الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تكون بينهما، لاختلاط ملك أحدهما بالآخر اختلاطاً لا يمكن التمييز بينهما، فكان الكل مشتركاً بينهما، والقول في مقدار الزيادة قول المشتري، لأنه صاحب يد لوجود التخلية (1). هذا هو مذهب الحنفية في بيع الثمار أو الزروع.
وقال
المالكية والشافعية والحنابلة:
إن بدا صلاح الثمر جاز بيعه مطلقاً أو بشرط القطع أو بشرط الترك على الشجر.
أما
قبل بدو الصلاح
فإن كان البيع بشرط الترك أو البقاء فلا يصح إجماعاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم «نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، نهى البائع والمبتاع» (2) والنهي يقتضي فساد المنهي عنه، قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على القول بجملة هذا الحديث، وذلك لأن له خطر المعدوم (3).
وإن كان البيع بشرط القطع في الحال فيصح بالإجماع؛ لأن المنع إنما كان خوفاً من تلف الثمرة وحدوث العاهة فيها، قبل أخذها، بدليل ما روى أنس:«أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى تزهو، فقلنا لأنس ما زهوها؟ قال: تحمر وتصفر، قال: أرأيت إذا منع الله الثمرة، بم يأخذ أحدكم مال أخيه؟» (4) وهذا مأمون فيما يقطع في الحال، فصح بيعه، كما لو بدا صلاحه. قال ابن رشد: بما أن العلة في النهي هو خوف ما يصيب الثمار من الجائحة غالباً قبل أن تزهى، لم يحمل العلماء النهي في هذا على الإطلاق: أعني النهي عن البيع قبل الإزهاء، بل
(1) البدائع، المرجع السابق.
(2)
رواه الشيخان وأبو داود والنسائي والترمذي والموطأ عن ابن عمر (انظر جامع الأصول: 389/ 1).
(3)
يلاحظ أن هذا الإجماع المدعى محل نظر، فقد أجاز البيع بشرط الترك يزيد بن أبي حبيب واللخمي من المالكية (بداية المجتهد: 148/ 2، المنتقى على الموطأ: 218/ 4).
(4)
أخرجه البخاري ومسلم والموطأ والنسائي (انظر جامع الأصول: 390/ 1).
رأوا أن معنى النهي هو بيعه بشرط التبقية إلى الإزهاء، فأجازوا بيعها قبل الإزهاء بشرط القطع.
واستدلوا على عدم جواز بيع الزرع الأخضر في الأرض إلا بشرط القطع في الحال بحديث ابن عمر وهو: «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع النخل حتى يزهو (1)، وعن بيع السنبل حتى يبيض، ويأمن العاهة، نهى البائع والمشتري» (2) قال ابن المنذر: لا أعلم أحداً يعدل عن القول به.
وأما إذا كان البيع قبل بدو الصلاح مطلقاً دون اشتراط تبقية ولا قطع، فالبيع باطل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أطلق النهي عن بيع الثمرة قبل بدو الصلاح (الزهو)، فيدخل فيه محل النزاع. وإطلاق العقد يقتضي التبقية، لأن المطلق ينصرف إلى المتعارف، والمتعارف هو الترك، بدليل سياق الحديث، فيصير العقد المطلق كالذي شرطت فيه التبقية، يتناولهما النهي جميعاً، ويصح التعليل بالعلة التي علل بها النبي صلى الله عليه وسلم من منع الثمرة وهلاكها. ويدل الحديث أيضاً على أن مابعد الغاية:(حتى يبدو صلاحها) بخلاف ماقبل الغاية، وأن هذا النهي يتناول البيع المطلق عن شرط التبقية (3).
والخلاصة كما قال صاحب فتح القدير (4): لا خلاف في عدم جواز بيع الثمار قبل أن تظهر، ولا في عدم جوازه بعد الظهور قبل بدو الصلاح بشرط الترك، ولا في جوازه قبل بدو الصلاح بشرط القطع فيما ينتفع به، ولا في الجواز بعد بدو الصلاح، والخلاف إنما هو في بيعها قبل بدو الصلاح.
(1) زها النخل يزهو: إذا ظهرت ثمرته، وروي «حتى يزهى» يقال: أزهى البسر: إذا احمر أو اصفر.
(2)
أخرجه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه عن ابن عمر (نصب الراية: 5/ 4).
(3)
المنتقى على الموطأ: 218/ 4، بداية المجتهد: 148/ 2، القوانين الفقهية: ص 261، مغني المحتاج: 86/ 3، 89، المغني: 80/ 4 ومابعدها، غاية المنتهى: 69/ 2.
(4)
فتح القدير: 102/ 5.