2 - مخالفة الجمهور في معنى الإحصان:

- ‌4 - مخالفته فيما حرم من الأطعمة:

- ‌5 - آيات الرضاع:

- ‌3 - استشهاده بآراء المتكلمين في آيات العقيدة ومناقشتهم:

- ‌4 - ابتعاده عن الخرافات والإسرائيليات ووقوعه فيما هو أخطر منها:

- ‌أ- وضعه مقاييس خاصة للحكم على الحديث:

- ‌ب- ولقد بات سهلًا على الشيخ أن ينكر كل حديث

- ‌جـ - علامات الساعة:

- ‌1 - إشكالاته على أحاديث الدجال وردها:

- ‌2 - رأيه في أحاديث المهدي:

- ‌5 - استقلال الشخصية:

- ‌6 - بيانه لسنن الله في العمران والاجتماع:

- ‌7 - دفاعه عن الإسلام:

- ‌8 - عنفه على مخالفيه في الرأي:

- ‌9 - كثرة التفريعات والاستطرادات:

- ‌تقويم التفسير:

- ‌3 - الشيخ عبد القادر المغربي 1867 - 1956

- ‌1 - حياته:

- ‌عودته:

- ‌في خدمة العلم:

- ‌آثاره العلمية:

- ‌وأشهر مؤلفاته:

- ‌وفاته:

- ‌2 - تأثره بالإمام:

- ‌3 - منهجه في التفسير:

- ‌بروز خصائص المدرسة العقلية في تفسيره:

- ‌4 - الشيخ محمد مصطفى المراغي

- ‌مولده ونشأته

- ‌تأثره بالإمام وآراؤه الإصلاحية:

- ‌تفسيره:

- ‌نماذج من تفسيره:

- ‌تقويم التفسير:

- ‌5 - الشيخ أحمد مصطفى المراغي

- ‌ترجمته

- ‌آثاره العلمية:

- ‌وفاته:

- ‌منهجه في التفسير:

- ‌نماذج من تفسيره

- ‌1 - يقول في تفسيره لآية الكرسي

- ‌المعنى الجملي:

- ‌الإيضاح:

- ‌2 - ويقول في تفسيره لقول الله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ}

- ‌تفسيرات المفردات:

- ‌المعنى الجملي:

- ‌الإيضاح:

- ‌الملحوظات الموضوعية على التفسير:

- ‌1 - نقله عبارة غيره:

- ‌2 - التقاطه كل ما فيه غرابة:

- ‌3 - ولوعه بالحديث عن الأرواح وخطؤه فيها منهجًا وموضوعًا:

- ‌4 - إغراب الأستاذ في التأويل، وتضييقه لنطاق الخوارق ولو كلفه ذلك رد الأحاديث الصحيحة:

- ‌أ- شططه في تأويل آيات استراق السمع والرجم بالشهب:

- ‌ب- تناقض كلام الشيخ في حادثة المعراج:

- ‌جـ- إنكاره انشقاق القمر:

- ‌د- تأرجحه في إدريس عليه السلام:

- ‌هـ- اضطرابه في معرفة ماهية إبليس:

- ‌و- تفسيره للمعارج:

- ‌5 - إكثاره من التفسير العلمي ولو كان بعيد الاحتمال:

- ‌6 - تناقضه وعدم دقته:

- ‌رأينا في التفسير:

- ‌6 - الأستاذ الأكبر الشيخ محمود شلتوت رحمه الله

- ‌تفسير القرآن الكريم

- ‌منهجه في التفسير:

- ‌مدى تأثر الشيخ بغيره من المفسرين:

- ‌آراء الشيخ في بعض مسائل التفسير:

- ‌1 - رأيه في القصص القرآني:

- ‌2 - رأيه في الإيمان بالغيب:

- ‌3 - رأيه في تفسير بعض آيات الأحكام:

- ‌4 - بيانه لحكمة التشريع ودفاعه عن الإسلام، واستنباطه بعض القواعد السياسية والاجتماعية لتدعيم المجتمع الإسلامي:

- ‌رأيي في التفسير:

- ‌7 - (تيسير التفسير) لفضيلة الشيخ عبد الجليل عيسى

- ‌ترجمته:

- ‌طريقة الأستاذ التي اتبعها في تفسيره:

- ‌تأثره بالإمام محمد عبده:

- ‌الفصل الثاني المدرسة العلمية في التفسير

- ‌الجواهر في تفسير القرآن للشيخ طنطاوي جوهري رحمه الله

- ‌أ- حياة الشيخ طنطاوي جوهري:

- ‌ب - الدوافع لهذا التفسير:

- ‌جـ - محتويات التفسير:

- ‌2 - منهجه في التفسير:

- ‌أ- إهابته بالأمة وبخاصة العلماء وتنويهه بتفسيره:

- ‌ب - استشهاده بأقوال علماء الغرب:

- ‌جـ - كثرة الصور في الكتاب:

- ‌د - ولع الشيخ بالحديث عن الأرواح:

- ‌3 - أسلوب الشيخ في التفسير:

- ‌أ - أسلوب القصة:

- ‌ب- أسلوب المحاورة:

- ‌جـ - خصوبة الخيال:

- ‌4 - آراؤه في بعض مسائل التفسير:

- ‌أ - رأي الشيخ في الحروف المقطعة في أوائل السور:

- ‌ب- رأيه في المتشابه:

- ‌جـ - الشيخ والمناسبات بين السور:

- ‌د - رأي الشيخ في السحر وقصة هاروت وماروت:

- ‌هـ - رأيه في يأجوج ومأجوج:

- ‌و- قصة ذي القرنين:

- ‌ز - الشيخ ومبهمات القرآن:

- ‌5 - تساؤلات حول التفسير:

- ‌1 - هل في الجواهر كل شيء إلا التفسير

- ‌أما المدني

- ‌التفسير اللفظي:

- ‌الإيضاح:

- ‌ المثال الثاني المكي، فهو من سورة هود

- ‌2 - هل أخضع القرآن للنظريات الحديثة:

- ‌3 - الربا ولحم الخنزير:

- ‌6 - قيمة تفسير الجواهر:

- ‌1 - التسابيح والتحميد في القرآن لغز الوجود

- ‌2 - تفصيل الكلام على الارتداد وعبادة الأصنام:

- ‌3 - هل الأخلاق الفاسدة وإغواء الشياطين رحمة

- ‌الفصل الثالث المدرسة التربوية الوجدانية

- ‌سيد قطب/ صاحب الظلال

- ‌تعريف بصاحب الظلال

- ‌التعريف بالظلال وفهم صاحبه له:

- ‌منهجه في التفسير:

- ‌الموضوع الأول: ما شارك فيه سيد المفسرين

- ‌1 - المفسر وفواتح السور

- ‌2 - المفسر والآيات العلمية:

- ‌3 - المفسر ومبهمات القرآن:

- ‌4 - المفسر وآيات الأحكام:

- ‌الموضوع الثاني: العقيدة في ظلال الآيات:

- ‌1 - العقيدة في إطارها العام:

- ‌بيانه لأصل العقيدة الإسلامية وأنها الأساس لجميع البشر:

- ‌2 - العقيدة في إطارها الخاص:

- ‌نماذج من تفسيرات العقيدة:

- ‌سيد والمدرسة العقلية:

- ‌تقويم التفسير:

- ‌1 - خصائص عامة في الظلال:

- ‌أولًا: إن أول ما يبدو للقارئ أن التفسير لم يعن صاحبه كثيرًا بالتحليل اللفظي

- ‌ثانيًا: عدم اهتمامه بالخلافات الفقهية:

- ‌ثالثًا: إسهاب المؤلف في كثير من الموضوعات:

- ‌رابعًا: الشدة والعنف في آرائه:

- ‌خامسًا: تأثير أسلوبه الأدبي عليه في بعض ألفاظه وعباراته:

- ‌سادسًا: ميزات الظلال:

- ‌ ميزات التفسير

- ‌ الميزة الأولى: في رأي هي الإيمان بالنص القرآني

- ‌ الميزة الثانية: فهي موقفه من الإسرائيليات فكتابه ليس خاليًا من الإسرائيليات

- ‌الميزة الثالثة: خلو التفسير خلوًا تامًّا من المماحكات اللفظية والتشاد

- ‌الميزة الرابعة: هذه الدعوة الصريحة لتحكيم القرآن

- ‌الميزة الخامسة: عدم مخالفته للمفسرين:

- ‌الجانب الثاني:

- ‌ المتحدثون عن الظلال وصاحبه:

- ‌أولًا: بعض اتهامات ربيع المدخلي لسيد قطب والرد عليها

- ‌ثانيًا: وقفة مع كتاب (في ظلال القرآن، رؤية استشراقية فرنسية) للمؤلف الفرنسي أوليفييه كاريه:

- ‌الخط الأول:

