الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولو باع رطل سكر برطل زعفران ديناً في الذمة: لا يجوز بالاتفاق لوجود أحد وصفي علة ربا الفضل، وهو هنا الوزن المتفق عند الحنفية، ولوجود الطعم عند الشافعية.
أما لو أسلم الدراهم أو الدنانير في زعفران، أو في قطن أو حديد: فإنه يجوز بالاتفاق لانعدام علة الربا: وهي القدر المتفق أو الجنس المتحد. أما المجانسة فغير متحققة كما هو واضح، وأما القدر المتفق فغير متحقق أيضاً؛ لأن وزن الثمن يخالف وزن المثمن، فإن الدراهم توزن بالمثقال، والقطن والحديد والزعفران يوزن بالقبان، فلم يتحقق القدر، فلم توجد العلة، فلا يتحقق الربا.
ولو أسلم نُقرة (1) فضة في نقرة ذهب، أو تبر ذهب في نقرة فضة، أو المصوغ من أحدهما في ذهب أو فضة: لا يجوز بالاتفاق لوجود الوزن المتفق عند الحنفية، فإنهما يوزنان بالمثاقيل (2)، ولوجود الثمنية عند الشافعية، لأنها أصل الأثمان.
2 - في بيع المطعوم بالمطعوم من قدر مختلف:
لو أسلم الحنطة في الزيت: جاز عند الحنفية؛ لأن أحدهما مكيل والآخر موزون، فكانا مختلفين قدراً. وعند الشافعية: لا يجوز لوجود الطعم (3).
ثانياً ـ بعض الخلافات ترجع إلى الخلاف في الجنس وحده: هل هو علة أو لا
؟: سبقت الإشارة إلى أن الجنس وحده يصلح علة لربا النسيئة عند الحنفية؛ لأن
(1) النقرة: هي القطعة المذابة من الفضة أو الذهب.
(2)
المثقال: درهم وثلاثة أسباع الدرهم وهو (24) قيراطاً، ويساوي (80،4 غم).
(3)
انظر البدائع: 186/ 5 وما بعدها.
علة الربا هي الكيل أو الوزن مع اتحاد الجنس، وكل علة ذات وصفين مؤثرين لا تتم العلة إلا بهما، فيكون لكل منهما شبهة العلية، وشبهة العلية تثبت بها شبهة الحكم، أي أن الجنس ركن في العلة، لا مجرد شرط.
وعند الإمام الشافعي: الجنس بانفراده لا يصلح علة لتحريم ربا النسيئة؛ لأن الجنس محل التحريم أو هو شرط فقط في علة الربا، والحكم قد يدور مع الشرط كالرجم مع الإحصان، والسبب فيه: أن العلة هي اسم لوصف مناسب للحكم، فيعلل الحكم بعلة تناسب المقصود منه، وهي الطعم لبقاء الإنسان به، والثمنية لبقاء الأموال التي هي مناط مصالح الناس بها، ولا أثر للجنسية، فجعل شرطاً (1).
ويترتب على ذلك ما يأتي:
لا يجوز إسلاف الجوز في الجوز، والبيض في البيض، والتفاح في التفاح، والحفنة في الحفنة بالاتفاق لوجود الجنس عند الحنفية، ولوجود الطُّعم عند الشافعي.
ولا يجوز إسلاف الثوب الهَرَوي مثلاً في الثوب الهروي عند الحنفية لوجود الجنس. وعند الشافعي: يجوز؛ لأن الجنس عنده لا يكفي وحده لتحريم الربا.
ويجوز أن يسلم ثوباً هروياً في ثوب مَرْوي بالاتفاق، لعدم وجود الجنس عند الحنفية، ولعدم وجود الطعم أو الثمنية عند الشافعية.
ولو أسلم الفلوس في الفلوس لا يجوز عند الحنفية لوجود الجنس. وعند الشافعية: لا يجوز أيضاً لوجود الثمنية.
(1) فتح القدير: 276/ 5، 280، المبسوط: 122/ 12 ومابعدها، مختصر الطحاوي: ص75، المهذب: 271/ 1 ومابعدها.
والسبب في أن الجنس وحده يحرم الربا عند الحنفية، كما في بيع الحيوان بالحيوان نسيئة أي إلى أجل: هو أن عقد البيع يقتضي المساواة في البدلين، ولا مساواة بين المدفوع حالاً، والمدفوع نسيئة؛ لأن العين خير من الدين، والمعجل أكثر قيمة من المؤجل، وهذا المعنى كما هو موجود في المطعومات والأثمان أي (النقود) موجود في غيرهما. يؤكده قوله عليه الصلاة والسلام: «لا ربا
إلا في النسيئة» وقوله صلى الله عليه وسلم: «إنما الربا في النسيئة» (1) والنص مطلق لم يفرق بين المطعوم والأثمان وغيرهما، فيجب القول بتحقيق الربا فيها على الإطلاق (2) لتحقق علة الربا عندهم: وهي اتفاق الجنس.
