الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والوكيل بتقاضي الدين لا يملك أن يوكل غيره؛ لأن الناس يتفاوتون في التقاضي، فقد يتضايق المدين من تقاضي بعض الناس.
3 - الوكيل بقبض الدين:
اختلف أئمة الحنفية في أن الوكيل بقبض الدين، هل يملك الخصومة في إثبات الدين إذا أنكر المدين أو لا؟
فقال أبو حنيفة: يملك الخصومة في إثبات الدين، حتى لو أقيمت عليه البينة على استيفاء الموكل الدين من المدين أو إبرائه المدين عن الدين تقبل البينة. ودليله: أن التوكيل بقبض الدين توكيل بالمبادلة (أي أن يتملك المقبوض بمقابلة ما في ذمة المدين قاصاً) والحقوق في مبادلة المال بالمال تتعلق بالعاقد كما في البيع والإجارة، والوكيل هنا هو العاقد.
ولإيضاح كون قبض الدين يعتبر مبادلة قيل: إن الديون تقضى بأمثالها؛ لأن قبض نفس الدين غير متصور استيفاؤه، لأنه وصف ثابت في ذمة من عليه الدين، فكان استيفاء الدين عبارة عن نوع مبادلة، وهو مبادلة ما يأخذه عيناً بما في ذمة المدين، فأشبهت هذه العملية عملية البيع، وحقوق عقد البيع يمارسها العاقد نفسه، فإذا كان البيع قد تم بواسطة وكيل عن البائع، فإن الوكيل هو المسؤول أمام المشتري عن كل ما يتعلق بالتزامات العقد مثل تسليم المبيع وكونه خالياً من العيوب ونحوهما، كما أنه هو الذي يطالب بتسليم الثمن.
وقال الصاحبان: إن الوكيل بقبض الدين لا يكون وكيلاً بالخصومة؛ لأن القبض هو استيفاء عين الحق، فهو غير الخصومة، وليس كل من يؤتمن على المال يهتدي إلى وجه الخصومة، فلا يكون الرضا بالقبض رضا بالخصومة.
واتفق الحنفية على أن
الوكيل بقبض العين
كالكتاب مثلاً لا يملك الخصومة، لأنه أمين محض حيث لا مبادلة هنا، لكونه وكيلاً بقبض عين حق الموكل،
والقبض ليس بمبادلة، فأشبه الرسول. وعلى هذا إذا وكل إنسان غيره بقبض كتاب له من شخص آخر، فأقام من بيده الكتاب بينة على أن الموكل باعه إياه، وقف الأمر حتى يحضر الموكل.
واتفقوا أيضاً على أن الوكيل بملازمة المدين ليحمله على وفاء الدين: لا يملك قبض الدين ولا الخصومة فيه.
وكذلك اتفق أئمة الحنفية الثلاثة على أن الوكيل بالخصومة وكيل بالقبض؛ لأن من ملك شيئاً ملك تمامه، وتمام الخصومة بالقبض. وقال زفر: ليس وكيلاً بالقبض لأن الموكل رضي بخصومته والقبض غير الخصومة، ولم يرض به. والفتوى على قول زفر، لظهور الخيانة في الوكلاء، وقد يؤتمن على الخصومة من لا يؤتمن على المال.
أما الوكيل بطلب الشفعة أو بالرد بالعيب أو بالقسمة فإنه يملك الخصومة بالاتفاق أيضاً؛ لأن الوكيل بأخذ الشفعة وكيل بالمبادلة؛ لأن الأخذ بالشفعة بمنزلة الشراء، وكذا الرد بالعيب والقسمة فيهما معنى المبادلة، فكانت الخصومة فيها من حقوقها (1).
وقال الشافعية والحنابلة: إن الوكيل بقبض الدين أو العين يكون وكيلاً بالخصومة في إثباته في أحد الوجهين؛ لأنه لا يتوصل إلى القبض إلا بالإثبات، فكان إذناً فيه عرفاً، ولأن القبض لا يتم إلا به. وفي وجه آخر لا يكون وكيلاً بالخصومة؛ لأن الإذن بالقبض ليس بإذن في الإثبات لا نطقاً ولا عرفاً؛ لأنه ليس
(1) المبسوط: 17/ 19، البدائع: 25/ 6، تكملة فتح القدير: 99/ 6 - 102، رد المحتار: 429/ 4، الكتاب مع اللباب: 150/ 2 ....