- ‌أولًا: الأمور العامة التي أراد المؤلف تأكيدها وتقويم (الظلال) من خلالها:

- ‌ثانيًا: رَسمَ المؤلف لمنهج سيد قطب في الظلال الخطوط التالية:

- ‌المبحث الأول: جهات التفسير:

- ‌المبحث الثاني: فعل القرآن (ص 62)

- ‌المبحث الثالث: الظروف الاجتماعية في مكة والمدينة:

- ‌المبحث الرابع: القرآن والتاريخ (ص 85):

- ‌المبحث الخامس: القرآن والعلوم الحديثة - قضايا منهجية (ص 94):

- ‌الخط الثاني:

- ‌ثالثًا: حول منهجه في التفسير الموضوعي:

- ‌الفصل الرابع مدرسة الجمهور

- ‌ محاسن التأويل للشيخ محمد جمال الدين القاسمي

- ‌مولده ونشأته:

- ‌ثقافته:

- ‌أفكاره وآثاره:

- ‌ آثاره العلمية

- ‌ محاسن التأويل:

- ‌منهجه في التفسير:

- ‌نماذج من التفسير:

- ‌2 - وفي تفسير قول الله عز وجل: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [

- ‌3 - ويفسر المقسمات بها في سورة التين بقوله:

- ‌ منهجه رحمه الله

- ‌أولًا: عنايته بالقضايا اللغوية:

- ‌ثانيًا: عنايته بالقضايا النحوية:

- ‌ثالثًا: عنايته ببعض القضايا البلاغية:

- ‌عنايته بالقضايا العلمية:

- ‌ملاحظات حول التفسير:

- ‌تقويم التفسير:

- ‌التفسير المنهجي التفسير الوسيط للقرآن الكريم

- ‌الأستاذ الدكتور أحمد الكومي

- ‌منهج هذا التفسير:

- ‌1 - حسن العرض ويسر العبارة:

- ‌2 - شمول المادة وصحتها:

- ‌3 - عدم الاستطراد:

- ‌نماذج من التفسير:

- ‌1 - من سورة الفاتحة:

- ‌2 - تفسير قوله تعالى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [

- ‌3 - الشفاعة:

- ‌4 - حكمة التكرار في آيات القبلة:

- ‌5 - قوله تعالى:

- ‌6 - تفسير سورة الطارق: جاء في تفسيرها:

- ‌7 - سورة الكوثر

- ‌محاسن هذا التفسير:

- ‌1 - الإكثار من الاستشهاد بالحديث النبوي:

- ‌2 - بيانه لبعض القيم والأحكام التي تؤخذ من الآيات:

- ‌3 - نقله أقوال المفسرين:

- ‌من التفاسير التقليدية الموجزة تفسير الأستاذ محمد فريد وجدي

- ‌ترجمة المفسر:

- ‌تفسيره:

- ‌أولًا: مقدمة (صفوة العرفان):

- ‌الدور الأول: دور الفطرة

- ‌الدور الثاني: دور الفلسفة

- ‌الدور الثالث: دور العلم

- ‌الدور الرابع: رجوع الإنسان لدين الفطرة

- ‌نظرة على الأدوار التي تنتاب العقائد:

- ‌الرقي المادي والشكوك في الدين:

- ‌كيف كان العالم قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌الرسل في نظر القرآن:

- ‌الإسلام:

- ‌الأديان في نظر القرآن:

- ‌الناس في نظر القرآن:

- ‌النسخ في القرآن:

- ‌الولاية والكرامة:

- ‌الشفاعة والتوسل في القرآن:

- ‌القضاء والقدر في نظر القرآن:

- ‌النعيم والعذاب الأخرويان:

- ‌جمع القرآن:

- ‌القراءات:

- ‌ثانيًا: منهجه في التفسير:

- ‌الجانب اللغوي في التفسير:

- ‌مسائل علوم القرآن في التفسير:

- ‌ موقفه من الإسرائيليات:

- ‌ موقفه من التفسير الأثري:

- ‌ نقله عمن سبق من المفسرين:

- ‌ موقفه من آيات الأحكام:

- ‌ موقفه من القضايا العقيدة:

- ‌مآخذ على التفسير:

- ‌الشيخ حسنين مخلوف وتفسيره صفوة البيان لمعاني القرآن

- ‌ترجمة موجزة للشيخ حسنين محمد مخلوف

- ‌من مؤلفات الشيخ:

- ‌منهجه في تفسيره:

- ‌خصائص هذا التفسير

- ‌1 - سلفيته في تفسير آيات العقيدة:

- ‌أ- موقفه من آيات الصفات:

- ‌ب- رأيه في الإسراء والمعراج:

- ‌ج- يثبت رؤية الله للمؤمنين يوم القيامة:

- ‌هـ- رأيه في معجزة انشقاق القمر:

- ‌و- عدم تأويله للآيات التي تتحدث عن استماع الجن والرجم بالشهب:

- ‌ز- عقيدته في رفع عيسى عليه السلام ونزوله:

- ‌2 - اعتداله في تفسير آيات الأحكام:

- ‌3 - اهتمامه بالتحقيقات اللغوية:

- ‌4 - اهتمام الشيخ بالقضايا البلاغية:

- ‌4 - استشهاده بالأحاديث النبوية:

- ‌6 - إكثاره النقل عن المفسرين:

- ‌تقويم التفسير:

- ‌الشيخ السعدي وتفسيره

- ‌ طريقة الشيخ السعدي في تفسيره:

- ‌التفاسير الدعوية

- ‌ابن باديس ومنهجه في التفسير

- ‌حياته:

- ‌وفاة الشيخ:

- ‌آثاره العلمية:

- ‌منهج ابن باديس في التفسير:

- ‌نماذج من تفسيره:

- ‌1 - صلاح النفوس وإصلاحها

- ‌ميزان الصلاح:

- ‌تفاوت الصلاح:

- ‌التوبة وشروطها:

- ‌شر العصاة:

- ‌دواء النفوس في التوبة:

- ‌نكتة نحوية:

- ‌تطلب التوبة مهما عظمت الذنوب:

- ‌2 - القَول الحسَنُ:

- ‌اللسان وخطره:

- ‌خطر الكلمة:

- ‌ضرورة الأدب الإسلامي:

- ‌التحذير من كيد العدو الفتان:

- ‌3 - الطور الأخير لكل أمة وعاقبته

- ‌أطوار الأمم:

- ‌الأحكام الشرعية والقدرية:

- ‌4 - الفرقان

- ‌5 - تفسير المعوذتين

- ‌سورة الفلق

- ‌الأعمال الكسبية بين الخير والشر:

- ‌مسؤولية الإنسان:

- ‌سورة الناس

- ‌تقويم التفسير:

- ‌الشيخ حسن البنا ومنهجه في التفسير

- ‌ كلام بعض العلماء في الشيخ حسن البنا:

- ‌ طريقته في التفسير:

- ‌أولًا: نماذج من تفسيره الوعظي الدَّعوي:

- ‌ثانيًا: نماذجُ من تفسيره العلمي المُسهَب:

- ‌ معالم منهج البنا في التفسير:

- ‌1 - حرصُه على ربط الآيات القرآنية بالواقع المعاش:

- ‌2 - تأثُّره بالأستاذ الإِمام وبمدرسة المنار:

- ‌3 - شخصيتهُ البارزة في مناقشة أقوال المفسرين والترجيح بينها:

- ‌4 - رده على الآراء المنحرفة في التفسير:

- ‌5 - عنايتُه بدقائق البلاغة وأسرار التعبير القرآني:

- ‌6 - عنايتُه بالمناسبات القرآنية:

- ‌7 - عنايتُه بالتفسير الموضوعي للآيات والسُّور:

- ‌8 - تناولُه للقضايا العلمية التي تشير إليها الآيات:

- ‌9 - عنايتُه بالقضايا الفقهية مع استطراد أحيانًا:

- ‌10 - موقف الشيخ البنا من الخوارق والمعجزات

- ‌بحث تحليلي لنفس المصلح أو حال النبي صلى الله عليه وسلم قبل البعثة:

- ‌الأستاذ الأكبر الشيخ محمد الخضر حسين رحمه الله

- ‌تفسيره:

- ‌1 - رأيه في تفسير القرآن:

- ‌2 - عمق فهمه لكتاب الله:

- ‌3 - طريقته في التفسير:

- ‌4 - نماذج من تفسير الشيخ:

- ‌1 - تفسير آيات الصوم:

- ‌2 - يقول في تفسيره لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}

- ‌3 - وأحيانًا يكون الغرض من العلم المضاف إلى الله تعالى تذكير المؤمنين بعلم الله

- ‌4 - وفي تفسير قوله تعالى: {وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ} [

- ‌5 - موقفه من بعض المسائل في التفسير

- ‌أ - المحكم والمتشابه في القرآن

- ‌ب - مسائل العقيدة:

- ‌جـ - الشيخ والقصة القرآنية:

- ‌د - الشيخ وآيات الأحكام:

- ‌المراجع

الفصل: ‌3 - استشهاده بآراء المتكلمين في آيات العقيدة ومناقشتهم:

وأقول: يعجبني هذا القول فإنني لا أرى أن هناك قرآنًا نسخت تلاوته وقد بينت هذه القضية مفضلة في كتاب (إتقان البرهان)، فليرجع إليها من شاء.

