الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(وأدمْ قراءة القرآن، وفهم أوامره ونواهيه، ومواعظه وعبره كما كان يُتلى على المؤمنين أيام الوحي، وحاذرْ النظر إلى وجوه التفاسير إلا لفهم لفظ غاب عنك مراد العرب منه أو ارتباط مفرد بآخر خَفَي عليك متصله، ثم اذهب إلى ما يشخصك القرآن إليه، واحمل نفسك على ما يحمل عليه) انتهى.
ولا شك أن من أخذ بهذه الطريقة سيجد أثرها بعد حين في نفسه مَلَكَةً تجعل الفهم من سجيته، ونورًا يستضيء به في دنياه وآخرته إن شاء الله تعالى (1).
وبعد الحديث عن مقدمة الشيخ البنا رحمه الله، وما تضمنته من إشارة إلى منهجه في التفسير، نورد فيما يلي أهم معالم منهجه مشفوعة بنماذج وأمثلة من تفسيره رحمه الله:
1 - حرصُه على ربط الآيات القرآنية بالواقع المعاش:
ويتجلَّى هذا المعلم في تفسير الشيخ كلِّه رحمة الله عليه؛ لأنه تفسير رجل نذر نفسه لهذا الدين، ووهب له كلَّ جهده ووقته دعوة وإرشادًا، وتربية وتوجيهًا، فلا جرم أن يكون تفسيره نابعًا من واقع نفسه، وواقع مجتمعه الذي يعيش فيه، وأن يستلهم من القرآن كلَّ دواء وعلاج للمشكلات والآفات النفسية والاجتماعية والسياسية والثقافية، التي يواجهها مواجهة حقيقية، وينفعل معها انفعالًا واقعيًا. ولذلك كان تفسير الشيخ البنا رحمه الله تفسيرًا مميزًا يحمل طابعه الإيماني، وهمته الوثَّابة إلى إرشاد الناس، وروحه التواقة إلى استنقاذهم من مهاوي الرَّدى! .
وقد يُدرك القاري لما تَقَدَّم من تفسير الشيخ هذه الصفة في منهجه، ونزيده مع ذلك نماذج أخرى ممتعة ومقنعة:
1 -
فسَّر الشيخ البنا رحمه الله قوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ
…
} إلى قوله {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 155 - 157] تفسيرًا بديعًا جميلًا.
(1) مجلة الشهاب - السنة الأولى - العدد 1 في غرة المحرم 1367 هـ / 14 نوفمبر 1947 م.
فقال: يقول المربُّون إن أعظم مظاهر القوة في الإنسان أن يتغلب على ما يحيط به وأن يُخضع الصعاب لإرادته، وإذا وصلت الأمة إلى هذا الحد فلم تتأثر بالحوادث ولم تبال بالعقبات وكان عندها من المناعة الطبيعية ما يحول بينها وبين تسرب الوهن إليها، كانت خليقة بأن ترث الأرض وتسود الدنيا وتُحسن الخلافة في الكون.
والآية الكريمة تشير إلى (التدريبات) الربانية التي تُنشى في الأمة هذه المناعة وتطبعها بطابع القوة الحقيقية وتجعلها أسمى من ظروفها وأقوى مما يحيط بها، ويجمع هذه التمرينات الابتلاء أو الاختبار الذي يبتلي الله به الناس لتصفو به نفوسهم وتتطهر من الأدران أرواحهم ويعتادوا مقاومة الصعاب وتحمل الصدمات، فإنْ صَبَرَ العبد على اختبار الله إياه وشغلته الغاية عن ألم الوسيلة، كانت العاقبة خيرًا وأبدله الله بهذا الصبر قوة في الدنيا وثوابًا في الآخرة وكان مثله كمثل من يصبر على مرارة الدواء أملًا في الشفاء، وإن جزع وتألم أفسد على نفسه العلاج وكان الاختبار وبالًا عليه.
