الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثالثًا: عنايته ببعض القضايا البلاغية:
يعرض القاسمي رحمه الله تعالى لبعض الجوانب البلاغية التي تتعلق ببعض الآيات الكريمات، وذلك ببيان سر التعبير القرآني في بعض الكلمات والعبارات، والسر في تقديم بعض الألفاظ في موضع وتأخيرها في موضع آخر وغير ذلك.
فعند تفسيره لقوله تعالى: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ} [البقرة: 14] حيث قال: (واعلم أن مساق هذه الآية بخلاف ما سبقت له أول قصة المنافقين، فليس بتكرير؛ لأن تلك في بيان مذهبهم، والترجمة عن نفاقهم وهذه لبيان تباين أحوالهم، وتناقض أقوالهم في أثناء المعاملة والمخاطبة حسب تبيان المخاطبين)(1).
وعند تفسيره لقوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ} [البقرة: 35] يقول:
(وإنما علق النهي بالقربان منها مبالغة في تحريم الأكل، ووجوب اجتنابه، لأن القرب من الشيء يقتضي الألفة، والألفة داعية للمحبة، ومحبة الشيء تعمي وتصم فلا يرى قبيحًا، ولا يسمع نهيًا فيقع، والسبب الداعي إلى الشر منهي عنه، كما أن السبب الموصل إلى الخير مأمور به)(2).
وقال عند تفسيره لقوله تعالى: {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ} [البقرة: 38]: (إنما كرر الأمر بالهبوط للتأكيد والإيذان بتحتم مقتضاه، وتحققه لا محالة، أو لاختلاف المقصود، فإن الأول دل على أن هبوطهم إلى دار بليةٍ يتعادون فيها ولا يخلدون، والثاني أشعر بأنهم أهبطوا للتكليف، فمن اتبع الهدى نجا، ومن ضل هلك)(3).
(1) تفسير القاسمي (2/ 49).
(2)
تفسير القاسمي (2/ 106).
(3)
(2/ 111).
وهو ينقل عن الزمخشري، وأبي السعود وغيرهما، فما نقله عن الزمخشري عند تفسيره لقوله تعالى:{أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالةَ بِالْهُدَى} [البقرة: 16] حيث قال: (قال الزمخشري: فإن قبل: لم عطف بالواو عدم اهتدائهم على انتفاء ربح تجاربهم، ورُتبا معًا بالفاء على اشتراء الضلالة بالهدى؟ وما وجه الجمع بينهما -مع ذلك الترتيب- على أن عدم الاهتداء قد فُهم من استبدال الضلالة بالهدى، فيكون تكرارًا لما مضى؟ قلت: فالجواب أن رأس مال هم هو الهدى، فلما استبدلوا به ما يضادّه -ولا يجامعه أصلًا- انتفى رأس المال بالكلية، وحين لم يبق في أيديهم إلا ذلك الضدّ -أعني الضلالة- وصفوا بانتفاء الربح والخسارة؛ لأن الضالّ في دينه خاسر هالك -وإن أصاب فوائد دنيوية- ولأن من لم يسلم له رأس ماله لم يوصف بالربح، بل بانتفائه؛ فقد أضاعوا سلامة رأس المال بالاستبدال، وترتب على ذلك إضاعة الربح)(1).
ويقول عند قوله تعالى: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ} {آل عمران: 28]. قال: وليّ ومعانيه كثيرة منها المحب والصديق والنصير، قال الزمخشري: نهوا أن يوالوا الكافرين لقرابه بينهم أو صداقة قبل الإسلام أو غير ذلك من الأسباب التي يُتصادق بها ويُتعاشر
…
{وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ} أي ومن يوال الكفرة فليس من ولاية الله في شيء يقع عليه اسم الولاية، يعني أنه منسلخ من ولاية الله رأسًا. وهذا أمر معقول؛ فإن موالاة الوليّ وموالاة عدوه متنافيان قال:
تودّ عدّوي ثم تزعم أنني
…
صديق. ليس النول عنك بعازب
أفاده الزمخشري" (2)
(1) تفسير القاسمي (2/ 53).
(2)
تفسير القاسمي (4/ 822).
وعند قوله تعالى: {بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} [آل عمران: 76] يقول: قال الزمخشري: فهذا عام، يخيل أنه لو وفى أهل الكتاب بعهودهم وتركوا الخاينة لكسبوا محبة الله. قلت: أجل؛ لأنهم إذا وفوا بالعهود، وفوا أول شيء بالعهد الأعظم وهو ما أخذ عليهم في كتابهم من الإيمان برسولٍ مصدق لما معهم، ولو اتقوا الله في ترك الخيانة لاتقوه في ترك الكذب على الله وتحريف كلمة" (1).
وقوله عند تفسيره لقوله تعالى: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ} [آل عمران: 13] فإن قلت: فهذا مناقض لقوله في سورة الأنقال: {وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ} [الأنفال: 44] قلت: قللوا أولًا في أعينهم حتى اجترؤوا عليهم، فلما لاقوهم كثروا في أعينهم حتى غلبوا، فكان التقليل والتكثير في حالين مختلفين
…
كذا في الكشاف، قلت: أو يجاب بأنهم كثروا أولًا في أعينهم ليحصل لهم الرعب والخوف والجزع والهلع ثم لما حصل التصافُّ والتقى الفريقان قلل الله هؤلاء في أعين هؤلاء ليقدم كل منهما على الآخر ليقضي الله أمرًا كان مفعولًا) (2).
والقاسمي رحمه الله تعالى ينبه على بعض الأمور الدقيقة واللطيفة التي تشتمل عليها الآية بعد تفسيرها، فيقول: فائدة أو تنبيهات أو لطيفة.
مثال ذلك قوله عند تفسيره لقوله تعالى: {وَإِذْ قَال رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً} [البقرة: 30]: (تنبيهات في وجوه فوائد من الآية)(3).
وقوله عند تفسيره لقوله تعالى: {ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [آل عمران: 34](4):
(1) تفسير القاسمي (4/ 869).
(2)
تفسير القاسمي (4/ 803).
(3)
تفسير القاسمي (2/ 97)، وانظر (2/ 101)، (2/ 107).
(4)
(4/ 830).