6 -

يظهر تأثّر الشيخ بابن تيمية رحمه الله، في الأمور الفقهية واضحًا غير خفي في مواضع كثيرة، فإذا استعرضنا تفسيره لآيات الصيام والطلاق والتيمم، وجدناه لا يلتزم بأقوال فقهاء المذاهب فيما قرروه بل ينقل كثيرًا من أقوال ابن تيمية. ففي آخر تفسيره لآيات الصيام يقل فصلًا من كلام شيخ الإسلام رضي الله عنه، فيما يفطر الصائم وما لا يفطر. وعند مسائل الطلاق يأخذ ما عرف عنه وعن تلميذه ابن القيم، وفي مسألة التيمم ينال كعادته ممن يسميهم بالمقلدين، ويذكر فيما يذكر إباحة التيمم للمسافر، ولو وجد الماء، ثم يذكر ما معناها يبين فيها أحكامًا قال خلافها فقهاء المذاهب، ككون التيمم ضربة واحدة، يصلي بها أكثر من وقت، وغير ذلك من الأمور، ولست بصدد المناقشة لمثل هذه الآراء، فهذا ليس محله هنا، ولكن ما أردت إثباته، هو منهج المفسر واتجاهه في آيات الأحكام.

وقد عرضنا في الجزء الأول من هذا الكتاب الذي سميناه "التفسير اتجاهاته وأساسياته" عند حديثنا عن الاتجاه الفقهي جملة من الآراء في القضايا الاجتماعية والسياسية مثل تعدد الزوجات، وصلة المسلمين بغيرهم، وموقف المسلمين من المستعمرين لذا لا حاجة إلى إعادة ما ذكرته هناك فليرجع إليه من شاء.

‌3 - استشهاده بآراء المتكلمين في آيات العقيدة ومناقشتهم:

(وللناس فيما يعشقون مذاهب)

لام الشيخ كثيرًا في مقدمته هؤلاء الذين يمزجون التفسير بأمور خارجة عن روح القرآن، وهي مما يبعد الناس عن هدايته، وإذا أضفنا إلى هذا سلفية الشيخ، فإنه كان من المتوقع ألا يخوض في تفريعات علم الكلام ومسائل المتكلمين. ولكنه يأبى إلا أن يظهر لنا سعة اطلاعه في مختلف فنون العلم وأنواع المعرفة، على أننا

ص: 158

رأيناه يحدثنا عن العقيدة كما يصورها القرآن سهلة ميسرة، مبينًا أن أصول العقيدة ينبغي ألا تؤخذ إلا من النبع الصافي، وهو كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم، ويوازن بين أدلة القرآن في حيويتها ووضوحها، وبين ما تسرب إلينا من الفلسفة اليونانية في جفافها وجمودها وتجريدها عن واقع الناس ومشاعرهم.

يقول في هذا المعنى (1): (أما مسائل العقائد في الإلهيات، فقد فصلت أبلغ تفصيل، بأساليب القرآن العالية الجامعة بين الإقناع والتأثير، كبيان صفات الله في سياق بيان أفعاله وسننه في الخلق والتكوين والتقدير والتدبير وآياته في الأنفس، والآفاق وطبائع الاجتماع، وملكات الأخلاق، وتأثير العقائد في الأعمال وما يترتب عليها في الدارين من الجزاء، وناهيك بإيراد الحقيقة بأسلوب المناظرة والجدال، أو ورودها جوابًا بعد سؤال، أو تجليها في بروز الوقائع وضروب الأمثال. وهذا الأسلوب أعلى الأساليب، وأكملها، جمعًا بين إقناع العقول والتأثير في القلوب، فيقترن اليقين في الإيمان بحب التعظيم وخشوع الخوف والرجاء، وفي أثناء ذلك يذكر شبهات المشركين والكفار، فيكون مَثلُها فيه كقطعة الطين الآسن، تلقى في غدير صاف، يتدفق من صخر على حصاه كالدر، لا تلبث أن تتضاءل وتختفي، ولا تكدر له صفوًا، حتى إنه ليستغني بمجرد بيانه عن وصف قبحها، والحجة على بطلانها، فكيف وهي تقترن غالبًا بالوصف الكاشف لما غشيها من التلبيس، أو يقضى عليها بالبرهان الدامغ، لما فيها من الأباطيل، ولا تغفل عن أسلوب إحالة المخاطبين، على ما أودع في غرائزهم وفطرهم، وتذكيرهم بمعارضته؛ لما ألفوا من تقاليدهم وفساد نظرهم، ولا عن أسلوب إنذار سوء المغبة في العاجلة، وسوء العاقبة والمصير في الآخرة.

أضلت الفلسفة اليونانية علماء الكلام عن هذه الأساليب العليا، فلم يهتدوا بها، ولا اقتدوا بشيء منها، بل طفقوا يلقنون النّشْئ الإسلامي، صفات الله تعالى

(1) تفسير المنار جـ 8 ص 271.

ص: 159

مسرودة سردًا ومعدودة عدًا، معرفة بحدود ناقصة، أو رسوم دارسة، مقرونة بأدلة نظرية وتشكيكات جدلية، لا تثمر إيمان الإذعان، ولا خشية الديان، ولا حب الرحمن بل تثير رواكد الشبهات وتتعارض في إثباتها دلائل النظريات).

يقينًا لا يظن من يقرأ مثل هذا القول، بأن المفسر رحمه الله، يمكن أن يشحن كتابه بمسائل علم الكلام المشوب بالفلسفة، حتى إن كثيرًا من الموضوعات التي تقرأ في هذا الكتاب، يشعر قارئها كأنما يقرأ (مواقف العضد) أو (مقاصد السعد) وما ضارعهما، فلقد بسط الشيخ الكلام في القضاء والقدر، والحسن والقبح، والصلاح والأصلح، والثواب والعقاب، بل نجده كثيرًا ما يحاول أن يتعقب ما قاله العلماء، وإن كان بعيدًا عن موضوع الآية، ليرده، بنقضٍ أو معارضة، وهو في هذا كله شديد الوطأة في حكمه، وبخاصة على الأشاعرة الذين يحلو له أن يسميهم بالجبريين، كما يسميهم المعتزلة، ونظرة في تفسير الشيخ تطلعنا على كثير من هذا، بل على كثير مما لم يدر في خلد أحد أن يقوله الشيخ، ولا بد أن نستعرض نماذج من تفسيره توضح ما ذهبت إليه:

أ- يقول عند تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَال ذَرَّةٍ} [النساء: 40] من سورة النساء (1): (وما أخطأ كثير من العلماء في فهم كثير من الآيات، إلا لذهولهم عن مقارنة الآيات المتناسبة بعضها ببعض، واستبدالهم بذلك تحكيم الاصطلاحات والقواعد التي وضعها علماء مذاهبهم، وإرجاع الآيات إليها وحملها عليها، فهذا يستشكل نفي الظلم عن الله عز وجل، لأن العبيد لا يستحقون عنده شيئًا من الأجر، فيكون منعه أو النقص منه ظلمًا. ثم يجيب عن ذلك بأنه بالنسبة إلى الوعد فهو قد وعد بإثابة المحسن، وأوعد بعقاب المسيء، ثم جعلوا جواز تخلف الوعد أو الوعيد محل بحث وجدال أيضًا، فهذا يقول إن إثابة المحسن، وعقاب المسيء، أمر حسن في ذاته، وموافق

(1) تفسير المنار جـ 5 ص 107.

ص: 160

للحكمة، فهو واجب عليه تعالى، أو واجب في حقه، كما يجب له كل كمال، ويستحيل عليه كل نقص فقام الآخرون يجادلونهم على لفظ (واجب عليه)، ولعلهم قالوا (يجب له)(1)، فحرفوها، ومهما قالوا فالمقصود واحد، وهو إثبات الكمال لله تعالى وتنزيهه عن النقص، وأكثر الجدل الذي أهلك المسلمين، وفرقهم شيعًا وأذاق بعضهم بأس بعض، كان مبنيًا على المشاحَّة في الألفاظ والاصطلاحات. وكتاب الله ودينه، يتبرأ من ذلك وينهى عنه) (2).

