الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العقد وقع للموكل، والعاقد ليس من أهل لزوم العهدة (أي حقوق العقد) فيقتصر دوره على مباشرة التصرف لا غير، كالرسول والوكيل في عقد النكاح.
المطلب السادس ـ آراء الفقهاء في شرط البراءة عن العيوب
اختلف الفقهاء فيما إذا شرط البائع براءته من ضمان العيب (أي عدم مسؤوليته عما يمكن أن يظهر من عيوب في المبيع) فرضي المشتري بهذا الشرط، اعتماداً على السلامة الظاهرة ثم ظهر في المبيع عيب قديم (1).
قال الحنفية: يصح البيع بشرط البراءة من كل عيب (2) وإن لم تعين العيوب بتعداد أسمائها، سواء أكان جاهلاً وجود العيب في مبيعه فاشترط هذا الشرط احتياطاً، أم كان عالماً بعيب المبيع، فكتمه عن المشتري، واشترط البراءة من ضمان العيب ليحمي بهذا الشرط سوء نيته، فيصح البيع، لأن الإبراء إسقاط، لا تمليك، والإسقاط لا تفضي الجهالة فيه إلى المنازعة، لعدم الحاجة إلى التسليم. ويشمل هذا الشرط كل عيب موجود قبل البيع أو حادث بعده قبل القبض، فلا يرد المبيع بالعيب حينئذ. وهذا في ظاهر الرواية عن أبي حنيفة وأبي يوسف؛ لأن غرض البائع إلزام العقد بإسقاط المشتري حقه في وصف سلامة المبيع، ليلزم البيع على كل حال، ولا يتحقق هذا الغرض إلا بشمول العيب الحادث قبل التسليم، فكان داخلاً ضمناً.
(1) المدخل الفقهي العام: ص 377، عقد البيع للأستاذ الزرقاء: ص 107.
(2)
للناس عبارات مختلفة في شرط البراءة عن العيوب مثل بيع الشيء على أنه حاضر حلال، أو على أنه مكسر محطم، أو كوم تراب أو عظام، أو حراق على الزناد، أو لا يصلح لشيء أو لأجل الطرح. وفي بيع الدابة يقولون: على أنها لحم: أي لا ينتفع من حياتها بعمل (رد المحتار: 100/ 4، عقد البيع: ص 117).
وقال محمد وزفر والحسن بن زياد ومالك والشافعي، وهو المعمول به في قانوننا المدني: يشمل البراءة العيب الموجود عند العقد فقط، لا الحادث بعد العقد وقبل القبض؛ لأن البراءة تتناول الشيء الثابت الموجود، بسبب أن الإبراء عن المعدوم لا يتصور، والحادث لم يكن موجوداً عند
البيع، فلا يدخل تحت الإبراء (1).
وهذا الخلاف فيما إذا قال: (أبرأتك عن كل عيب مطلقاً) فأما إذا قال: (أبيعك على أني بريء من كل عيب به) لم يدخل فيه العيب الحادث بالاتفاق، لأنه لم يعمم البراءة، وإنما خصها بالموجود عند العقد.
وبناء على قول محمد وزفر والحسن: إذا كانت البراءة من العيوب عامة فاختلف البائع والمشتري في وجود عيب، فقال البائع: كان موجوداً عند العقد، فدخل تحت البراءة، وقال المشتري: بل هو حادث لم يدخل تحت البراءة، وبناء عليه، قال محمد: القول قول البائع، مع يمينه؛ لأن البراءة عامة والمشتري يدعي حق الرد بعد عموم البراءة عن حق الرد بالعيب، والبائع ينكر ذلك، فكان القول قوله.
وقال زفر والحسن: القول قول المشتري لأن الأصل هو ثبوت الحق، والمشتري هو المبرئ، فيكون القول قوله في مقدار البراءة (2).
ويشمل هذا الشرط أيضاً كل عيب من العيوب الظاهرة والباطنة؛ لأن اسم العيب يقع على الكل.
(1) البدائع: 227/ 5، فتح القدير: 182/ 5، رد المحتار: 100/ 4.