وأساس الصبر على الابتلاء الإيمان بالله والاشتغال بمراقبة عظمته والتسليم لحكمة تصرفه ولهذا ورد في الأثر: (الصبر شطر الإيمان) وفي قول الله تبارك وتعالى: {الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)} [العنكبوت: 1 - 3] ، ومن ذلك ترى أن الاختبار كما يكون تدريبًا على المقاومة يكون دليلًا على الإيمان والتسليم، فإذا صبر العبد وسلَّم كان ذلك دليلًا إيمانه فيرفع الله درجته ويعلي منزلته، وكان الابتلاء وسيلة إلى رفع الدرجات وإعلاء الرتب ونوال الفضل، وربما منعك فأعطاك فمنعك:{إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: 10].
والتمرينات التي ذكرتها الآية الكريمة أنواع منها:
* الخَوف وإنما بدأ القرآن به لأنه غريزة مستقرة في النفس لاصقة بالفؤاد تُولد مع المرء منذ ولد وتتحرك لأدنى مؤثر وتتولد عنها الأوهام والخرافات. فإذا
استطاع الإنسان أن يكبح جماحها وألا يتأثر بمثيراتها خمدت وسكنت وذهب من نفسه ما تولد عنها من الجبن والوهم والخرافة وصار شجاعًا قوى النفس بعد أن كان رعديدًا خائر العزيمة، وبذلك يحسن استعداده النفسي وتكون الصدمات التي تلي هذه الصدمة أقل منها أثرًا وأضعف خطرًا.
* يلي ذلك الجُوع وإنما ثنى به القرآن لأنه أَلَم الجسم فإذا تعود الإنسان مقاومة دواعيه والصبر على حرارته فقد قوى جسمه وصلب عوده وانضمت قوة جسمه بمقاومة الجوع إلى قوة روحه بمقاومة الخوف فكان إنسانًا كاملًا جسمًا وروحًا.
* يأتي بعد هذين التدريب الثالث في قوله تعالى: {وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ} وهو الصبر على مفارقة المألوفات من مظاهر البيئة القريبة إلى الشخص، الحبيبة إلى النفس، وللألفة على القلب سلطان ولها في النفس منزلة، ورحم الله أبا الطيب إذ يقول:
خلقت ألوفًا لو رحلت إلى الصبا
…
لفارقت شيبي موجع القلب باكيًا
هذه المألوفات التي تعُوق الإنسان عن العظائم وتحول بينه وبين الجد في المطالب، يريد القرآن أن يعوِّد الأمة الصبر على مفارقتها وعدم الركون إليها حتى يتحرر الإنسان حرية كاملة وحتى لا يقف شيء من دون وصوله إلى الغاية.
فإذا دَرَبت نفسه الصبر، وقويت روحه بمقاومة الخوف، وقوى جسمه بمقاومة الجوع، وتحرر من أغلال البيئة وقيود المألوفات، تحقق له قوله تعالى:{وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} يبشرهم بحسن الأجر وجزيل الثواب في الدنيا بالمناعة التي تخفف وقع المصائب، وفي الآخرة بالنعيم المقيم.
ولما كان أعظم شيء يساعد على الصبر ويتقوى به الإنسان على مرارة هذه التدريبات اللجوء إلى الله تبارك وتعالى وتذكر الغاية السابقة وتمثل المثل الأعلى: (وقد يهون على المستنجح العمل) لهذا كان أحسن شعار للمبتلى عند الابتلاء أن
يضع مراقبة الله نصب عينيه وأن يهتف من أعماق قلبه مسترجعًا وأن يحقق معنى قوله تعالى: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156)} [البقرة: 156] وفي هذا التركيب العجيب من لطائف اللطائف وعوارف المعارف ما يدِق ويرِقْ وما هو بهذا النظام أليق وأخلق. وحسب الإنسان أن يذكر في صحيح أن لله بدؤه ولله نهايته ليكون لله ما بينهما: {قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} [آل عمران: 154].
