الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
احتاجت لدعوى أم لا؛ لأن ولي الأمر مطالب باستيفائها، فلا بد له من تنفيذها، وليس للمجني عليه فيها شأن (1).
وأما إن كان المقذوف والمسروق منه غائباً وقت الاستيفاء فاختلفت فيه مشايخ الحنفية.
فقال بعضهم: يجوز التوكيل؛ لأن عدم الجواز لاحتمال حدوث العفو والصلح، وهنا لا يتأتى ذلك الاحتمال؛ لأن الأمر وصل إلى القاضي، والحق صار لله تعالى وحده، فلو عفا عنه المسروق منه لا يلتفت إليه.
وقال بعضهم وهو الأرجح عند الحنفية: لا يجوز التوكيل بالاستيفاء؛ لأن الحدود تدرأ بالشبهات، وغيبة الموكل شبهة؛ لأنه لو كان حاضراً وقت الاستيفاء وإن لم يملك العفو والصلح إلا أنه إذا كان مقذوفاً قد يصدق القاذف فيما قذفه به، وإذا كان مسروقاً منه فقد يترك الخصومة (أي يسقط ادعاءه)، فلا يجوز استيفاء الحد مع الشبهة.
والنتيجة: أنه لا يصح وقوع الحد بدون حضور الموكل وهو المجني عليه.
وأما
التعازير:
فيجوز التوكيل بإثباتها واستيفائها باتفاق الحنفية وباقي المذاهب (2)، وللوكيل أن يستوفي سواء أكان الموكل غائباً أم حاضراً؛ لأن التعزير حق الشخص، ولا يسقط بالشبهات بخلاف الحدود.
وأما التوكيل باستيفاء
القصاص:
فإن كان الموكل وهو ولي الدم حاضراً جاز، لأنه قد لا يقدر على الاستيفاء، فيحتاج إلى التوكيل، وإن كان غائباً لا
(1) راجع الفقه على المذاهب الأربعة: 232/ 3، الإفصاح لابن هبيرة: ص 208.
(2)
البدائع، المرجع السابق، الشرح الصغير: 503/ 3، روضة الطالبين: 293/ 4، الشرح الكبير مع المغني: 207/ 5.
يجوز، لاحتمال صدور العفو منه عن القاتل إذا كان حاضراً، فلا يجوز استيفاء القصاص مع قيام الشبهة.
هذا هو مذهب الحنفية في الاستيفاء (1)، وخلاصته: أنه لا يجوز التوكيل باستيفاء الحدود والقصاص بدون حضور الموكل وهو المجني عليه وقت الاستيفاء؛ لأنها تدرأ بالشبهات، وشبهة العفو ثابتة حال غيبة الموكل، بخلاف حال حضرته أو وجوده لانتفاء الشبهة.
وقال المالكية: تجوز الوكالة باستيفاء العقوبات في حضرة الموكل وغيبته (2).
وقال الحنابلة في ظاهر المذهب عندهم: تجوز الوكالة باستيفاء الحدود والقصاص في حضرة الموكل وغيبته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اغد يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها، فغدا عليها أنيس، فاعترفت، فأمر بها فرجمت» (3) وأمر النبي صلى الله عليه وسلم برجم ماعز، فرجموه، ووكل عثمان علياً في إقامة حد الشرب على الوليد بن عقبة، ووكل علي الحسن في ذلك، فأبى الحسن، فوكل عبد الله بن جعفر، فأقامه وعلي يعد، ولأن الحاجة قد تدعو إلى التوكيل؛ لأن الإمام لا يمكنه تولي الحد بنفسه.
وقال بعض الحنابلة كالحنفية: لا يجوز استيفاء القصاص وحد القذف في غيبة الموكل؛ لأنه يحتمل أن يعفو الموكل في حال غيبته فيسقط العقاب، وهذا الاحتمال شبهة تمنع الاستيفاء، ولأن العفو مندوب إليه، فإذا حضر احتمل أن يرحم المقتص منه أو القاذف، فيعفو.
(1) المبسوط: 9/ 19، 106، فتح القدير: 104/ 6 ومابعدها، تكملة فتح القدير: 6/ 6 ومابعدها، البدائع: 21/ 6 ومابعدها، رد المحتار على الدر المختار: 218/ 4.
(2)
بداية المجتهد: 297/ 2، الشرح الكبير: 378/ 3.
(3)
تقدم تخريجه في الحدود عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني، رواه الموطأ وأحمد وأصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجه.
إلا أن الرأي الأول هو ظاهر مذهب الحنابلة كما ذكرت؛ لأن ما جاز استيفاؤه في حضرة الموكل جاز في غيبته كالحدود وسائر الحقوق، واحتمال العفو بعيد، والظاهر أنه لو عفا أعلم وكيله بعفوه، والأصل عدم العفو فلا يؤثر (1).
وقال الشافعية: يصح التوكيل في استيفاء عقوبة آدمي كقصاص وحد قذف كسائر الحقوق المالية، بل قد يجب التوكيل في حد القذف، وكذا في حد قطع الطريق، سواء في حضرة الموكل أو في غيبته.
ويصح التوكيل أيضاً للإمام في استيفاء حدود الله تعالى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعث أنيساً لإقامة الحد، وقال:«واغد ياأنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها» وقال عليه الصلاة والسلام في قصة ماعز: «اذهبوا به فارجموه» ووكل عثمان رضي الله عنه علياً كرم الله وجهه ليقيم حد الشرب على الوليد بن عقبة (2). جاء في البخاري أنه صلى الله عليه وسلم وكل في رجم من ثبت زناه. وجلد من ثبت شربه المسكر.
والخلاصة: إن المالكية والشافعية والحنابلة يجيزون استيفاء الحدود والقصاص مع غيبة الخصم، أما الحنفية: فلا يجيزون ذلك إلا بحضور الخصم.
ولا يجوز التوكيل في المعصية أو المحرَّم كالظهار، فلا يوكل من يظاهر عنه زوجته؛ لأنه منكر ومعصية (3). ولا يصح التوكيل في غصب شيء أو سرقته أو ارتكاب جناية؛ لأن حكم المعاصي أو المحرمات مختص بمرتكبها، فيسأل عنها بذاته دون غيره.
(1) المغني: 84/ 5، الإفصاح لابن هبيرة: /208.
(2)
مغني المحتاج: 221/ 2، المهذب: 349/ 1.
(3)
الشرح الصغير: 504/ 3، نهاية المحتاج: 22/ 5.