الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني المدرسة العلمية في التفسير
وسأتحدث في هذا الفصل عن:
الجواهر في تفسير القرآن للشيخ طنطاوي جوهري رحمه الله
.
أ- حياة الشيخ طنطاوي جوهري:
ورد في كتاب الأعلام للزركلي، (طنطاوي بن جوهري المصري (1) -فاضل، له اشتغال بالتفسير، والعلوم الحديثة، ولد في قرية (عوض الله حجازي) من قرى الشرقية بمصر، وتعلم في الأزهر مدة، ثم في المدارس الحكومية، وعني بدراسة الإنجليزية، ومارس التعليم في بعض المدارس الابتدائية ثم في مدرسة دار العلوم، وألقى محاضرات في الجامعة المصرية، وناصر الحركة الوطنية، فوضع كتابًا في (نهضة الأمة وحياتها)، نشره تباعًا في جريدة اللواء.
وانقطع للتأليف، وصنف كتبًا أشهرها (الجواهر في تفسير القرآن الكريم في 26 جزءًا، نحا فيه منحى خاصًّا، ابتعد في أكثره عن معنى التفسير، وأغرق في سرد أقاصيص وفنون عصرية وأساطير، وجعل لسائر كتبه عناوين ضخامًا، وأكثرها رسائل منها:
جواهر العلوم، النظام والإسلام، التاج المرصّع، نظام العالم والأمم، الأرواح، أين الإنسان، أصل العالم، جمال العالم، الحكماء والحكمة، سوانح الجوهري، ميزان الجواهر في عجائب هذا الكون الباهر، الفرائد الجوهرية في الطرق النحوية،
(1) الأعلام للزركلي جـ 3 ص 333 الطبعة الثانية.
بهجة العلوم في الفلسفة العربية وموازنتها بالعلوم العصرية، وتوفي بالقاهرة سنة 1940 م).
وجاء في تقويم دار العلوم بمناسبة مرور خمسة وسبعين عامًا على تأسيسها، ما كتبه محمد عبد الجواد عن الشيخ طنطاوي، بصفته مدرسًا بدار العلوم، نقتطف منه ما يلي:
(ولد سنة 1870 بكَفْر عوض الله، ونشأ به، وكان يشتغل بالأعمال الزراعية، وتلقى تعليمه الأولى في (الغار) بلد جدته لأمه، وكان مشهورًا بجودة الحفظ والذكاء المفرط، تلقى العلم في الأزهر، فدار العلوم وتخرج منها سنة 1893، ثم عين بعد تخريجه مدرسًا بدمنهور، فدار العلوم، ثم الخديوية، ودرس بالجامعة المصرية، تعلم اللغة الإنجليزية وهو مدرس بالخديوية، وانتفع بها كثيرًا، في تأليفه، كان عالمًا أديبًا فيلسوفًا، ترك من المؤلفات عددًا كبيرًا من الكتب القيمة، وكان عمله لا ينحصر في دائرة محدودة، بل كنت تراه في درسه كالقاموس، وقد طلب للقضاء فلم يقبل، كان رئيسًا لجمعية المواساة الإسلامية بالقاهرة، وتولى رياسة تحرير مجلة (الإخوان المسلمين) مدة، عاش نحو سبعين عامًا صحيح الجسم معافى البدن، قوي الذاكرة، مشرق المحيا، بفضل ما اختطّ من نظام صحي خاص بعد إحالته على المعاش.
عرفته مدرسًا بدار العلوم، فإذا به في درسه كالطائر في قفص، يحاول أن يرد نفسه إلى حدود المنهج الدراسي، فلا يطاوعه علمه ولا يساعده تبحره. كان يقرر المسألة، فيستشهد في شرحه بصغار الهوام والحشرات، ثم يحلق بك في أجواء عالم الفلك والسماوات، فلا يكاد ينتهي من درسه حتى تشعر كأنك قمت برحلة، في طائرة شاهدت بها عالم السماوات، أو طفت البحار في باخرة شاهدت فيها عجائب البحار، أو طوفت بالحقول فتأملت فيها غرائب النبات، أو تنقلت بين السهول والجبال، فأدركت عجائب الكائنات غير الناطقات مع عبارة تستهويك،
وألفاظ لا تملها، وأمثلة من المشاهدات تحسها عادية تمر بك كل يوم، فلا تلقي لها بالًا. ثم يفرغ من ملاحظته، فإذا بك تحسبها مسألة عويصة، فيها من الدروس والحكم ما يستوقفك ويستوحيك الفكر والتأمل والملاحظة والتعليل، فتعلم أنك تعيش في عالم كله دروس، وكله مسائل علمية، وكله يسترعي النظر، وكله يتطلب التأمل والفحص.