ب - وكذلك عند قول الله تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160] من سورة الأنعام، يقول:(ومن المباحث الكلامية في الآية قول الأشعرية (إن الثواب كله بفضل الله تعالى، ولا يستحق أحد من المحسنين منه شيئًا) وقول المعتزلة (إن الثواب هو المنفعة المستحقة على العمل، والتفضل المنفعة غير المستحقة، وإن الثواب يجب أن يكون أعظم من التفضل في الكثرة والشرف، إذ لو جاز العكس أو المساواة، لم يبق في التكليف فائدة، فيكون عبثًا قبيحًا. ومن ثم قال الجبائي وغيره يجب أن تكون (العشرة الأمثال) في جزاء الحسنة تفضلًا، والثواب غيرها وهو أعظم منها، وقال آخرون: يجوز أن يكون أحد العشرة هو الثواب، والتسعة تفضل، بشرط أن يكون الواحد أعظم وأعلى شأنًا من التسعة، ونقول: إن هذه النظريات كلها ضعيفة ولا فائدة فيها، وإذا كان التفضل ما زاد وفضل على أصل الثواب المستحق بوعد الله تعالى وحكمته وعدله، فأي مانع أن يزيد الفرع على الأصل، وهو تابع له، متوقف عليه وإنما كان يكون الثواب حينئذ عبثًا، على تقدير التسليم، لو كان التفضل يحصل بدونه فيستغني به، عنه كما هو واضح) (3).

(1) وهذه تعطينا صورة عن مقدار عدم ثقته بآراء الأشاعرة وموقفهم من المعتزلة.

(2)

تفسير المنار (5/ 107).

(3)

تفسير المنار جـ 8 ص 236.

ص: 161

وبعد هذا التقعيد الذي جعله حلًا لهذه الخلافات، لم يكتف الشيخ بهذا، بل يتعقب الرازي في إشكالات أوردها هذا الأخير وأجاب عليها، ليضعف ما قال، وسأكتفي بواحد منها دون أن أناقشه في تخطئته للرازي ورده عليه. فهذا لا يهمني هنا، وإن كانت مناقشته -في رأيي-، أمرًا لا يسلم له.

قال الشيخ: (وقد أورد الرازي في تفسير الآية إشكالات شرعية، وأجاب عنها أجوبة ضعيفة، قال- الأول: كفر ساعة كيف يوجب عقاب الأبد على نهاية التغليظ (جوابه) أنه كان الكافر على عزم أنه لو عاش أبدًا لبقي على هذا الاعتقاد أبدًا، فلما كان ذلك العزم مؤبدًا، عوقب عقاب الأبد، خلاف المسلم المذنب، فإنه يكون على عزم الإقلاع عن ذلك الذنب، فلا جرم، كانت عقوبته منقطعة.

ونقول في الرد عليه:

أولًا: إننا لا نسلم أن كل كافر يعزم أو يخطر بباله العزم المذكور، ولا سيما من عرضت له عقيدة أو فعلة مما عدوّه كفرًا، ساعة من الزمان ومات عليها. والكفر عند المتكلمين والفقهاء، لا ينحصر في جحود العناد، وربما كان أكثر الكفار يعتقدون أنهم مؤمنون ناجون عند الله تعالى.

ثانيًا: إن كون العقاب الأبدي على العزم المذكور يحتاج إلى نص، والعقل لا يوجبه، بل لا يوجب عند الأشعرية حكمًا ما من أحكام الشرع. وهذا الإشكال لا يرد على ما جرينا عليه هنا، تبعًا لما وضحناه مرارًا، من كون الجزاء على قدر تأثير الاعتقاد والعمل في النفس.

ثالثًا: قد تنصل بعض العلماء من هذا الإشكال، بمثل ما نقلناه في تفسير {خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} [الأنعام: 128]، وهو يرجع إلى قولين:

أحدهما: نفي كون العذاب أبديًّا لا نهاية له.

ص: 162

ثانيهما: تفويض الأمر فيه إلى حكمة الله تعالى وعلمه (1).

جـ - وعند تفسير قوله تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} [الأنعام: 125] من سورة الأنعام، يعقد فصلًا طويلًا يتكلم فيه عن الموضوعات التالية: - منشأ خلاف الفرق في الخلق والتقدير والجبر

التوفيق والخذلان واختيار الإنسان

الرد على المتكلمين كالجبرية والقدرية

مناظرة الأشعري لشيخه الجبائي. رد الرازي على أبي الحسن البصري، تنابز الأشاعرة والمعتزلة بالألقاب، نظريات المتكلمين ومذهب السلف، الوجوب على الله، مذهب المعتزلة في الوجوب وتشويه الأشاعرة له، نقل المخالف مناظرة الأشعري للجبائي، علم الكلام بدعة عند السلف، المذهب الوسط بين القدرية والجبرية، القول الوسط في مسألة الحسن والقبح. مسألة أفعال العباد وأفعال البارى. سؤال العباد ربهم عن أفعاله وأحكامه، ترتب الجزاء على العمل بعدل الله وفضله، رد نظريات في مناظرة الأشعري للجبائي. سنن الله وقدره في الأعمار والأعمال. تضليل متعصبي الفرق بعضهم بعضًا بلازم المذهب.

ثم يقول في آخره: (وجملة القول أن كلا من الفريقين قصد تنزيه الله تعالى عما لا يليق به، ووصفه بالكمال الذي لا يعقل معنى الألوهية والربوبية بدونه، فبالغ بعضهم في الإثبات، وبعضهم في النفي، والوسط بين ذلك، وقول الرازي وأمثاله من غلاة الأشعرية في هذا المقام، أبعد عن الصواب وعن

(1) أطال الشيخ الكلام في هذه المسألة، ونقل كثيرًا عن ابن القيم، وتبعه فيما ارتآه، مع أن الأستاذ أبا زهرة، ذكر في بحث له عن العقيدة في القرآن، كتبه لمجمع البحوث، أن ابن القيم رجع عن قوله هذا في عدم خلود النار. وعجبًا من الشيخ رشيد رحمه الله ينعى على العلماء ما ذكروه من آراء لا تعجبه، ويصفهم بالمقلدين، وها هو يقلد ابن القيم في قوله بعدم خلود أهل النار مع أن إجماع العلماء غير هذا، وما أجمل أن يكون الإنسان متزنًا في حبه وبغضه. نسأل الله أن يمنّ علينا يالسداد في الرأي إن ربي قريب مجيب، إن ربي سميع الدعاء.

ص: 163

مذهب السلف ويمكن أن يستنبط من لوازم رأيهم، مثل ما استنبطوا من رأي خصومهم في التشنيع أو أشد، بل وجد من فعل ذلك، والحق أن هذه ليست لوازم مقصودة لمذهب هؤلاء ولا هؤلاء، والجمهور على أن لازم المذهب ليس بمذهب وإن كان لا يظهر على إطلاقه {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 10] (1). وهذه الكلمات الأخيرة من الشيخ رشيد كلمات طيبة أثابه الله عليها، لكن ليته لم يغال فيما ذهب إليه، وقد نعى على الآخرين أنهم يغالون.

د- وهكذا نجد الشيخ يتعقب كل ما فيه خلاف، ليفيض القول فيه، كأنما في ذلك متعة له، فهو حريص كل الحرص على أن يدلي بدلوه في كل مسألة، وأن يصدع برأيه دون أن يبالي بمخالفيه، فعند قوله تعالى:{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ} [الأنفال: 9]، يذكر آراء العلماء في الجمع بين استغاثة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ووعد الله له بالنصر، فيرد ويعقِّب ويخطِّئ، وعند ذكر الإمداد بالملائكة يرى خلافًا للجمهور، موافقًا (الأصم) الذي نقل عنه، بأن الملائكة لم تقاتل يوم بدر.

على أنني أسجل هنا سعة اطلاع الشيخ كأنَّما هو دائرة معارف، وإنّك لتعجب وأنت تقرأ تفسيره وتحقيقاته في قضايا اللغة والفقه والعقيدة وغيرها.

وما دمنا نتحدث عن مناقشته للمتكلمين فيطيب لي أن أنقل للقارئ الكريم رأيه في أمر البعث، أهو لهذه الأجسام كما هي، أي أيحيي الله هذا الجسم نفسه؟ .

القضية فيها اختلاف بين العلماء، ولقد استوعبها الشيخ، عند تفسيره قوله سبحانه:{وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الأعراف: 57] فعند تفسيره هذه الجملة الأخيرة يطيل النفس

(1) تفسير المنار جـ 8 ص 62.

