الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإفرنجي، ونسبتها للشيخ طنطاوي، وإذًا فالشيخ سليم العقيدة ملتزم بحدود الشرع وآدابه خالٍ تفسيره من مثل هذه الأمور.
6 - قيمة تفسير الجواهر:
بعد هذا الشوط الذي سرناه مع الشيخ في تفسيره، نرى لزامًا علينا أن نقوّم هذا التفسير.
مما لا مرية فيه أنه ما من كتاب أعطي حظًّا من البحث، ووجهت له تلك العناية على مدى العصور كالقرآن الكريم، ومع ذلك فهو لا تنقضي عجائبه ولا يشبع منه العلماء، وعلم التفسير من العلوم التي لم تنضج بعد، ولم تحترق كما يقول العلماء، ومما لا مرية فيه كذلك، أن اتصال الأمة الإسلامية -وهي ضعيفة ممزقة- بالحضارة الغربية، جعلها تستحسن وتستملحُ كل حصادها، دون بحث أو تمحيص، فلقد أحس الكثيرون بهزيمة داخلية في أنفسهم، أمام الضغط عليهم من جهة، وتخطيط أعدائهم من جهة أخرى. ولقد نتج عن ذلك أن نفض هؤلاء أيديهم من كل ما يربطهم بتراثهم الخالد. فكانوا أشد عداء للإسلام، وأكثر خطرًا على هذه الأمة من أعدائها أنفسهم. ولكن فئة أخرى ممن حبب الله إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم، وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان وكانوا راشدين، جندوا أنفسهم وأقلامهم وأفكارهم للذب عن حياض الإسلام، ولا سيما كتاب الله العزيز، الذي كان هدفًا لسهام المارقين مستغربين ومستشرقين، وكان كثير من هذه الفئة، يحاولون جاهدين التوفيق بين هذا القرآن وبين حصاد المدنية الأوروبية، وبدافع الإخلاص لعقيدتهم والذب عن كتابهم، ولقد كان مفسرنا رحمه الله في طليعة تلك الفئة الخيرة، وكان موسوعة في علوم الحياة المختلفة، أخذ من كل علم حظًّا وافرًا، فانعكس ذلك كله على تفسيره، فجاء دائرة معارف، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فقد كان تعبيرًا صادقًا عما ذكرناه من محاولة التوفيق.
وعلى رغم أننا لا نشك فيما ينطوي عليه قلب الشيخ طنطاوي رحمه الله، من عقيدة راسخة ونية صادقة وهدفٍ نبيلٍ وغاية شريفة، إلا أن ذلك لا يمنع من إبداء بعض الملاحظات على التفسير، مما نعتقد أنها كانت منزلقات خطيرة:
1 -
وأخطر هذه المنزلقات، ما بثه الشيخ في ثنايا تفسيره من حديث عن تحضير الأرواح، ويا ليته اكتفى بذلك، بل حاول أن يثبت صلة بين القرآن وبين هذا الذي يسميه علمًا، فلقد أسرف الشيخ في ذلك كثيرًا، وما كنا نظن أن مثل الشيخ ثقافة وعلمًا وإيمانًا، يمكن أن تنطلي عليه مثل هذه الخدع الباطلة.
2 -
كذلك يؤخذ على الشيخ، ما يلمحه الإنسان في ثنايا تفسيره من إيمان ببعض أقوال رجال الفكر الغربيين، حتى إنه ليقرن ذكرهم مع القرآن، كما ذكرت في بعض شواهده من قبل.
3 -
كما يؤخذ عليه إكثاره من بث الصور في تفسيره.
4 -
ولقد دهشت كثيرًا وأنا أقرأ للشيخ في الجزء الحادي عشر (1)، بحثًا عن كيفية اتحاد المسلمين، يزعم فيه أن المسلمين على اختلاف بلادهم وفرقهم، إنما فرقهم انحصار عقولهم في علم التوحيد والعلوم الفقهية، وأنهم يمكن أن يتحدوا، إذا درسوا العلوم الحديثة، كعلم التشريح وعلم النفس والنبات والحيوان والكيمياء، وهذه العلوم يمكن أن توحد لا بين المسلمين فحسب، بل بينهم وبين غيرهم من الأمم كذلك، وذلك لأن ما بينهم من خلاف ديني، إنما هو يسير جدًّا، إذا قيس بالعلوم الأخرى التي ذكرها، والتي لا يختلف فيها الناس، ولا أدري كيف نسي المفسر الفاضل، أن هذه الأمة لا يوحد بينها إلا الإسلام، ولا تجمعها إلا العقيدة، ولقد توحدت في يوم لم يكن لديها فيه علم من هذه العلوم، وإنما كانت تملك الإسلام وحده، وكان الإسلام يملك عليها كل شيء، وأن هذه العلوم قد كانت في كثير من الأحيان، سببًا في شقاء
(1) الجواهر جـ 11 ص 142.