هذا هو الشيخ طنطاوي في شرحه المسائل، وفي تقديره الأبحاث العلمية أو تفسير الآيات القرآنية، في دائرة الدرس المحدود المنهج، المحدود الزمن المقيد بعدد من المستمعين.
عرفته أيضًا مؤلفًا يقرأ الإنسان كتابًا من كتبه، فلا يتعثر في لفظه، ولا يستصعب فكره، وكأنه قاص يقص عليك ألذ الحكايات وأغرب الوقائع، صاعدًا هابطًا يجوب بك الآفاق، ويخترق الحجب، ويغور وينجد، ولا تجد صعوبة في كل ذلك، اللهم إلا ما تحس من أنك أمام مشاكل علمية، ونظريات دقيقة ونتائج مدهشة، ما كنت لتدركها لو لم تقرأ هذا الكتاب.
لم تشتهر في الشرق شخصية من المصريين، كما اشتهر الشيخ، فقد كان السائح الشرقي إذا رحل إلى مصر، سأل عن الشيخ في رحلته، كما يسأل الأوروبيون أو الأمريكيون عن الأهرام، فهو معروف في الهند وفارس والصين وأندونيسيا وتركستان، وقد يسمي أهل تركستان مدارسه وجامعاتهم وكتبهم باسمه، فيقولون جامعة طنطاوية ومدارس جوهوية، وعقائد جوهرية، لما يرون فيه من رمز لحجة الإسلام.
لم يكن الشيخ عالمًا كسائر العلماء، بل كان ممتازًا في كل النواحي، فهو عالم ديني إسلامي وطني، وهو عالم اجتماعي عالمي، جامع بين الثقافتين الدينية والحديثة، ومازج المسائل الدينية بالآراء الاجتماعية والسياسية، ها هو حقق الجهاد بعلمه وبرأيه في رفعة شأن الإسلام والانتصار لمبادئه، مظهرًا أنه دين العقل
والتجديد، لا دين التسليم والتقليد، يرمي في كل أحاديثه وتآليفه، إلى التوفيق بين العلم، وما جاء به القرآن، وإلى أن العلم إذا أحسن فهمه، كان أداة صالحة لتفهم روح الدين، كان من أخلص المخلصين لقضية البلاد واستقلالها من فجر النهضة إلى وفاته، فهو أحد قادة النهضة السياسية والدينية، ومن رؤساء الحركة السياسية والاجتماعية فهو في (نهضة الأمة وحياتها) وفي (نظام العالم والأمم، يندد بالدول التي تؤسس وجودها على أسنة الحراب، وأصوات المدافع وتخريب البلاد ودك الحصون، لأنه يتمنى أن تؤسس الدول حياتها على تبادل المنافع والمحبة العامة، ما كان يرى سقراط، وهو بذلك يوافق الرأي الذي يتشدق به بعض الدول، وما تخدع به العالم، من ألفاظ الديمقراطية والمساواة، ويريد أن تكون الجمعية الإنسانية أسرة واحدة، لا يفرق بينها لغة ولا دين).
وقد ترجم (تفسيره المسمى (بالجواهر) إلى اللغة الأردية، فأقبل عليه أهل الهند إقبالًا عظيمًا، هذا وقد ترجم كثير من كتبه إلى اللغات الأوروبية واللغات الشرقية خاصة، هذا وقد كان رحمه الله معجبًا بكتب لورد أقبري في مسرات الحياة وعجائبها، وربما تأثر به فيما كتبه عن ملاذ الحياة وعجائب الكون وجمال الطبيعة) (1).
والذي يظهر لي، أن هناك مؤثرات عديدة، كان لها دور مهم في تكوين شخصية الشيخ، فهو أزهري قبل كل شيء، فهم الإسلام عقيدة وشريعة وألمّ بالعلوم اللغوية، وهو إلى جانب هذا ملمّ بالتصوف، يدرس كتبه ويتأثر برجاله، كما يحدث عن نفسه، حينما اختير مرة من قبل وزير المعارف، ليعين سيدة روسية على دراسة التصوف، وفهم كتبه واصطلاحات القوم، وكان من ضمن تلك الكتب الرسالة القشيرية (2).
(1) محمد عبد الجواد -تقويم دار العلوم- طبعة دار المعارف 1947.
(2)
الجواهر جـ 13.