الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ} .
روعي في هذا التعليل قوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} والمعنى: أوجب عليكم إذا أفطرتم لمرض أو سفر عدة أيام أخر، لتكملوا عدة الأيام المفروض عليكم صيامها، فلا يفوتكم الأجر العظيم الذي يعده الله لصائمي الشهر كله.
{وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ} .
تكبير الله: تعظيمه، وهذا التعليل مراعى فيه الإذن للمريض والمسافر في الفطر على وجه الرخصة، ثم بيان كيفية قضائهما للأيام التي أفطرا فيها، والمعنى: أرشدكم إلى التخلص من مشقة الصيام في حال مرض أو سفر، وإلى كيفية القضاء. فجمع لكم على التيسير والحصول على أجر الصيام كاملًا لتعظموه على هذه الهداية.
{وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} .
هذه الجملة واردة موردة التعليل للترخيص وللتيسير بالإذن في الفطر والقضاء من بعد. والشكر في الأصل: تصور النعمة وإظهارها. ويطلق بمعنى الثناء على المحسن بذكر إحسانه، فشكر العبد لله أن يثني عليه بذكر النعمة التي أنعم بها عليه. ومعنى الجملة: يسر لكم أمر الصوم فرخص لكم في الفطر عند توقع مشقة زائدة على العادة. وجعل القضاء عندما ينقطع المرض أو السفر محصلًا للثواب الذي وعده به الصائمون، الذين لم يعرض لهم عذر يبيح لهم الفطر، شرع ذلك لتتلقوه بالشكر الذي هو معدود في أفضل ما تتقربون به إليه.
2 - يقول في تفسيره لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}
من سورة المائدة، يفصل في معنى العقود والتوفية فيقول:
"العقد معناه في اللغة العربية ضم طرف إلى طرف، وربطهما ربطًا محكمًا. يقال عقد الرجل طرفي الحبل أو الحبلين، إذا ربط أحدهما بالآخر. وضده الحل
أي فك هذا الربط. وسمى الإيجاب والقبول عقدًا لأنهما يضمان إرادة المتعاقدين، ويربطان أحدهما بالآخر.
والعقد معناه في استعمال القرآن الارتباط والعقود والعهود والمواثيق والمعاهدات والمحالفات والتعهدات والاتفاقات. والالتزامات، كلها في استعمال القرآن والاصطلاح الشرعي ألفاظ متقاربة المعنى المراد بها الارتباطات سواء أكانت ارتباطات أفراد أو حكومات أو جماعات، وسواء أكانت ارتباطات على عمل أو على غير عمل. والفروق التي يقررها علماء القانون الدولي لهذه الألفاظ لا تعرف في الاصطلاح الشرعي.
والإيفاء بالعقد معناه تنفيذ ما يقتضيه والقيام بما يوجبه وافيًا تامًّا غير منقوص والإيفاء بالعقد والوفاء به والتوفية به ألفاظ مترادفة معناها واحد" (1).
ثم يذكر أنواع العقود فيقول: "قال المحققون من المفسرين: العقود التي أمر الله المؤمنين أن يوفوا بها تشمل أربعة أنواع:
الأول: العقود التي عقدها المؤمن مع ربه بسبب إيمانه. فكل من آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، فقد التزم لله أن يطيعه بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، وإحلال ما أحله وتحريم ما حرمه. فهذا عقد بين المؤمن وربه، وسبب الالتزام فيه إيمانه. وإلى هذا أشار سبحانه بقوله:{وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} [المائدة: 7] وبقوله: {الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ} .
الثالث: العقود التي يعقدها الأفراد بعضهم من بعض.
الرابع: العقود التي تعقدها الحكومة الإسلامية مع غيرها
…
(2).
ويتكلم عن الوفاء بالعقود في ثنايا التفسير فيقول: "وإذا تعارض الإيفاء بعقد من
(1) لواء الإسلام العدد الثاني السنة الخامسة ص 77.
(2)
المرجع السابق ص 78.
هذه الأنواع الأربعة مع الإيفاء بعقد آخر منها، وجب على المؤمن أن يوفي بعقده مع ربه، ولا يجب عليه أن يوفي بعقده مع نفسه أو مع غيره إذا كان إيفاؤه. بعقد منهما يخل بإيفائه بعقد ربه. فإذا حلف على ما فيه مخالفة أمر ربه فليحنث في يمينه، وليوف عقده مع ربه ولا يوف بما حلف عليه، ولهذا ورد في الحديث (من حلف على شيء ورأى غيره خيرًا منه فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه). وإذا عقد عقدًا أو شرط شرطًا يقضي بتحليل محرم أو تحريم حلال أو التزام بباطل شرعًا فعليه أن يوفي بعقده مع ربه ولا يوفي بما يخالفه من عقود وشروط. ولهذا ورد في الحديث "المسلمون عند شروطهم إلا شرطًا أحل حرامًا أو حرم حلالًا".
وقد خاطب الله المخاطبين في أمرهم بالإيفاء بالعقود بوصف الإيمان، يشير إلى أن الإيفاء بالعهود مما يقتضيه الإيمان. وفي هذا حدث على امتثال الأمر والإيفاء بالعقد.
وهذا الذي أشار إليه القرآن، صرح به رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنته إذ عد الوفاء بالعهود من شعائر الإيمان وآيات المؤمن، ففي الحديث (آية المؤمن ثلاث، إذا حدث صدق، وإذا أؤتمن أدى، وإذا وعد وفى) وكما ذكرهم بإيمانهم في بدء هذه السورة إذ أمرهم بالإيفاء بالعقود جملة، ذكرهم بإيمانهم في أمرهم بكل عقد فصله فيها.
ففي تفصيل ما حرمه قال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ
…
} وفي تفصيل التطهير لأداء الصلاة وهي عماد الدين قال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} [المائدة: 6] وفي تفصيل عماد الدنيا وهو الشهادة بالقسط في إقامة حقوق الله قال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ} . فالمقصود بهذا إشعار المؤمنين بأن إيفائهم بالعقود جملة وتفصيلًا هو من مقتضى الإيمان، وأن نكت العهود والإخلال بما تقتضيه العقود لا يتفق والإيمان. فالمؤمن حقًّا يوفي بالتزاماته لربه ولنفسه ولغيره.