الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والتعيب كالهلاك في الأحوال المذكورة. ولو باع المشتري المبيعين ثم اختار أحدهما، صح بيعه فيه. والمبيع مضمون بالثمن، وغيره أمانة.
4 - خيار الغبن
(1):
هذا الخيار مشروع عند الحنفية إذا اشتمل الغبن على تغرير، فيسمى خيار الغبن مع التغرير: وهو أن يغرر البائع المشتري أو بالعكس تغريراً قولياً وهو التغرير في السعر، أو تغريراً فعلياً وهو التغرير في الوصف، ويكون الغبن فاحشاً: وهو مالا يدخل تحت تقويم المقومين. أما الغبن اليسير: وهو ما يدخل تحت تقويم المقومين، فلا يؤثر، إذ لا يتحقق كونه زيادة، أما الفاحش فزيادته متحققة (2). فيثبت حينئذ حق إبطال العقد دفعاً للضرر عنه.
والتغرير القولي في السعر: كأن يقول البائع أو المؤجر للمشتري أو للمستأجر: يساوي هذا الشيء أكثر ولا تجد مثله، أو دفع لي فلان فيه كذا، وكل ذلك كذب.
والتغرير الفعلي في الوصف: يكون بتزوير وصف في محل العقد يوهم المتعاقد في المعقود عليه مزية ما غير حقيقية، كتوجيه البضاعة المعروضة للبيع، بجعل الجيد منها في الأعلى، وجعل الرديء منها في الأسفل. ومنه التصرية: جمع اللبن في الضرع، وهي حرام، توجب الخيار للعاقد المغرور كفوات الصفة المشروطة. أما تدليس العيب: وهو كتمان أحد المتعاقدين عيباً خفياً يعلمه في محل العقد عن المتعاقد الآخر في عقود المعاوضة، فهو المسمى عندهم خيار العيب.
(1) رد المحتار: 47/ 4، المجلة: م/256 - 360.
(2)
البدائع: 30/ 6.
وحكمه: إعطاء المغبون المغرور حق خيار فسخ العقد دفعاً للضرر عنه، نظراً لعدم تحقق رضاه، بسبب التغرير والغبن الفاحش. وإذا مات المغرور بغبن فاحش لاتنتقل دعوى التغرير لوارثه.
ويسقط حق المغرور في الفسخ للمشتري إذا تصرف في المبيع بعد أن اطلع على الغبن الفاحش، أو بنى بناء في الأرض المشتراة، أو إذا هلك المبيع أو استهلك أو حدث فيه عيب.
وقال الحنابلة (1): هناك خيار غبن، وخيار تدليس، وخيار عيب.
أما خيار الغبن عند الحنابلة فيثبت في ثلاث صور:
إحداها ـ تلقي الركبان: وهم القادمون من السفر بجلوبة: (وهي ما يجلب للبيع) وإن كانوا مشاة، وهو عند الجمهور: يحرم، وقال الحنيفة: يكره، ولو كان تلقيهم بغير قصد التلقي لهم. فإذا اشترى المتلقي منهم أو باعهم شيئاً، ثبت لهم الخيار إذا هبطوا السوق، وعلموا أنهم قد غبنوا غبناً يخرج عن العادة، لقوله عليه السلام:«لا تلقوا الجَلَب فمن تلقاه فاشترى منه، فإذا أتى السوق، فهو بالخيار» (2).
والثانية ـ النجش: وهو أن يزيد في السلعة من لا يريد شراءها. وهو حرام، لما فيه من تغرير المشتري وخديعته، فهو في معنى الغش، ويثبت للمشتري بالنجش الخيار إذا غبن غبناً غير معتاد.
ولا يتم النجش إلا بحذق من زاد في السلعة، وأن يكون المشترى جاهلاً، فلو كان عارفاً واغتر بذلك، فلا خيار له لعجلته وعدم تأمله.
(1) المغني: 134/ 4 - 142، كشاف القناع: 199/ 3، 201، 203، ط مكة.
(2)
رواه مسلم من حديث أبي هريرة.
فإن زاد من لا يريد الشراء بغير مواطأة مع البائع، أو زاد البائع في الثمن بنفسه، والمشتري لا يعلم ذلك، فيخير المشتري لوجود التغرير بين رد المبيع وإمساكه.
الثالثة ـ بيع المسترسل أو إجارته: وهو الجاهل بالقيمة، من بائع ومشتر، ولا يحسن المماكسة. فله الخيار إذا غبن غبناً غير معتاد. ويقبل قوله بيمينه أنه جاهل بالقيمة، ما لم تكن قرينة تكذبه في دعوى الجهل، فلا تقبل منه.
وخيار الغبن كخيار العيب على التراخي عندهم.
وأما خيار التدليس: فهو بسبب التغرير، والعقد معه صحيح، والتدليس حرام وهو نوعان:
أحدهما ـ كتمان العيب، ويسمى هذا عند الحنفية خيار العيب.
والثاني ـ فعل يزيد به الثمن، وإن لم يكن عيباً، كجمع ماء الرحى وإرساله عند عرضها للبيع، ليزيد دورانها بإرسال الماء بعد حبسه، فيظن المشتري أن ذلك عادتها، فيزيد في الثمن. ومنه تحسين وجه الصبرة (الكومة)، وصقل السكاف وجه الحذاء، وتصنع النساج وجه الثوب، والتصرية أي جمع اللبن في ضرع بهيمة الأنعام، ونحو ذلك. وهذا النوع هو المسمى عند الحنفية بالتغرير الفعلي في الوصف.
والتدليس بنوعيه يثبت للمشتري خيار الرد إن لم يعلم به، أو الإمساك، لقوله عليه السلام:«لا تصروا الإبل والغنم، فمن ابتاعها فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها، إن شاء أمسك، وإن شاء ردها، وصاعاً من تمر» (1). وغير التصرية من التدليس ملحق بها.
(1) متفق عليه من حديث أبي هريرة مرفوعاً.