(2)
البدائع: 277/ 5.
فإذا قال: (أبرأتك عن كل داء) فيقع على كل عيب ظاهر، دون الباطن من طحال ونحوه عند أبي يوسف. وروي عن أبي حنيفة أنه يقع على كل عيب باطن، من طحال أو فساد حيض وأما العيب الظاهر فيسمى مرضاً.
وقد رجح بعضهم وهو صاحب الدر المختار الرأي الثاني اعتماداً على ما هو المعروف في العادة، إلا أن المشهور في المذهب هو الأول أي يقع على كل مرض؛ لأن الداء في اللغة هو المرض، سواء أكان بالجوف أم بغيره، والعرف الآن موافق للغة (1) أي أن الداء هو المرض.
ولو أبرأ البائع عن كل غائلة (2) فيقع على السرقة والإباق والفجور، وكل ما يعد عيباً عند التجار (3).
وإذا خصص الإبراء عن بعض العيوب لم يشمل غيرها، كأن يبرئ من القروح أو الكي أو نحوها، لأنه أسقط حقه من نوع خاص (4).
فإذا كانت البراءة خاصة بعيب موجود عند العقد سماه المشتري، ثم اختلف المتعاقدان، فقال البائع:(كان بها) وقال المشتري: (حدث قبل القبض) فقال محمد: القول قول المشتري لأن هذه البراءة خاصة بحال العقد، لا تتناول إلا الموجود حالة العقد، والمشتري يدعي العيب لأقرب الوقتين، والبائع يدعيه لأبعدهما، فكان الظاهر شاهداً للمشتري (5).
(1) رد المحتار: 100/ 4، البدائع: 278/ 5.
(2)
الغائلة: الفجور أي (الزنا)، والإباق، والسرقة، ونحو ذلك.
(3)
البدائع: 278/ 5، رد المحتار، المرجع السابق.
(4)
البدائع: 277/ 5.
(5)
البدائع: 278/ 5.
هذا هو مذهب الحنفية في شرط البراءة عن العيوب عموماً.
وأما مذاهب غيرهم من حيث العلم بالعيب والجهل به فهي ما يلي:
قال المالكية: إن شرط البراءة عن العيوب لا يصح إلا في عيب في الرقيق لايعلم به البائع، وطالت إقامة الرقيق عند بائعه. أما ما يعلم به، أو كان في غير الرقيق، أو في رقيق لم تطل إقامته عند بائعه (مالكه) فلا تصح البراءة عنه (1).
وقال الشافعية: لو باع بشرط براءته من العيوب، فالأظهر أنه يبرأ عن كل عيب باطن بالحيوان خاصة، إذا لم يعلمه البائع، ولا يبرأ عن عيب بغير الحيوان، كالثياب والعقار مطلقاً، ولا عن عيب ظاهر بالحيوان، علمه، أم لا، ولا عن عيب باطن بالحيوان كان قد علمه. والمراد بالباطن: ما لا يطلع عليه غالباً.
وينصرف الإبراء إلى العيب الموجود عند العقد، لا الذي حدث قبل القبض. ولو اختلف المتعاقدان في قدم العيب فيصدق البائع.
ولو شرط البائع البراءة عما يحدث من العيوب قبل القبض ولو مع الموجود منها، لم يصح الشرط في الأصح؛ لأنه إسقاط للشيء قبل ثبوته، كما لو أبرأ عن ثمن ما يبيعه له (2).
وأما الحنابلة فعندهم روايتان عن أحمد: رواية تقرر أنه لا يبرأ إلا أن يعلم المشتري بالعيب، وهو قول الشافعي، ورواية: تقرر أنه يبرأ من كل عيب لم يعلمه، ولا يبرأ من عيب علمه.
واختار ابن قدامة وغيره أن من باع حيواناً أو غيره بالبراءة من كل عيب أو من
(1) حاشية الدسوقي: 119/ 3، القوانين الفقهية: ص 265، الشرح الصغير: 164/ 3.
(2)
مغني المحتاج: 53/ 2.