الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جـ - الشيخ والقصة القرآنية:
يقف الشيخ على قاعدة صلبة، وهو يقرر أننا يجب أن نفهم القصص القرآني على حقيقته. وقد مر معنا رده على القائلين بالتمثيل كالشيخ محمد عبده. أما القائلون بالتخيل كصاحب الفن القصصي، فلقد رد عليهم الشيخ ردًّا مشبعًا مقنعًا.
والذي يهمنا الآن، وما ينبغي أن نقدره للشيخ ونسجل إعجابنا به، ليس حمله القصة على حقيقتها فحسب، وإنما فهمه الدقيق للقصة كذلك. فهو يرى أنه لا تكرار في القصص القرآني، وإنما كل قصة في سورة، فيها من المعاني والحكم ما لا يوجد في سورة أخرى، وسياق السورة وظرفها يحددان موضع العبرة من القصة. فليس من السهل أن يقال: في قصة موسى وفرعون، بل الواجب أن ندرس القصة في كل سورة، ليتبين السياق الذي جاءت من أجله، والعبرة التي هدفت لها والحكمة التي قصدت منها.
ويمثل الشيخ بقصة آدم، ويقول إنها وردت في ست سور في البقرة والأعراف والحجر والإسراء والكهف وطه (1). ففي سورة البقرة وردت القصة في سياق تذكير الناس بنعمة الله، والعجب من أنهم يكفرون به، فكانت القصة تدور على هذا التذكير من جعل آدم خليفة، وتعليمه الأسماء كلها.
وفي سورة الأعراف، وردت هذه القصة في سياق أن الناس قليلًا ما يشكرون الله الذي مكنهم في الأرض، وجعل لهم فيها معايش، ولذلك أسهبت القصة في موقف إبليس من الإنسان.
وفي سورة الحجر وردت القصة في سياق خلق الإنسان من طين والجن من نار، فليست مادة أفضل من مادة، وهذا ما ركزت عليه القصة (2).
(1) لم يذكر الشيخ سورة ص.
(2)
لواء الإسلام العدد السابع السنة الرابعة ص 357 - 540.
أما سورة الإسراء، فقد وردت قصة آدم في سياق فتنة الناس، ولذلك كان الإسهاب فيها، وفي واقعة حسد إبليس وعدائه لآدم ولذريته.
وهكذا يستمر الشيخ في إلقاء تلك الدرر. والحق أن الحاجة ماسة لغواص يخرج هذه الدرر من الآيات الكريمة، لنتبين مواطن العبرة ورفعة الأسلوب وعظمة المنهج القرآني في تربية النفوس.
2 -
وها هو يرد على أولئك الذين يفسرون القصة بعيدًا عن أسلوب القرآن وبلاغته، يقول عند قوله تعالى: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا
…
كَذَلِكَ يُحْيِ اللَّهُ الْمَوْتَى}.
وقد تعاطى تفسير الآية شيخان معاصران، أحدهما كتب في التفسير، والآخر كتب في قصص الأنبياء، وقد ذهبا مذهب التعسف في التأويل.
أما الكاتب في التفسير: فقد جعل آيات (وإذا قتلتم نفسا) من تتمة القصة المبتدأة بالأمر بذبح البقرة كما يقول أهل العلم من السلف، ولكنه يرى أن ذبح البقرة وسيلة عندهم للفصل في الدماء عند التنازع في أمر القتل، لتعرّف الجاني، وقال: "فمن غسل يده وفعل ما رسم لذلك في الشريعة -أي شريعتهم- برى من الدم، ومن لم يفعل تثبت عليه الجناية، ومعنى إحياء الموتى على تفسيره حفظ الدماء التي كانت عرضة لأن تسفك بسبب الخلاف في قتل تلك النفس التي يحييها بمثل هذه الأحكام، وهذا الإحياء على حدّ قوله {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} وقوله:{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} فالإحياء هنا معناه الاستبقاء كما هو المعنى في الآيتين (1).
والمؤلف في قصص الأنبياء قد جعل آيات {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا} قصة مستقلة عن قصة ذبح البقرة المشار إليها بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} وزعم أن قوله تعالى: {فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا} بمعنى اضربوا المتهم ببعض
(1) ولقد مر معنا هذا القول عند حديثنا عن تفسير الشيخ محمد عبده.