أما البشرى فقد أشارت إلى مضمونها الآية الكريمة في قوله تعالى: {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)} [البقرة: 157] سمعها عمر رضي الله عنه فقال: نعم العدلان ونعمت العلاوة.
والصلاة من الله على عبد: الثناء والتشريف والتكريم والرحمة والعفو وإغداق النعم ظاهرة وباطنة.
فالأولى إشارة إلى اللطائف الروحية ولهذا عبر عنها بلفظ الصلاة.
والثانية إشارة إلى اللطائف الحسية ولهذا عبَّر عنها بلفظ الرحمة، ومن جمع الله له هذه الصفات في الدنيا وهذه المنح في الآخرة فقد هدي إلى صراط مستقيم، ولنا في الصبر وثوابه والدوافع إليه كلمات أخرى إن شاء الله (1).
ب - وعند تفسيره لقوله تعالى: {قَالتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15)} [الحجرات: 14، 15] قال الشيخ تحت عنوان (حقيقة الإيمان وآثاره).
"فاعلم -يا أخي- أن الإيمانَ عقيدةٌ قلبيةٌ تخالط القلبَ وتستولي على النفس وتتملكَ الفؤاد فترى المؤمنَ ذاكرًا لعقيدته فانيًا فيها مضحيًا في سبيلها يراها في
(1) جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية -السنة الرابعة - العدد 13 في 18 ربيع الثاني 1355 هـ/ 7 يوليو 1936 م.
حلمه ويقظته وغُدُوه ورَواحه لأنها مَلَكتْ عليه نفسَه واستولت عليه. والناسُ في الإيمان متفاوتون مختلفون، درجات بعضُها فوق بعض، فأنت مُصَدِّقٌ بشيء وسمعت عنه فإذا قرأت عنه بعد ذلك زاد إيمانك به وتصديقك فيه، فإذا رأيت صورته ثبت هذا الإيمان في قلبك، فإذا رأيته رأي العين وفتَّشَت فيه وعرفت ظاهره وخافيه انتهيت إلى درجة من الإيمان لا تقبل شَكًّا ولا يتطرق إليها وَهَنٌ، كذلك إيمان المؤمن بالله تبارك وتعالى تتفاوت درجاته وتتباين منازله.
فمن الناس من يدَّعون الإيمان وهم في هذه الدعوى كاذبون كالذين قال الله فيهم: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9)} [البقرة: 9].
ومنه من يؤمن في الرخاء حتى إذا عَضَّته الشدة بأنيابها انقلب على عقبه وكفر بنعمة ربه كالذين قال الله فيهم: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (11)} [الحج: 11].
ومنهم من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمانُ قلبَه فهو يُظهر كلمة الإيمان وقلبُه منها خواء كأولئك الأعراب الذين عرضت لهم الآية الكريمة.
ومن المؤمنين قوم اطمأنت بالإيمان قلوبهم، وأخبتت له أرواحهم، فهم به سعداء وعليه حريصون أولئك الذين قال الله فيهم:{الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82)} [الأنعام: 82].
وإذا وصل الإيمان إلى مثل هذه الدرجة السامية واحتل من القلب مكانًا رفيعًا أنتج أروع الآثار ولم يكن عاطفة خامدة بل يثور في النفس ثائرةً، فتبدو على الجوارح آثاره أوضح من الصبح وأضوأ من النور وأجلى من غرة النهار، وشرح ذلك يطول وإنما نُلِمُّ من ذلك بطرف ليكون تبصرةً للمؤمن، وتذكرةً للمخدوعين، وحسرةً على المجرمين.
* من آثار الإيمان حُبٌّ يستروح معه المؤمن السعادة الكاملة والنعيم المقيم والله تبارك وتعالى يقول: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة: 165].