ص: 164

وهو يتحدث عن البعث وآراء العلماء فيه مبينًا ما يراه، وهو كلام رأيت أن أتحفك به أيها القارئ الكريم مع ما فيه من طول نفس كما قلت، فاصبر على قراءته وأفدِ منه، فإن فيه خيرًا كثيرًا. يقول:

{كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} أي مثل هذا الإخراج لأنواع النبات من الأرض الميتة بإحيائها بالماء نخرج الموتى من البشر وغيرهم. فالقادر على هذا قادر على ذاك. لعلكم تذكرون هذا الشبه فيزول استبعادكم للبعث الذي عبرتم عنه بقولكم: من يحيي العظام وهي رميم؟ أئذا متنا وكنا ترابًا وعظامًا أننا لمبعوثون؟ أننا لمدينون؟ ذلك رجع بعيد. وأمثال هذه الأقوال الدالة على أن إنكاركم لا منشأ له إلا ما تحكمون به بادي الرأي من امتناع خروج الحي من الميت، ذاهلين عن خروج النبات الحي من الأرض الميتة، وعن عدم الفرق بين حياة النبات وحياة الحيوان، في خضوعها لقدرة الرب الخالق لكل شيء، فوجه الشبه في الآية هو إخراج الحي من الميت، والحي في عرفهم يعرف بالنماء والتغذي كالنبات، وبالحس والتحرك والإدراك كالحيوان.

فإن قيل إن العلم قد أثبت أن الحي لا يولد إلا من حي سواء في ذلك النبات والحيوان بأنواعه من أدنى الحشرات إلى أعلاها، فالنباتُ الذي يخرج من الأرض القفراء بعد سقيها بالماء، لا بد أن يكون له بذور أو جذور فيها حياة كامنة لا تظهر من مكمنها إلا بالماء، كما أن البيوض التي يتولد منها الحيوان -أدناها كالصئبان وبذور الديدان، وأوسطها كبيض الطير والحيات، وأعلاها كبيوض الأرحام- كلها ذات حياة لا تنتج إلا بتلقيح ماء الذكور لها؟

قلنا إن هذه الحياة لم تكن معروفة عند واضعي اللغة فهي اصطلاح جديد، وأهل اللغة خوطبوا بعرفهم في الحياة والموت ففهموا، بل إن قول هؤلاء العلماء لا ينفي صحة خروج النبات الحي من الأرض الميتة، فلولا تغذى البذور والجذور بمواد الأرض الميتة بسبب الماء لما نبتت، على أن بعض المتكلمين والمفسرين

ص: 165

قالوا إن الإنسان يبلى كله إلا عجب الذنب، وهو أصل الذنب المسمى بالعصعص، أو رأس العصعص، فهو كنواة النخلة تبقى فيه الحياة كامنة بعد فناء الجسم، وإن الله تعالى ينزل من السماء ماء فينبت الناس من عجب الذنب كما ينبت البقل. فهؤلاء يرون أن ذلك المطر يفعل فيه ما يفعل هذا المطر في الحب والنوى، وليس لهذا القول أصل صريح (1) يعد حجة قطعية في مسألة اعتقادية غير معقولة المعنى كهذه ولكن ورد في الآحاد من حديث أبي هريرة عند الشيخين وغيرهما ما يثبت بقاء عجب الذنب قال صلى الله عليه وسلم (ما بين النفختين أربعون

ويبلى كل شيء من الإنسان إلا عجب الذنب فيه يركب الخلق) هذا لفظ البخاري للمرفوع. وزاد مسلم بعد قوله أربعون (ثم ينزل الله من السماء ماء فينبتون كما ينبت البقل (قال) وليس من الإنسان شيء لا يبلى إلا عظمًا واحدًا وهو عجب الذنب، ومنه يركب الخلق يوم القيامة، وهو غير صريح فيما تقدم، ولكن جاء في تفسيري الثعلبي وابن عطية عن أبي هريرة: أن بين النفختين أربعين عامًا، يرسل الله فيها على الموتى مطرًا كمني الرجال من ماء تحت العرش يسمى ماء الحيوان، فينبتون من قبورهم بذلك المطر، كما ينبت الزرع من الماء ثم ينفخ فيهم الروح عند النفخة الثانية، بالنفخة الأولى لا يصح فيه شيء مرفوع عنه ولا عن غيره، ويعارضه كون الأرض تصير بالنفخة الأولى كما يأتي قريبًا هباء منبثا، وهذا قطعي وهو يعارض المرفوع أيضًا، فإن لم يمكن الجمع بينهما كان ذلك مطعنًا في صحة الحديث.

وقد اختلف العلماء في حديث الشيخين نفسه فأخذ به الجمهور على إطلاقه وإجماله، وأول بعضهم كون عجب الذنب لا يبلى بطول بقائه لا أنه لا يفنى مطلقًا، ذكره الحافظ في شرحه للحديث من الفتح، وفوض بعضهم معناه وسره

(1) يستدرك الشيخ رشيد هنا في الحاشية فيقول:

في الطبعة الأولى أنه ليس له أصل صحيح من الكتاب والسنة وهو سهو غريب منه ونسيان لحديث الشيخين الذي كنا قرأناه مرارًا ولذلك استدركنا عليه بالتفصيل الآتي.

ص: 166

إلى الله تعالى وخالف الإمام المُزني صاحب الشافعي فقال بفنائه كما قال صاحب الجوهرة.

عجب الذنب كالروح لكن صححا

المزني للبلى ورجحا

وإنما يقال لأهل العلم بالنبات وبالحياة النباتية والحيوانية: إنكم تقولون بأن الأرض كانت كرة نارية ملتهبة. وإن الأحياء الأولى وجدت فيها بالتولد الذاتي الذي انقطع بعد ذلك بتسلسل الأحياء، لأن طبيعة الأرض لم تبق مستعدة له كما كانت، وهي قريبة العهد بالتكوين، وقد نطق القرآن الحكيم بأن الأرض تفنى بتفرق مادتها، ثم يعيدها الله كما بدأها، قال تعالى:{إِذَا رُجَّتِ الْأَرْضُ رَجًّا (4) وَبُسَّتِ الْجِبَال بَسًّا (5) فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا} [الواقعة: 4 - 6] فهذه الرجة هي التي سماها في سور أخرى بالقارعة والصاخة، والمعقول أن كوكبًا يقرعها باصطدامه بها فتتفتت جبالها وتكون كالهباء المتفرق في الجو، وهو ما يسمونه بالسديم، وقال تعالى:{كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا} [الأنبياء: 104] والأشبه أن تشبيه الإعادة بالبدء إنما هو بالإجمال دون التفصيل: فكما خلق الله جسد الإنسان الأول خلقًا ذاتيًا مبتدأ، ثم نفخ فيه الروح -يخلق أجساد جميع أفراد الإنسان خلقًا ذاتيًا معادًا، ثم ينفخ فيها أرواحها التي كانت بها أناسي في الحياة الدنيا، لا أنه يجعلها متسلسلة بالتوالد من ذكر وأنثى كالنشأة الأولى، إذ كانت الأجساد كاللباس للأرواح أو السكن لها، وإذا كان الناس قد بلغوا من علم الكيمياء أن يحللوا بعض المواد المركبة من عناصر كثيرة ثم يركبوها، أفيعجز خالق العالم كله أو يستبعد على قدرته أن يعيد أجساد ألوف الألوف مرة واحدة؟ وأي فرق عنده بين القليل والكثير، وهو على كل شيء قدير؟ .

على أنه قد ثبت عند الروحيين من علماء الكون في هذا العصر، وما قبله أن الله تعالى قد أعطى الأرواح المجردة قدرة على التصرف في مادة الكون بالتحليل والتركيب، وإنها بذلك تركب لنفسها من هذه المادة جسمًا لطيفًا أو كثيفًا تحل فيه

ص: 167

وهو ما يسميه علماؤنا بالتشكل، في تفسير مجيء الملك جبريل النبي صلى الله عليه وسلم مرة بشكل أعرابي، وأحيانًا في صورة دحية الكلبي، وتمثله للسيدة مريم -صلوات الله وسلامه عليه- بشرًا سويًّا. وإذا كان الماديون لا يصدقون الروحانيين في هذا، فهم لا يستطيعون أن يقولوا إنه مُحال في نفسه. وإنما قصارى إنكارهم أن قالوا إنه لم يثبت عندنا، وإذا كان ممكنًا غير محال أن يكون مما وهب الخالق للمخلوق أفيكون من المحال أن يفعله الخالق عز وجل من غير أن يجعل للأرواح فيه عملًا؟ .

ليس للكفار شبهة قوية على أصل البعث: وكل ما كان يستبعده المتقدمون من أخبار عالم الغيب قد قربه ترقى العلوم الطبيعية إلى العقول والأفهام. حتى قال بعض كبراء الغرب: ليس في العالم شيء محال. ولكن للمتقدمين والمتأخرين شبهة على حشر الأجساد ترد على ظاهر قول جمهور المسلمين إن كل أحد يحشر بجسده الذي كان عليه في الدنيا أو عند الموت لكي يقع الجزاء بعده على البدن الذي اقترف الأعمال.

