الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفَصْلُ الثَّالث: عَقْدُ الإيجار
عقد الإجارة كالبيع من العقود المسماة (1) التي عني التشريع الإسلامي ببيان أحكامها الخاصة بها بحسب ما تقتضيه طبيعة عقدها، وهي تختلف عن عقد البيع في أنها مؤقتة المدة، بينما عقد البيع لا يقبل التأقيت، وإنما هو مؤبد، لأنه يترتب عليه انتقال ملكية العين.
وعقد الإجارة من العقود المهمة في الحياة العملية، لذا فإني سأتكلم عن أهم خصائصها وأحكامها في المباحث الآتية:
المبحث الأول ـ
مشروعية الإجارة
وركنها ومعناها.
المبحث الثاني ـ شروط الإجارة.
المبحث الثالث ـ صفة عقد الإجارة وحكمه.
المبحث الرابع ـ نوعا الإجارة وأحكامها.
المبحث الخامس ـ ضمان العين المستأجرة وضمان الأجير وسقوط أجره بهلاك العين.
(1) وهي التي سماها المشرع ونظمها مثل البيع والإجارة والشركة والكفالة والهبة فتطبق عليها القواعد العامة للعقود، والقواعد الخاصة بها، أما العقود غير المسماة وهي التي لم ينظمها المشرع مثل العقود الحديثة الظهور كعقد التوريد وعقد النزول في فندق، فهي تخضع للقواعد العامة.
المبحث السادس ـ اختلاف المتعاقدين في الإجارة.
المبحث السابع ـ انتهاء عقد الإجارة.
المبحث الأول ـ مشروعية الإجارة وركنها ومعناها:
مشروعية الإجارة: اتفق الفقهاء على مشروعية عقد الإجارة ما عدا أبا بكر الأصم وإسماعيل بن عُلَية والحسن البصري والقاشاني والنهرواني وابن كيسان فإنهم لم يجيزوه؛ لأن الإجارة بيع المنفعة، والمنافع حال انعقاد العقد معدومة القبض، ثم تستوفى شيئاً فشيئاً مع الزمن، والمعدوم لا يحتمل البيع، ولا يجوز إضافة البيع إلى شيء في المستقبل. ورد عليهم ابن رشد بأن المنافع، وإن كانت معدومة في حال العقد، فهي مستوفاة في الغالب. والشرع إنما لحظ من هذه المنافع ما
يستوفي في الغالب، أو يكون استيفاؤه وعدم استيفائه على السواء (1).
واستدل الجمهور على جواز عقد الإيجار بالقرآن والسنة والإجماع:
أما القرآن: فقوله تعالى: {فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن} [الطلاق:6/ 65] وقوله عز وجل حاكياً قول إحدى ابنتي شعيب عليه السلام: {قالت إحداهما: يا أبت استأجره، إن خير من استأجرت القوي الأمين. قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج، فإن أتممت عشراً فمن عندك} [القصص:26/ 28 - 27] والاستدلال بهذه الآية صحيح عند القائلين: بأن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم ينسخ.
(1) بداية المجتهد: 2 ص 218.
وأما السنة: فقوله عليه الصلاة والسلام: «أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه» (1).
فالأمر بإعطاء الأجر دليل على صحة الإيجار، وقوله صلى الله عليه وسلم:«من استأجر أجيراً فليعلمه أجره» (2).
وروى سعيد بن المسيب عن سعد رضي الله عنه قال: «كنا نكري الأرض بما على السواقي من الزرع، فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وأمرنا أن نكريها بذهب أو وَرِق» (3).
وروى ابن عباس رضي الله عنه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وأعطى الحجام أجره» (4).
وأما الإجماع: فقد أجمعت الأمة في زمن الصحابة على جواز الإيجار قبل
(1) روي من حديث أبي هريرة، ومن حديث ابن عمر ومن حديث جابر ومن حديث أنس، فحديث أبي هريرة رواه أبو يعلى في مسنده، وحديث ابن عمر أخرجه ابن ماجه في سننه، وحديث جابر رواه الطبراني في معجمه الصغير، وحديث أنس رواه أبوعبد الله الترمذي الحكيم في كتاب نوادر الأصول. قال ابن حجر: كلها ضعاف (انظر نصب الراية: 4 ص 129 ومابعدها، مجمع الزوائد: 4 ص 97، سبل السلام: 3 ص 81).
(2)
رواه عبد الرزاق في مصنفه عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري، ورواه محمد بن الحسن في كتاب الآثار، وفيه انقطاع، ووصله البيهقي من طريق أبي حنيفة. قال أبو زرعة: الصحيح موقوف أي على أبي سعيد. (انظر نصب الراية: 4 ص 131، سبل السلام: 3 ص 82، نيل الأوطار: 5 ص 292).
(3)
رواه أحمد وأبو داود والنسائي عن سعد بن أبي وقاص بلفظ: «أن أصحاب المزارع في زمن النبي صلى الله عليه وسلم يكرون مزارعهم بما يكون على السواقي وما سعد بالماء مما حول النبت، فجاؤوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختصموا في بعض ذلك، فنهاهم أن يكروا بذلك، وقال: أكروا بالذهب والفضة» (انظر نيل الأوطار: 5 ص 279).
(4)
رواه أحمد والبخاري ومسلم، زاد البخاري في لفظ:«ولو كان سحتاً لم يعطه» (انظر نصب الراية: 4 ص 134، نيل الأوطار: 5 ص 285، سبل السلام: 3 ص 80).