الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ب - عدم الالتزام بمذهب فقهي معين، وحملته على التقليد. فهو يصرح دائمًا بسلفيته، عليها يحيا وعليها يموت، وتأثره بابن تيمية وابن القيم لا يخفى على أحد، فلقد كان أكثر من الشيخ محمد عبده في هذا. ولو أنه كان يكتفي ببيان ما يراه في المسألة لكان هذا مقبولًا معقولًا، ولكنه سلك مسلكًا زائدًا على هذا، وهو رده أقوال مخالفيه، واصفًا إياهم بالمقلدين، ولو كانوا أعلامًا منصفين، ولهذا نجد في تفسيره كثيرًا من الآراء التي خالف فيها الجمهور، حتى لقد كان مغاليًا في حديثه عن التقليد والمقلدين، يدلك على هذا ما نقلناه عنه في حديثه عن الشيخ محمد عبده، وقد كان يجمع بين الصلوات، بأن مثل هذا العمل لا يرضي المقلدين، مع أن الجمع بين الصلوات مردود عند أهل السنة على اختلاف مذاهبهم وآرائهم.
جـ - استعانته بما ورد من الأحاديث وآراء السلف في تفسيره لآيات الأحكام، مع رده لبعض ما أجمعت الأمة على صحته أحيانًا.
نماذج من تفسيره لآيات الأحكام
1 - مخالفته لأئمة الأمصار وفقهاء المذاهب
أ - مخالفته في آية الوصية:
عند تفسيره آية الوصية في سورة البقرة، يذكر أقوال العلماء (1) وينقل عن الألوسي رحمه الله، ثم يرد عليه ويختم رده بقوله:(فما هذا الحرص على إثبات نسخها، مع تأكيد الله تعالى إياها، والوعيد على تبديلها، إن هذا إلا تأثير التقليد).
رحم الله صاحب المنار وعفا عنه، ألكي لا يكون الشخص مقلدًا، ينبغي أن يقلد رأيه؟ وإن جمهورًا من الأئمة كأبي حنيفة والشافعي قد قالوا بنسخ هذه الآية الكريمة، أفيعدّ هؤلاء مقلدين؟ وإذا كانوا كذلك، فمن المجتهد؟ ومن الذي قلدوه؟ .
(1) تفسير المنار جـ 2 ص 137 - 140.
ثم يحاول صاحب المنار أن يضعف الحديث (لا وصية لوارث)، بحجة أن الشيخين لم يروياه مسندًا لعدم ثقتهما به، وأن البخاري قد رواه موقوفًا عن ابن عباس رضي الله عنهما، وأنه لا يعقل أن ينسخ القرآن بالحديث، لأن هذا الحديث ربما لم يقله الرسول صلى الله عليه وسلم، أو قاله رأيًا. وعجيب هذا من السيد وأعجب منه أنه رد أحاديث رواها الشيخان أنفسهما، ولكنه صحح أحاديث لم يروياها، كما سنرى، والقول بأن الشيخين لم يخرجاه لعدم ثقتهما به قول مردود، لأن من المعلوم أنهما لم يلتزما بإخراج جميع الصحيح. وأما رواية البخاري له موقوفًا على ابن عباس، فإن الحافظ قال في (الفتح) (1): إن له حكم المرفوع لأنه في تفسيره -أي ابن عباس- إخبار بما كان من الحكم قبل نزول القرآن فيكون في حكم المرفوع بهذا التقرير.
ولكن الشيخ تناسى هذا القول أو أغفله، والأغرب من ذلك قوله (بأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ربما لم يقله أو قاله رأيًا). وهذا غير وارد لأن العلماء جزاهم الله خيرًا، قد بينوا لنا ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم وما لم يقله، والرسول الكريم لا يمكن أن يقول رأيًا في الدين، وعلى التسليم بذلك، فإما أن يقره الوحي أو يرده.
وبعد: فحديث (إن الله قد أعطى لكل ذي حق حقه فلا وصية لوارث)(2) تلقته الأمة بالقبول، وأجمع جمهور الأئمة على صحته. يقول الشافعي رضي الله عنه (3):
(1) فتح الباري جـ 6 ص 302.
(2)
رواه عمرو بن خارجة، وقد أخرج روايته النسائي في السنن في كتاب الوصايا، باب إيطال الوصية للوارث.
وابن ماجة في كتاب لا وصية لوارث حديث (2712).
والترمذي في أبواب الوصايا، باب ما جاء لا وصية لوارث حديث (212).
والإمام أحمد في مسنده (4/ 186، 187، 238، 239). والبيهقي في كتاب الوصايا، باب نسخ الوصية للوالدين والأقربين الوارثين ورواه أبو أمامة، أخرج روايته أبو داود في السنن في كتاب الوصايا باب ما جاء في الوصبة للوارث، حديث (2870)، وابن ماجة حديث (2713)، والترمذي حديث (2120)، قال أبو عيسى: حديث حسن صحيح، وأحمد في مسنده (5/ 257).
(3)
الأم جـ 4 ص 36 مطبعة دار الشعب.