وتقرير هذا الإيراد أن هذه الأجساد مركبة من العناصر المؤلفة منها مادة الكون كله، وهي مشتركة، يعرض لها التحليل والتركيب، فتدخل الطائفة منها في عدة أبدان على التعاقب، فمن الإنسان والحيوان ما تأكله الحيتان أو الوحوش، ومنها ما يحرق فيذهب بعض أجزائه في الهواء فيتصل كل بخاري -أو غازي- منها بجنسه كبخار الماء وعنصريه، والكربون، وينحل ما يدفن في الأرض فيها ثم يتغذى بكل منهما النبات الذي يأكله بعضه الناس والأنعام فيكون جزءًا من أجسادها، ويأكل الناس من لحوم الحيتان والأنعام التي تغذت من أجساد الناس بالذات أو بالواسطة، فلا يخلص لشخص معين جسد خاص به، بل ثبت أن الأجساد الحية تنحل وتندثر بالتدريج وكلما انحل بعضها بالتبخر وبموت بعض الدقائق الحية يحل محله غيره من الغذاء بنسبة منتظمة من الدم المتحول بحسب سن الله الذي أحسن كل شيء خلقه، فلا يمر بضع سنين على جسد إلا ويتم اندثاره وتجدده فكيف يمكن أن يقال إن كل إنسان وحيوان يحشر بجسده الذي كان في الدنيا؟

ص: 168

وقد أجاب بعض العلماء عن هذا بان للجسد أجزاء أصلية وأجزاء فضلية، والذي يعاد بعينه هو الأصلي دون الفضلة، وجعل بعضهم الأصلي عبارة عن ذرات صغيرة كعجب الذنب الذي ورد أنه كحبة خردل، بل جوز أن تكون هي التي ورد أن الله تعالى أودعها في صلب آدم أبي البشر بصورة الذر، كما روي في تفسير قوله تعالى:{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالوا بَلَى} [الأعراف: 172]، الآية- وسيأتي تحقيق معناها وما ورد فيها في تفسير هذه السورة -وجوز شيخنا الشيخ حسين الجسر في الرسالة الحميدية أن يكون ذلك الذر مما لا يدركه الطرف؛ لتناهي صغره، كالأحياء المجهرية أي التي لا ترى إلا بالمنظار المسمى بالمجهر (الميكروسكوب).

وقد بينا في غير هذا الموضع أن التزام القول بوجوب حشر الأجساد التي كانت لكل حي بأعيانها لأجل وقوع الجزاء عليها غير لازم لتحقيق العدل، فجميع قضاة العالم المدني في هذا العصر يعتقدون أن أبدان البشر تتجدد في سنين قليلة، ولا يوجد أحد منهم ولا من غيرهم من العقلاء يقول إن العقاب يسقط عن الجاني بانحلال أجزاء بدنه التي زاول بها الجناية وتبدل غيرها بها، فما لم يكن عندنا نص صريح من القرآن أو الحديث المتواتر على بعث الأجساد بأعيانها فما نحن بملزمين قبول الإيراد وتكلف دفعه، فإن حقيقة الإنسان لا تتغير بهذا التبدل فقد تبدلت أجسادنا مرارًا ولم تتبدل بها حقيقتنا ولا مداركنا، ولا تأثير الأعمال التي زاولناها قبل التبدل في أنفسنا، بل لم يكن هذا التبدل إلا كتبدل الثياب كما بيناه من قبل، وقد قال بعض أعلام المتكلمين بمثل هذا ولم تكن المسألة الأخيرة معلومة في عصرهم، قال السعد التفتازاني في شرح المقاصد -وهو أشهر كتب الكلام في التحقيق- بعد بيانه لما قاله الغزالي في إثبات كون الحشر والمعاد للروح والجسد جميعًا ما نصه: (نعم ربما يميل كلامه وكلام كثير من القائلين بالمعادين إلى أن معنى ذلك أن يخلق الله تعالى من الأجزاء المتفرقة لذلك البدن بدنًا، فيعيد إليه نفسه المجردة الباقية بعد خراب البدن ولا يضرنا كونه غير البدن

ص: 169

الأول بحسب الشخص، ولا امتناع إعادة المعدوم بعينه، وما شهدت به النصوص من كون أهل الجنة جردًا مردًا وكون ضرس الكافر مثل جبل أحد يعضد ذلك، وكذا قوله {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا} [النساء: 56]، ولا يبعد أن يكون قوله تعالى {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ} [يس: 81]، إشارة إلى هذا.

(فإن قيل) فعلى هذا يكون المثاب والمعاقب باللذات والآلام الجسمانية غير من عمل الطاعة، وارتكب المعصية (قلنا) العبرة في ذلك بالإدراك، وإنما هو للروح ولو بواسطة الآلات وهو باق بعينه، وكذا الأجزاء الأصلية من البدن ولهذا يقال للشخص من الصبا إلى الشيخوخة إنه هو بعينه وإن تبدلت الصور والهيئات، بل كثير من الآلات والأعضاء ولا يقال لمن جنى في الشباب فعوقب في المشيب إنها عقوبة لغير الجاني.

(قال) (لنا أن المعتمد في إثبات حشر الأجساد دليل السمع، والمفصح عنه غاية الإفصاح من الأديان دين الإسلام، ومن الكتب القرآن، ومن الأنبياء محمد عليه السلام، والمعتزلة يدعون إثباته بل وجوبه بدليل العقل -وتقريره إنه يجب على الله ثواب المطيعين، وعقاب العاصين، وإعراض المستحقين، ولا يتأتى ذلك إلا بإعادتهم بأعيانهم فيجب، لأن ما لا يتأتى الواجب إلا به فهو واجب، وربما يتمسكون بهذا في وجوب الإعادة على تقرير الفناء، ومبناه على أصلهم الفاسد في الوجوب على الله تعالى، وفي كون ترك الجزاء ظلمًا لا يصح صدوره من الله تعالى مع إمكان المناقشة في أن الواجب لا يتم إلا به، وأنه لا يكفي المعاد الروحاني، ويدفعون ذلك بأن المطيع والعاصي هي هذه الجملة أو الأجزاء الأصلية لا الروح وحدها، ولا يصل الجزاء إلى مستحقه إلا بإعادتها.

(والجواب) أنه إن اعتبر الأمر بحسب الحقيقة فالمستحق هو الروح؛ لأن مبنى الطاعة والعصيان على الإدراكات والإرادات والأفعال والحركات، وهو المبدأ للكل، وإن اعتبر بحسب الظاهر، يلزم أن يعاد جميع الأجزاء الكائنة من أول

ص: 170

التكليف إلى الممات ولا يقولون بذلك فالأولى التمسك بدليل السمع.

(وتقريره أن الحشر والإعادة أمر ممكن أخبر به الصادق فيكون واقعًا، أما الإمكان فلأن الكلام فيما عُدم بعد الوجود أو تفرق بعد الاجتماع أو مات بعد الحياة فيكون قابلًا لذلك، والفاعل هو الله القادر على كل الممكنات. العالم بجميع الكليات والجزئيات. وأما الأخبار فلما تواتر عن الأنبياء سيما نبينا عليه السلام أنهم كانوا يقولون بذلك، ولما ورد في القرآن من نصوص لا يحتمل أكثرها التأويل مثل قوله تعالى {قَال مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} [يس: 78 - 83]{فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ} [يس: 51]{فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الإسراء: 51 {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (3) بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ (4)} [القيامة: 3 - 4]{وَقَالوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ} [فصلت: 21]{كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا} [النساء: 56]{يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ} [ق: 44]{أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ} [العاديات: 9] إلى غير ذلك من الآيات ومن الأحاديث أيضًا (وهي) كثيرة بالجملة فإثبات الحشر من ضروريات الدين وإنكاره كفر بيقين.

(فإن قيل) الآيات المشعرة بالمعاد الجسماني ليست أكثر وأظهر من الآيات المشعرة بالتشبيه والجبر والقدر ونحو ذلك، وقد وجب تأويلها قطعًا فلنصرف هذه أيضًا إلى بيان المعاد الروحاني، وأحوال سعادة النفوس وشقاوتها بعد مفارقة الأبدان على وجه يفهمه العوام. فإن الأنبياء مبعوثون إلى كافة الخلائق لإرشادهم إلى سبيل الحق، وتكميل نفوسهم بحسب القوة النظرية والعملية، وتبقية النظام المفضي إلى صلاح الكل، وذلك بالترغيب والترهيب بالوعد والوعيد، والبشارة بما يعتقدونه لذة وكمالًا والإنذار عما يعتقدونه ألمًا ونقصانًا. وأكثرهم عوام تقصر عقولهم عن فهم الكمالات الحقيقية. واللذات العقلية، وتقتصر على ما ألفوه من

ص: 171

اللذات والآلام الحسية، وعرفوه من الكمالات والنقصانات البدنية، فوجب أن تخاطبهم الأنبياء بما هو مثال للمعاد الحقيقي، ترغيبًا وترهيبًا للعوالم، وتميمًا لأمر النظام. وهذا ما قاله أبو نصر الفارابي: إن الكلام مُثُل وخيالات للفلسفة.

