الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رجاء ثواب الآخرة، أو خوف عقابها، فيقول (1):(ومعنى هذا إن كانوا يفقهون، أن من يقصد بعمل الخير والبر، ما أرشد إليه الإسلام من تزكية نفسه وترقية روحه، بحيث تكون راضية مرضية عند رب العالمين -ذي الكمال المطلق الأعلى- وأهلًا لجواره في دار كرامته يكون ناقصًا، وإنما يكون كاملًا إذا خرج عن طبعه، وقصد النفع بعمله لغيره دون نفسه، ودون إرضاء ربه، ومن ذا الذي يجد حقيقة هذا الخير للبشر ويحملهم عليه)؟ .
8 - عنفه على مخالفيه في الرأي:
وحبذا لو أن الشيخ رشيدًا اكتفى بهذا الموقف الرائع المشرف، في دفاعه عن الإسلام، ودحضه كل شبهة يريد أعداؤه أن يلصقوها به، والشدة على الأعداء من أبرز الصفات التي ميز الله بها الصادقين {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}. [الفتح: 29]. لقد كان يأخذ على الشيخ محمد عبده حدته في بعض الأحيان فيقول: (لطالما هدمت الحدة ما بنت الفطنة)(2). وكنا نرجو أن يسير الشيخ على هذا المنهج، وأن يتجنب ما لام عليه غيره، إلا أنه مع كل أسف، تبرز في تفسيره تلك الظاهرة، ظاهرة العنف والحدة على مخالفيه في الرأي، دون أن يشفع لهم علمهم وحسن قصدهم وما عرفوا به من صلاح وتقوى، ولا نكاد نجد فئة سلمت من ملاحقته لها، وتشهيره بها وطعنه عليها، فهو يلاحق المفسرين ليخطئهم في كثير مما ذهبوا إليه، فتارة يصفهم بالتقليد، وتارة يسمهم بعدم فهم ما يقرأون، يبدو هذا واضحًا عند تفسير البسملة في أول الفاتحة، حيث خطأ صاحب (روح المعاني) رحمه الله (3).
ولقد اشتدت ملاحقة الرجل للرازي مثلًا حتى إنه يشنع عليه تفسيره {اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} [الأعراف: 138]، من سورة الأعراف، فيقول: (إن هذا الذي
(1) تفسير المنار جـ 11 ص 218.
(2)
تاريخ الأستاذ الإمام.
(3)
تفسير المنار.
قاله الرازي، من أظهر هفواته الكثيرة بطلانًا، وسببه امتلاء دماغه عفا الله عنه بنظريات الكلام، وجدل الإصلاحات الحادثة، وغفلته عن معنى الإله في أصل اللغة) (1). وكذلك عند تفسيره لقوله تعالى:{وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (132)} [الأنعام: 132] من سورة الأنعام، يقول:(إننا نرى أن نصرح بأن الفخر الرازي عفا الله عنه، قد صرح في تفسيرها بأنها تدل على الجبر، وإننا نذكر عبارته بنصها، ونبين بطلانها حتى لا يغتر بها من ينخدع بلقبه وكبر شهرته (2). وعند تفسير قول الله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} [الأنعام: 141]، من سورة الأنعام يشنع على الرازي بقوله:(فما أضعف دلائل هذا الإمام الشهير، ولا سيما في هذا التفسير الملقب بالكبير)(3).
وقد يلاحق المفسرين جميعًا لتخطيئهم في تفسير آية، كما رأينا ذلك واضحًا عند تفسير قول الله تعالى {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} [هود: 113]، فلقد تتبع تفاسيرهم للركون والظلم، ابتداء من الطبري إلى الشوكاني ثم صديق خان وردها جميعًا.
وإذا كان هذا نصيب المفسرين من صاحب المنار، فإن نصيب الفقهاء وعلماء الكلام والمتصوفة كان أكثر وأكبر، وأشد حدة وأعظم شدة، وأبعد عن النصفة والاعتدال، فالفقهاء عنده ممعنون في التقليد، جامدون عليه، والمتكلمون هم المبتدعون الضارون بآرائهم، الخارجة عن منهج القرآن في الهداية، والمتصوفة هم المشوهون لجمال الإسلام، المميتون لحركته وحيويته، المستغرقون في الدجل والمتخذون أربابًا من دون الله، ذلك كله ليس بحاجة إلى نقل نماذج وكتابة أمثلة، حيث يجده القارئ مبثوثًا في ثنايا التفسير، حتى لو كان بعيدًا كل البعد عن موضوع الآية المفسرة، وقد يصل به الإسفاف عفا الله عنه لإلصاق الرذائل بالعلماء،
(1) المنار 9/ 110.
(2)
المنار 8/ 116.
(3)
المنار 8/ 137.