الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والفرق بين السلم والبيع: أن قبض الثمن ليس بشرط لصحة البيع. وقبض رأس المال في المجلس شرط لصحة عقد السلم، فلو صح الإبراء من غير قبول الطرف الآخر، لانفسخ عقد السلم من غير رضا صاحبه، وهذا لا يجوز؛ لأن أحد العاقدين لاينفرد بفسخ العقد، فلا يصح الإبراء، بخلاف الثمن: لا يترتب على الإبراء منه فسخ البيع لأن قبضه ليس بشرط.
أما لو أبرأ رب السلم عن المسلم فيه، فيجوز من غير قبول المسلم إليه، لأن قبض المسلم فيه ليس بشرط، فيصح من غير قبول؛ لأن الإبراء عن دين لا يجب قبضه شرعاً إسقاط لحق المبرئ لا غير، فيملك الإبراء.
وأما الإبراء عن المبيع فلا يصح، لأنه عين، والإبراء إسقاط، وإسقاط الأعيان لا يعقل (1).
4 - الحوالة والكفالة والرهن برأس المال وبالمسلم فيه:
تجوز الحوالة برأس مال السلم على رجل حاضر، والكفالة به، والرهن به، وكذا بالمسلم فيه أيضاً عند جمهور الحنفية لوجود ركن هذه العقود مع شرائطه.
وعند زفر: يجوز بالمسلم فيه ولا يجوز برأس المال؛ لأن عقود الكفالة والحوالة والرهن شرعت لتوثيق حق يحتمل التأخر عن المجلس، ورأس المال لا يتأخر، فلا يتحقق ما شرع له العقد، فلا يصح. ورد عليه بأن معنى التوثيق يحصل في الحقين جميعاً، فجاز العقد فيهما.
(1) البدائع: 5 ص 203.
توضيح ذلك أن الفقهاء وضعوا قاعدة وهي: «أن ملكية الأعيان لا تقبل الإسقاط، وإنما تقبل النقل» فلو أسقط أحد ملكيته عن شيء مملوك له لا تسقط وتبقى ملكاً له. وقد بنوا عليه عدم صحة الإبراء عن الأعيان لما في الإبراء من معنى الإسقاط مشوباً بمعنى التمليك، فلو كان لأحد عند آخر شيء مغصوب أو مودع فأبرأه عنه لا يصح الإبراء ويبقى الشيء لصاحبه (المدخل الفقهي للأستاذ الزرقاء: ف 123). وكذلك في البيع: تجوز الحوالة والكفالة والرهن بالثمن والمبيع إلا أن الفرق بين السلم والبيع هو في حالة افتراق العاقدين في السلم بدون قبض كما سأبيِّن.
ففي عقد السلم: يجب أن يقبض المسلم إليه رأس المال من المحال عليه، أو من الكفيل أو من رب السلم أو يهلك الرهن قبل أن يتفرق العاقدان عن المجلس، بشرط أن تكون قيمة الرهن مثل رأس المال أو أكثر؛ لأن حق المسلم إليه ينتقل حينئذ إلى قيمة الرهن، فإذا كانت هذه القيمة تساوي رأس المال أو تزيد عنه، فيحصل افتراق العاقدين بعد أن يتم قبض رأس المال؛ لأن قبض الرهن قبض استيفاء؛ لأنه قبض مضمون على المرتهن سواء تعدى أو قصر أو لم يتعد ولم يقصر، وبالهلاك تقرر الضمان عليه، فتحدث مقاصة بين المرتهن والراهن، أي بين المسلم إليه ورب السلم هنا. ويترتب عليه أنه يحدث الافتراق بينهما بعد قبض رأس المال.
فإن كانت قيمة الرهن أقل من رأس المال، تم العقد بقدر الرهن ويبطل في الباقي.
وإذا افترق رب السلم والمسلم إليه قبل القبض بطل السلم حتى ولو بقي المحال عليه والكفيل مع المسلم إليه، أما لو بقي المسلم إليه مع رب السلم، وذهب المحال عليه والكفيل فلا يبطل السلم؛ لأن العبرة لبقاء العاقدين وافتراقهما؛ لأن القبض من حقوق العقد، والعقد أساسه العاقدان.
والحكم كذلك في الرهن: إذا لم يهلك حتى تفرق المتعاقدان، يبطل السلم لعدم قبض رأس المال، وعلى المسلم إليه رد الرهن على صاحبه.
وكل ما ذكر في السلم هنا يجري في عقد الصرف.
هذا بالنسبة لرأس المال.
أما بالنسبة للمسلم فيه فإن المحيل يبرأ بنفس عقد الحوالة ويكون التسليم فيه واجباً على المحال عليه إذا حل الأجل، وحينئذ يطالب رب السلم المحال عليه بالتسليم دون المحيل.
وفي الكفالة يكون رب السلم بالخيار: إن شاء طالب الأصيل، وإن شاء طالب الكفيل. وفي الرهن: لرب السلم أن يحبس المرهون حتى يأخذ المسلم فيه (1).
وكذلك لا تجوز الحوالة والكفالة والإبراء والرهن برأس المال على غير حاضر في المجلس عند غير الحنفية (2)؛ لأن قبضه حقيقة شرط أساسي لصحة السلم، إلا أن المالكية كما عرفنا أجازوا تأخير القبض مدة ثلاثة أيام. وقد غالى الشافعية فلم يجيزوا قبض رأس المال في المجلس من المحال عليه إلا أن يقبضه رب السلم نفسه، ثم يسلمه للمسلم إليه، لأن الحق بالحوالة يتحول إلى ذمة المحال عليه فهو يؤديه عن نفسه لا عن المسلم.
الخلاصة: تجوز الحوالة عند الحنفية على المسلم فيه، ولاتجوز عند الجمهور، وقصر المالكية المنع على ما إذا كان المسلم فيه طعاماً. ويجوز أخذ الرهن والكفيل بالمسلم فيه عند الجمهور لما لهما من الفائدة، ولايجوز ذلك في المعتمد عند الحنابلة لحديث أبي داود وابن ماجه عن أبي سعيد الخدري:«من أسلف في شيء فلا يصرفه إلى غيره» .
(1) المبسوط: 151/ 12 ومابعدها، البدائع: 203/ 5 ومابعدها.
(2)
الشرح الكبير للدردير: 195/ 3، مغني المحتاج: 103/ 2، غاية المنتهى: 80/ 2، المغني: 302/ 4.