الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لآثرت النساء على الرجال» (1) رواه سعيد بن منصور في سننه والبيهقي بإسناد حسن، وفي رواية للبخاري:«اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم» (2)، ولأن العدل في القسمة والمعاملة مطلوب (3)، وقدحملوا الأمر في هذه الأحاديث على الندب.
وقال الحنابلة، ومحمد من الحنفية: للأب أن يقسم بين أولاده على حسب قسمة الله تعالى في الميراث، فيجعل للذكر مثل حظ الأنثيين؛ لأن الله تعالى قسم بينهم كذلك، وأولى ما اقتدى به: هو قسمة الله، ولأن العطية في الحياة أحد حالي العطية، فيجعل للذكر مثل حظ الأنثيين كحالة الموت، والميراث المترتب عليه. يدل لهذا أن العطية استعجال لما يكون بعد الموت، فينبغي أن تكون على حسبه (4).
أما عن
حكم التسوية في العطية:
فقال جمهور العلماء (5): لا تجب التسوية بل تندب، فإن فضل بعض الورثة صح وكره، وحملوا الأمر بالتسوية في الأحاديث على الندب؛ لأن الإنسان حر التصرف بماله، لوارث وغيره، وكذلك حملوا النهي الثابت في رواية لمسلم بلفظ «أيسرك أن يكونوا لك في البر سواء؟ قال: بلى، قال: فلا إذن» على التنزيه، فالعدل: هو التسوية بين الأولاد.
(1) ورواه الطبراني في الأوسط عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «سووا بين أولادكم في العطية، فلو كنت مفضلاً أحداً لفضلت النساء» وفي إسناده سعيد بن يوسف، وهو ضعيف، وذكر ابن عدي في الكامل أنه لم يرو له أنكر من هذا (راجع التلخيص الحبير: ص260، مجمع الزوائد: 153/ 4).
(2)
أخرجه البخاري ومسلم والموطأ وأبو داود والترمذي والنسائي عن النعمان بن بشير قال: «تصدق علي أبي ببعض ماله، فقالت أمي - عمرة بنت رواحة -: لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلق أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليشهده على صدقتي، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفعلت هذا بولدك كلهم؟ قال: لا. قال: اتقوا الله واعدلوا في أولادكم؟ فرجع أبي، فرد تلك الصدقة» وله روايات أخرى (راجع جامع الأصول: 266/ 12 ومابعدها، التلخيص الحبير: ص260، سبل السلام: 89/ 3).
(3)
تحفة الفقهاء: 274/ 3، الطبعة القديمة، الميزان: 100/ 2، المهذب: 446/ 1. مغني المحتاج: 401/ 2.
(4)
المغني: 604/ 5 ومابعدها، القوانين الفقهية: ص 367، ط فاس، غاية المنتهى: 335/ 2.
(5)
نيل الأوطار: 7/ 6، سبل السلام: 89/ 3، كشاف القناع: 342/ 4 - 345.
وقال جماعة (وهم أحمد والثوري وطاووس وإسحاق وآخرون): تجب التسوية بين الأولاد في العطية أو الهبة، وتبطل العطية مع عدم المساواة، عملاً بظاهر الأمر في الأحاديث، الذي يقتضي الوجوب مثل قوله عليه السلام:«اتقوا الله» وقوله: «اعدلوا بين أولادكم» (1) وقوله: «فلا إذن» وقوله في حالة إعطاء بعض دون بعض: «لا أشهد على جور» .
واختلف هؤلاء في كيفية التسوية، فقيل بأن تكون عطية الذكر والأنثى سواء وهو ظاهر رواية عند النسائي:«ألا سويت بينهم» وعند ابن حبان: «سووا بينهم» وحديث ابن عباس: «سووا بين أولادكم في العطية، فلو كنت مفضلاً أحداً لفضلت النساء» .
وقال الحنابلة: بل التسوية أن يجعل للذكر مثل حظ الأنثيين على حسب التوريث.
وروي عن أحمد: أنه يجوز التفاضل إن كان له سبب، كأن يحتاج الولد لزمانته المرضية أو لعمى، أو لقضاء دينه، أو كثرة عائلته، أو للاشتغال بالعلم، أو نحو ذلك دون الباقين (2).
(1) وهذا الحديث رواه البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير (نيل الأوطار: 6/ 6).
(2)
أصدرت لجنة الفتوى بالأزهر جواباً عن سؤال حول إمكان التمييز بين الورثة، وتضمنت الفتوى ما يلي:
أولاً ـ يجب على الوالدين التسوية بين الأولاد في العطية والهدايا والإنفاق، ما استطاعا إلى ذلك سبيلاً، ولا يجوز الخروج عن هذا الأصل إلا لمبرر يأتي، عملاً بالأحاديث السابقة الآمرة بالتسوية.
ثانياً ـ إذا أنفق أحد الوالدين على أحد الأولاد نفقة ذات قيمة بأن زوجه ودفع له مهر الزوجة، أو أنفق على تعليمه بما أوصله إلى وظيفة ذات غناء، أو جهز إحدى بناته، كان عليه أن يعوض سائر ولده الآخرين بمقدار ما أنفقه على ولده الأول.
ثالثاً ـ يجوز تفضيل بعض الأولاد على بعض لمبرر شرعي، ومن المبررات الشرعية: العاهات المانعة من التكسب كالزمانة، والعمى المانع، والشلل، وكذلك العجز عن التكسب، والاشتغال بالعلم الديني (مجلة الأزهر ـ العدد الثالث من السنة الرابعة عشرة).