الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال المالكية: لايشترط القبض لصحة الهبة، ولا للزوم الهبة، وإنما هو شرط لتمامها، أي لكمال فائدتها، بمعنى أن الموهوب يملك بمجرد العقد أي القول، على المشهور عندهم. والقبض أو الحيازة لتتم الهبة، ويجبر الواهب على تمكين الموهوب له من الموهوب. ودليلهم تشبيه الهبة بالبيع وغيره من سائر التمليكات، ولقول الأصحاب: الهبة جائزة إذا كانت معلومة، قبضت أو لم تقبض (1).
والخلاصة: أن غير المالكية يرون أن الموهوب يملك بالقبض لا بالعقد (2)، وعند المالكية: يملك بالعقد.
8 - يشترط لصحة القبض عند جمهور العلماء: أن يكون بإذن الواهب:
فلو قبض بلا إذن لم يملكه، ودخل في ضمانه؛ لأن التسليم غير مستحق على الواهب، فلا يصح التسليم إلا بإذنه، ولأن الإذن بالقبض شرط لصحة القبض في البيع، ففي الهبة من باب أولى؛ لأن القبض فيها شرط لصحتها، بعكس البيع (3) إلا أن الحنفية قالوا: القياس أن لا يجوز قبض الهبة إلا بإذن الواهب، سواء تم القبض في مجلس العقد أم بعد الافتراق. والاستحسان أن الموهوب له إذا قبض الموهوب في مجلس العقد بغير أمر الواهب، جاز. وإن قبض بعد الافتراق عن المجلس لم يجز إلا أن يأذن له الواهب في القبض.
(1) بداية المجتهد: 2 ص/324، حاشية الدسوقي: 4 ص/101.
(2)
لما روى الحاكم في صحيحه أنه صلى الله عليه وسلم «أهدى إلى النجاشي ثلاثين أوقية مسكاً، ثم قال لأم سلمة: إني لأرى النجاشي قد مات، ولا أرى الهدية التي قد أهديت له، إلا تستردّ، فإذا ردت إلي، فهي لك، فكان كذلك» ولأن الهبة عقد إرفاق وتبرع كالقرض، فلا يملك إلا بالقبض.
(3)
البدائع: 6 ص 123، الهداية وتكملة فتح القدير: 115/ 7 ومابعدها، مغني المحتاج: 2ص/400، المغني: 5 ص/592.
وجه القياس: أن القبض تصرف في ملك الواهب لأن ملكه قبل القبض باق، فلا يصح بدون إذنه.
ووجه الاستحسان: أن القبض في الهبة بمنزل القبول؛ لأنه يتوقف عليه ثبوت الملك، والمقصود من الهبة إثبات الملك، فيكون الإيجاب من الواهب تسليطاً للموهوب له على القبض، فكان إذناً دلالة. وإنما قيد ذلك بالمجلس لأنه ثبت التسليط فيه، إلحاقاً له بالقبول، والقبول يتقيد بالمجلس، فكذلك ما يلحق به.
وقال المالكية: يصح القبض ولو بلا إذن من الواهب، ويجبر الواهب على تمكين الموهوب من القبض حيث طلبه؛ لأن الهبة تملك بالقول أي بالإيجاب، على المشهور عندهم (1).
ويترتب على مذهب الحنفية: أنه لو وهب إنسان ثوباً، أو عيناً من الأعيان، مفرزاً، مقسوماً، ولم يأذن له في قبضه، فقبضه الموهوب له فإن كان بحضرة الواهب: يجوز استحساناً، والقياس أن لا يجوز قبضه بعد الافتراق من المجلس، وهو قول زفر؛ لأن القبض عنده ركن بمنزلة القبول في حق إثبات الحكم، فلا يجوز القبض بعد الافتراق عن المجلس، كما لا يجوز القبول بعد الافتراق.
ووجه الاستحسان: أن الإذن بالقبض وجد من طريق الدلالة؛ لأن الإيجاب فيه دلالة الإذن بالقبض.
وأما في هبة الدين لغير من عليه الدين، فلا بد من الإذن صراحة بالقبض، ولا يكفي الإذن دلالة. وجه الفرق بين هبة العين وهبة الدين: هو أن الإيجاب في هبة العين يدل على الإذن بالقبض دلالة؛ لأن قصده تمليك ما هو ملكه للموهوب
(1) حاشية الدسوقي: 4 ص 101.
له، أما في هبة الدين: فالإيجاب لايعطي تلك الدلالة؛ لأن الدلالة متوقفة على قصد التملك، وتمليك الدين من غير من عليه الدين لايتحقق إلا بالتصريح بالإذن بالقبض؛ لأنه بالتصريح يقوم قبضه مقام قبض الواهب، فيصير المقبوض ملكاً له أولاً، ثم يصير الموهوب له قابضاً لنفسه من الواهب. وبناء على هذا التقدير: يصير الواهب واهباً ملك نفسه، والموهوب له قابضاً ملك الواهب.
وتجويز هبة الدين لغير من عليه الدين ثابت استحساناً، وصورتها: أن يهب رجل لرجل ديناراً له على رجل، ويأمر بقبضه ويقبضه فعلاً، فيجوز استحساناً؛ لأنه أنابه في القبض مناب نفسه، فيجعل قبض الموهوب له كقبض الواهب. وأما قياساً فلا يجوز، وهو قول زفر؛ لأن الدين ليس بمال عند الحنفية، حتى إن حلف لا مال له، وله دين على إنسان: لا يحنث في يمينه. والهبة عقد
مشروع لتمليك المال، فإذا أضيف إلى ما ليس بمال لا يصلح (1).
ويشترط أيضاً عند الحنفية والشافعية شرطان آخران لصحة القبض وهما أهلية القبض: بالعقل عند الحنفية، وبالعقل والبلوغ عند الشافعية، فلا يصح عندهم قبض الصبي والمجنون؛ لأن القبض من باب الولاية، ولا ولاية لغير البالغ العاقل على نفسه وماله. والشرط الثاني ـ ألا يكون الموهوب مشغولاً بغيره مما ليسبموهوب؛ لأن معنى القبض: التمكن من التصرف في المقبوض، وهو لا يتحقق مع شغل الشيء بغيره. وأضاف الحنفية شرطاً ثالثاً، كماتقدم: وهو أن يكون الموهوب مفرزاً عن غيره حتى يتمكن الموهوب له من قبضه، فلا يصح عندهم هبة المشاع كما تقدم.
(1) المبسوط للسرخسي: 70/ 12، البدائع: 119/ 5، 124، حاشية ابن عابدين: 544/ 4.