(قلنا) إنما يجب التأويل عند تعذر الظاهر، ولا تعذر ههنا، سيما على القول بكون البدن المعاد مثل الأول لا عينه، وما ذكرتم من حمل كلام الأنبياء ونصوص الكتاب على الإشارة إلى مثال معاد النفس، والرعاية لمصلحة العامة، نسبة للأنبياء إلى الكذب فيما يتعلق بالتبليغ، والقصد إلى تضليل أكثر الخلائق، والتعصب طول العمر لترويج الباطل وإخفاء الحق؛ لأنهم لا يفهمون إلا هذه الظواهر التي لا حقيقة لها عندكم. نعم لو قيل إن هذه الظواهر مع إرادتها من الكلام وثبوتها في نفس الأمر، مثل للمعاد الروحاني، واللذات والآلام العقلية، وكذا أكثر ظواهر القرآن على ما يذكره المحققون من علماء الإسلام لكان حقًّا لا ريب فيه، ولا اعتداد بمن ينفيه أ. هـ. كلام التفتازاني.

ومن تأمل هذا من أهل عصرنا تظهر له دقة أفهام هؤلاء المتكلمين الذين صوروا الشبهة بنحو مما يؤخذ من أحدث ما قرره علماء هذا العصر في علم الكيمياء وغيره وأجابوا عنها بما يغني عن جواب آخر، وما قاله الفارابي وأمثاله فهو كأكثر فلسفتهم فيما وراء الطبيعة جهل بحقيقة الإنسان، وضلال في تأويل الأديان، فالإنسان روح الجسد، وكماله بحصول لذاته الروحية والجسدية جميعًا ولا تنافي بنيهما، ولو كان روحانيًا محضًا لكان ملكًا أو شيطانًا، ولم يكن إنسانًا وقد سبق لنا بيان هذه الحقيقة مرارًا.

وأما القول بالأجزاء الأصلية والأجزاء الفضلية فهو لا يدفع الشبهة، ولا تقوم به حجة، وتفسير الأجزاء الأصلية بالذر أو ما يشبهه الذي ورد أن الله جعله في صلب آدم وأخذ عليه الميثاق فهو غير ظاهر في هذا المقام إذ لا يصح أن تكون هذه الجراثيم المشبهة بالذر من أجزاء الجسد الظاهرة التي يعنيها من يقولون بحشر هذه

ص: 172

الأجساد بأعيانها.

ولكن لهذه المسألة وجهًا آخر من النظر العلمي، وهو هل خلق الله للبشر في التكوين الأول جراثيم حية تتسلسل في سلائلهم التناسلية؟ فإن مسألة أصول الأحياء كلها من أخفى مسائل الخلق، والقاعدة المبنية على التجارب والمباحث الكثيرة أن كل حي يوجد في الأرض في حالها هذه فهو من أصل حي كما تقدم، وإن كل أصل من جراثيم الأحياء الحيوانية والنباتية يندمج فيه جميع مقوماته ومشخصاته التي يكون عليها إذا قدر له أن يولد وينمى ويكمل خلقه، فنواة النخلة مشتملة على كل خواص النخلة التي تنبت منها حتى لون بسرها وشكله ودرجة حلاوته عندما يصير رطبًا فتمرًا، ولا يعلم أحد من البشر كيف وجدت هذه الأصول والجراثيم في التكوين الأول، سواء منهم القائلون بخلق الأنواع دفعة واحدة والقائلون بالخلق التدريجي على قاعدة النشوء والارتقاء، إلا أن لهؤلاء نظرية في تصوير التكوين الأول من مادة زلالية مكونة عن عناصر مختلفة لها قوى التغذي والانقسام والتوالد في وقت كانت طبيعة الأرض فيها غير طبيعتها في هذا الزمن وما يشبهه منذ ألوف الألوف من السنين، ولكن كيف صار لما لا يحصى من أنواع النبات والحيوان الدنيا والوسطى والعليا جراثيم مشتملة على ما أشرنا إليه من الخواص والأسرار لا تتولد إلا منها؟ إنهم ليسوا على علم صحيح بهذا ولا بما قبله. {مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ} [الكهف: 51].

أطال شيخنا حسين الجسر رحمه الله تعالى في المسألة فأثبت أنها من الممكنات، إذ لا محال في إبداع الملايين الكثيرة من النسم في ظهر آدم، وقد ثبت عند علماء هذا العصر أن في نقطة الماء من الجراثيم الحية بعدد جميع من على الأرض من البشر، وارتأى أن مستودعها من آدم كان في منيه (وإنها كانت تخرج منه بالوقاع (قال) (فتحل في البزور التي تنفصل من مبيض زوجته، فيكون هياكلها من تلك البزور مع السائل المنوي، ويطورها أطوارًا، حتى تبلغ صورة الهيكل

ص: 173

الإنساني، وأول ذرة من أولاده نقلها إلى بزرتها، نقل معها عدد الذرات التي تكون أولادًا لها، ثم ينقل تلك الذرات في المني الذي ينفصل فيما بعد عن هيكل هذه الذرة الأولى (وهكذا الحال في بقية أولاده وأولادهم، يفعل على تلك الكيفية إلى آخر الدهر

وعند بلوغ كل هيكل إلى حد محدود يرسل الله تعالى الروح فتحل في ذرتها، وتسري فيها وفي هيكلها الحياة والحركة، فكل إنسان هو مجموع الروح والذرة، وهذه الذرة هي الأجزاء الأصلية التي قال بها اتباع محمد صلى الله عليه وسلم، وأنها الباقية مدة العمر، وهي المعادة بإعادة الروح إليها بعد أن تفارقها بالموت، والهيكل هو الأجزاء الفضلية التي تروح وتجيء وتزيد وتنقص، فإذا أراد الله تعالى موت الإنسان فصل عن ذرته الروح ففارقتها الحياة وفارقت الهيكل الذي هو الأجزاء الفضلية وحلمها الموت فيأخذ الهيكل بالانحلال، ويجري عليه من التفرق والدخول في تركيب غيره ما يجري، والذرة محفوظة بين أطباق الثرى، كما تحفظ ذرات الذهب من البلى والانحلال، وإن دخلت في تركيب حيوان، فإنما تدخل في تركيب هيكله الذي هو الأجزاء الفضلية محفوظة غير منحلة. فإذا انحل ذلك الهيكل، عادت محفوظة في أطباق الثرى، ولا تدخل في تركيب الأجزاء الأصلية لذلك الحيوان التي هي حقيقته، غاية ما يطرأ عليها بالموت مفارقة الروح لها، وانحلال هيكلها، وإذا أراد الله تعالى حياتها أعاد الروح إليها، فتعود إليها الحياة وبقية خواصها وإن كان هيكلها منحلًا.

ومن هنا تنحل شبه سؤال القبر ونعيمه وعذابه وأمثال ذلك من أمور البرزخ التي وردت النصوص الشرعية بها، وأنها تكون قبل البعث.

ثم إذا أراد الله تعالى أن يبعث الخلق للحساب، أعاد تكوين هياكل الذرات الإنسانية، التي هي الأجزاء الفضلية، سواء كانت هي الأجزاء السابقة أو غيرها -إذ المدار على عدم تبدل الذرات، وأحل الذرات في تلك الهياكل وبتعلق الروح بها تقوم فيها وفي هياكلها الحياة، ويقوم البشر في النشأة الآخرة كما كانوا في هذه

ص: 174

الدار، وجميع ما تقدم يمكن أن يكون حاصلًا في بقية الحيوانات غير الإنسان في جميع تفصيله).

ثم ضرب للماديين الأمثال المقربة لذلك بأنواع جنة الأحياء الخفية (الميكروبات) وحياتها في الماء وغيره، على كثرتها، بنظام غريب، ودخول المرضية منها في أجساد المرضى وسريانها في دورة الدم، وبالحيوانات المنوية منها في المني الذي ينفصل من الأنثيين ويلقح بذور الأنثى -وقال بعد تلخيص ما قالوه في صفتها وقدرها وحركتها - فأي مانع أن تلك الحيوانات المنوية جعلها الخالق تعالى تحمل ذرات بني آدم التي هي أصغر منها، وتسير بها في السائل المنوي حتى تلقيها في البزور المنفصلة من مبيض الأم؟

ثم علل بهذا كون الإنسان ينتقل من الأب إلى الأم خلافًا لقولهم: إن الإنسان من بزرة أمه وليس لأبيه منه إلا مجرد التلقيح.