* ومن آثار الإيمان سعادة دائمة وراحة قلبية واطمئنان نفسي لا يجد المؤمن معه مَسَّ الشقاء ولو عُذِّب بجميع ما عرف الناس من أنواع العذاب ما سَلمَت له عقيدته واطمأن قلبه
…
كالذي حَدَّثُوا أن بعضهم خاصم زوجته المؤمنة فكان فيما قال لها: والله لأُشقيَنَّك، فابتسمت وقالت: إنك لا تستطيع ذلك، فقال: وَلِمَ؟ فقالت: لأن سعادتي في إيماني، وإيماني في قلبي، وقلبي لا سلطان لأحد عليه، فُسُرِّيَ عنه وَهشَّ لها وابتسم. وهم يقولون إن ذلك مما وقع لعمر بن الخطاب رضي الله عنه مع زوجه أم كلثوم بنت عليّ رضي الله عنهم أجمعين، والله أعلم حيث يجعل رسالته ..
وقد علمت نبأ ذلك الشيخ الذي طال به السجن في سبيل إيمانه، فأخذ تلامذته يُعَزُّونَه ويتلمسون له سبيل النجاة فكان فيما قال لهم:(إن حبسي خلوةٌ، وقتلي شهادةٌ، ونفيي سياحةٌ، وكل ذلُ بأجره، ولو ملأتُ لهم قلعتهم هذه ذهبًا ما كأفاتُهم على ما سَاقُوا إليّ من ثواب الله، وإن جَنَّتي وبُستَاني في صدري).
الله أكبر .. أرأيت يا أخي كيف يُحيلُ الإيمان المصائبَ والنكبات نعمًا سابغات وكيف يُصّيِّرُ الهمومَ الراسيات لذائذَ مُفرحات، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقول ما معناه:"عجبت لأمر المؤمن إن أمره كلَّه خيرٌ إن أصابته النَّعماءُ شكر وإن مسته الضراءُ صبر"
…
وهذا أبو القاسم الجُنَيد يقول: نحن من إيماننا بالله ومعرفتنا إياه في لذة لو عرفها ملوك الدنيا لقاتلونا عليها بالسيوف.
* ومن آثار الإيمان عزةٌ سابغةٌ تجعل المؤمنَ عزيزًا بربه عظيمًا في نفسه لا يرى أحدًا أعز منه إذ يستمد عزته من الله لا من أحد من خلقه وإذ يدوي في نفسه صدى الآية الكريمة: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [البقرة: 257] ،
إلى جانب الآية الكريمة: {الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا (139)} [النساء: 139]، إلى جانب قوله تعالى:{وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [المنافقون: 8].
* ومن آثار الإيمان شجاعة تتضاءل أمامها الجحافل وتنطوى أمام قوتها الجبابرة وتذل لها النكبات والمشاق والصعاب والعقبات: {الَّذِينَ قَال لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران: 174].
* وبعد، فمن آثار الإيمان بعد ما علمت جهادٌ في سبيل الله بالنفس إلى آخر قطرة من دمها وبالمال إلى آخر درهم منه:{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} [التوبة: 111].
ولما كان هذا الأثر الأخير يعتبر النتيجة الطبيعية والعملية للآثار السابقة من الحب والسعادة والعزة والشجاعة ذكره الله تبارك وتعالى ونَوّه به واكتفى بذكره في الآية الكريمة: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15)} [الحجرات: 15].
وأمامك آيات القرآن وأحاديث الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم تجد فيها ما تدهش له من تحصيل حقيقة الإيمان وبيان آثاره وتربية النفوس عليه، فروض نفسك بها حتى تكون من الصادقين.
ج - وفي سياق تفسير قوله تعالى: {وَقَال لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالوتَ مَلِكًا} [البقرة: 135] قال الشيخ رحمه الله: "أيتها الأمة المجاهدة: اختاري الرجال للقيادة، واجعلي الأساس المواهب والرجولة، ودَعَي ما سوى ذلك من المقاييس، واعلمي أنَّ أساس النهضات قوة وعلم أو عقل وجسم يمدُّهما إيمان ثابت، ويقين راسخ، وشعور فيَّاض، فهل أنتم سامعونا؟ ". [مقاصد القرآن الكريم ص 138].