وقال مالك: لا يجوز بيع الحيوان بالحيوان نسيئة أي إلى أجل فيما تشابهت منافعه كشاة حلوبة بشاة حلوبة إلى أجل. ويجوز فيما اختلفت منافعه، كبيع البعير النجيب ببعيرين للحمولة (3)، وعمدته في حالة المنع سد الذريعة إلى الربا.
أما الشافعية فقالوا: كل ما سوى الذهب والفضة والمأكول والمشروب لا يحرم فيه التفرق قبل التقابض، لما روى عبد الله بن عمرو بن العاص قال: «أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أجهز جيشاً فنفدت الإبل، فأمرني أن آخذ على قلاص (4)
(1) رواه البخاري ومسلم والنسائي، فهو حديث صحيح، وله ألفاظ منها «الربا في النسيئة» وفي رواية «إنما الربا في النسيئة» وفي رواية «لا ربا فيما كان يداً بيد» قال البيهقي: يحتمل أن الراوي اختصره، فيكون النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الربا في صنفين مختلفين: ذهب بفضة، أو تمر بحنطة، فقال «إنما الربا في النسيئة» فأداه الراوي دون ذكر سؤال السائل (راجع جامع الأصول:469/ 1،نصب الراية: 37/ 4).
(2)
البدائع: 187/ 5.
(3)
راجع كتاب «الربا والمعاملات في الإسلام» للسيد رشيد رضا: ص 97، 99، ومقدمته: ص 5 للأستاذ بهجت البيطار، وراجع نظرية الضرورة الشرعية للمؤلف لمعرفة الفرق بين الضرورة والحاجة.
(4)
شرح السير الكبير: 223/ 3، 188/ 4، المبسوط: 95/ 10.
الصدقة، فكنت آخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة» (1).وعن علي كرم الله وجهه أنه باع جملاً إلى أجل بعشرين بعيراً (2). وباع ابن عمر رضي الله عنهما بعيراً بأربعة أبعرة (3) ونحو ذلك كثير (4).
وأصح الروايات الأربع عن الإمام أحمد (5) مثل الشافعية أي جواز بيع الحيوان بجنسه أو بغيره متساوياً ومتفاضلاً، واتفق الأئمة على بيع الحيوان بالحيوان متفاضلاً إذا كان يداً بيد، أي كان البيع حالاً، غير مؤجل.
وبعد: فإن ربا النسيئة الجاهلي محرم لذاته منعاً من إلحاق غبن كبير بأحد الطرفين، نتيجة للتقلبات المفاجئة في أسعار السلع بسبب أو آخر، وللقضاء على استغلال عجز المدين عن وفاء الدين. وربا الفضل محرم سداً للذريعة أي منعاً من التوصل به إلى ربا النسيئة، وما حرم لذاته لا يباح إلا للضرورة كالميتة والدم ولحم الخنزير، وما حرم سداً للذريعة أبيح للحاجة إليه وللمصلحة الراجحة على المفسدة (6)، والمسلم وحده يمكن أن يقدر الضرورة أو الحاجة المحدقة به.
(1) أخرجه أحمد وأبو داود والدارقطني بمعناه والحاكم في المستدرك، وقال: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه، وضعفه بعضهم بمحمد بن إسحاق إلا أن الحافظ ابن حجر قوّى إسناده، ورواه البيهقي في سننه من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (راجع نصب الراية: 47/ 4، نيل الأوطار: 304/ 5، جامع الأصول: 473/ 1).
(2)
رواه الإمام مالك في الموطأ (راجع تنوير الحوالك شرح موطأ مالك: 148/ 2، جامع الأصول: 474/ 1).
(3)
أخرجه الموطأ والبخاري عن عبد الله بن عمر (المرجعان السابقان).
(4)
المهذب: 271/ 1.
(5)
المغني: 11/ 4 ومابعدها.
(6)
راجع كتاب «الربا والمعاملات في الإسلام» للسيد رشيد رضا: ص97، 99، ومقدمته: ص5 للأستاذ بهجت البيطار، وراجع نظرية الضرورة الشرعية للمؤلف لمعرفة الفرق بين الضرورة والحاجة.