ثم ذكر عمل القلب وتعليلهم لحركته المنتظمة، واستظهر أنه هو مركز الذرة الإنسانية، وأنها بحلول الروح فيها تتحرك تلك الحركة المنتظمة التي تنشأ عنها دورة الدم، وبعد إيضاح ذلك قال:

(وخلاصة ما تقدم: أن الإنسان الحقيقي على هذا التقرير هو الذرة التي تحل في القلب، وتحل فيها الروح، فتكسبها الحياة، وتسري الحياة إلى الهيكل، ثم الهيكل إنما هو آلة لقضاء أعمال تلك الذرة في هذا الكون ولاكتساب معارفها بسببه، وتلك الذرة مع الروح الحالة فيها هي المخاطب بالتكليف والمعاد والمنعم والمعذب - إلى آخر ما ورد في حق الإنسان.

(وعلى هذا التقرير نجد أن الشبه التي وردت على ما جاء في الشريعة المحمدية من البعث وسؤال القبر ونعيمه وعذابه وحياة بعض البشر في قبورهم ونحو ذلك سقطت برمتها كما يظهر بالتأمل الصادق والله أعلم).

ثم أورد على هذا أن بعض النصوص صريحة في إعادة الهيكل الإنساني أو بعضه كالعظام -كما تقدم مثله عن السعد- وأجاب بأن هذه النصوص وردت لدفع

ص: 175

إشكالات أخرى كانت تعرض لأفكار أهل الجاهلية في إعادتها، إذ عند ذكر البعث لا تنصرف أفكارهم إلا إلى إعادة هذا الهيكل المشاهد لهم، فيقولون كيف تعود الحياة للعظام بعد أن تصير رميمًا؟ فتدفع هذه النصوص إشكالاتهم بقدرة الله الشاملة وعلمه المحيط (قال): وهذا لا ينافي التوجيه الذي تقدم في إعادة الأجزاء الأصلية التي هي الذرات لتدفع به الإشكالات الأخرى التي تقدمت فليتأمل أ. هـ. ثم صرح بأنه لا يقول إن ما حرره مما يجب اعتقاده، وإنما هو لدفع الإشكال عمن يعرض له.

فهذا ملخص رأيه رحمه الله تعالى وغايته أنه مبني على تأويل بعض الآيات كغيره. وليس فيه إلا محاولة الجمع بين ما ورد في خلق ذرية آدم وقول من قال بالفرق بين الأجزاء الأصلية والفضلية، وهو تكلف لا حاجة إليه ولا يمكن أن يكون المراد بالأجزاء الأصلية لكل فرد ذرة حية في بدنه كالأجنة التي لا تري في الماء والدم وغيرهما بغير المنظار المكبر (المجهر).

نعم إنه يجوز عقلًا أن يحمل الحيوان المنوي الذي يلقح بويضة المرأة في الرحم ذرة حية هي أصل الإنسان، كما يجوز أن يكون هذا الحيوان المنوي نفسه هو الذي ينمى في البويضة ويكون إنسانًا، وأن يكون أصله ما يتولد من ازوداج خليته بخليتها كما سيأتي، وأيها كان أصل الإنسان فإنما يكون كذلك بكبره ونمائه، كما تكون نواه الشجرة شجرة باسقة مثمرة، وبذلك يكون الفرع عين الأصل، فلا يكون له أصل آخر بشكل مصغر في هذا الهيكل، لا في القلب ولا في المني. وإنما قد يكون في هيكله أصل وأصول لأناسي آخرين يكونون فروعًا إذا أراد الله ذلك، كما يكون للنخلة النابتة من النواة نوي كثيرة يمكن أن ينبت منها نخل كثير.

وأما المعروف عند علماء العصر في هذا الشأن فهو أن سر حركة القلب، وإن كان لا يزال مجهولًا، فمن المعلوم أن الدم الوارد منه إلى الخصيتين هو الذي يغذيهما وبتغذيتهما به تنقسم خلاياهما، فتتولد الحيوانات المنوية من انقسامها، وتلك سنة الله في جميع الأحياء، تتغذي وتنمى بالتوالد الذي يكون من انقسام

ص: 176

الخلايا التي تتكون بنيتها منها، ومن غريب صنع الله الذي أتقن كل شيء، أن في كل خلية من خلايا الأجساد الحية نويتين (تصغير نواة) صغيرتين تتولد الخلية الجديدة باقترانهما، فسنة الزواج عامة في أنواع الأحياء وفي دقائق بنية كل منها كما قلنا في المقصورة:

وسنة (1) الزواج في النتاج بل

كل تولد تراه في الدنا

فاجتله في الحيوان ناطقًا

وأعجمًا وفي النبات المجتنى

بل كل ذرة بدت في بنية

زاد بها الحي امتدادًا ونمى (2)

خلية تقرن في غضونها

نويتان فإذا الفرد زكا (3)

والحيوانات المنوية تتولد من الخلايا المبطنة بها الخصية من داخلها، بسبب تغذية الدم لها، ولا مانع من وجود سبب خفي لذلك الدم، كذرات حية، لا ترى في المناظير المكبرة المعروفة الآن، فهم يقولون بأنه لا يبعد أن يوجد مناظير أرقى منها يرى فيها من أنواع هذه الأجنة المسماة بالبكتيريا ما لا يرى الآن.

وهم يقولون إن الحيوان المنوي له خلية واحدة وله رأس وجسم وذنب: ورأسه هو نواة الخلية، وهو سريع الحركة شديد الاضطراب، ويتولد من عهد بلوغ الحلم لا قبله، فإذا وصلت هذه الحيوانات إلى رحم الأنثى مع المني الذي يحمله إليه تبحث بطبيعتها عن البويضة التي فيه، فالذي يعلق بها يدخل رأسه فيها، وهي مثله ذات نواة أو نوية واحدة فيحصل التلقيح باقتران النويتين.

ويقولون إن بويضات النسل تكون في البنت من ابتداء خلقها، فتولد وفيها ألوف منها معدودة لا تزيد، ويظنون أنها تسقط منها في زمن الطفولة، ثم تتكون فيها بويضات النسل بعد البلوغ بسبب دم الحيض، ذلك بأن في داخل الرحم عضوين

(1) سنة مجرورة بالعطف على ما قبلها من ذكر سنن الله في الخلق [تعليق للشيخ رشيد].

(2)

نمى ينمى بوزن رمى أفصح من نما ينمو [تعليق للشيخ رشيد].

(3)

الزكا الزوج والشفع [تعليق للشيخ رشيد].

ص: 177

مصمتين يشبهان خصيتي الرجل يسميان المبيضين؛ لأن في داخلهما بويضات دقيقة جدًّا لا ترى إلا بالمناظير المكبرة تكون في حويصلات يقترب بعضها من سطح المبيض رويدًا رويدًا حتى ينفجر، فتخرج منه البويضة إلى بوق الرحم، فتكون مستعدة بذلك لتلقيح الحيوان المنوي لها. وأكثرها يضمر بالتدريج إلى أن يضمحل ولا ينفجر. وإنما ينفجر ما ينفجر منها في زمن الحيض، والمعروف أن كل حيضة تفجر حويصلة واحدة، تكون منها بويضة واحدة في الغالب، وأن ذلك يكون بالتناوب بين المبيضين مرة في الأيمن ومرة في الأيسر، وقد اهتدى أحد الأطباء بالتجارب الطويلة إلى أن البويضة التي تكون في المبيض الأيمن يتولد منها الذكر والتي تكون في المبيض الأيسر تتولد منها الأنثى، وإنه متى عرف بوضع المرأة أول ولد لها متى كان حملها يمكن أن يعرف بعد ذلك دور بويضة الذكر ودور بويضة الأنثى في الغالب، ويكون للزوجين كسب واختيار لنوع المولود إن قدره الله لهما. وقد فصلنا هذه المسألة في تفسير {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ} [الأنعام: 59] من سورة الأنعام. وأما التوأمان فسببهما إما انفجار بويضتين فأكثر شذوذًا، وإما اشتمال البويضة الواحدة على نويتين يلقحان معًا، والله أعلم. وقد ذكرنا هذا الاستطراد للاعتبار بقدرة الخالق وسعة علمه ودقائق حكمته بعد توفية مسألة البعث حقها من البحث، وكان المناسب أن يذكر بحث التكوين في سياق خلق آدم في أوائل السورة.

وما نقلته عن الشيخ يدل على سعة علمه وشمول معرفته، وكثرة اطلاعه على ما كتبه الأقدمون والمحدثون، لا في العلوم الدينية فحسب، بل في العلوم الحديثة كذلك، كما يدل على إنصافه للمتكلمين الأقدمين والمحدثين، يدلنا على هذا ما ذكره عن العلامة الثاني سعد الدين التفتازاني، وعن شيخه صاحب الرسالة الحميدية الشيخ حسين الجسر رحمه الله، ويدل ثالثًا على ما منحه الله من فكر ثاقب وتفكير عميق، وقوة عارضة في النقاش والحجاج والأخذ والردّ، رحم الله صاحب المنار وأسكنه الدرجات العلى من الجنة، هدانا الله ومنحنا من عظيم فضله وسعة رحمته إن ربي سميع الدعاء.

ص: 178