الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أولاً ـ تصرف الوكيل:
يترتب على الوكالة ثبوت ولاية التصرف الذي تناوله التوكيل، وسأذكر هنا أنواع الوكالات لمعرفة أوجه التصرف التي يملكها الوكيل والتي لا يملكها.
1 - الوكيل بالخصومة (المحامي):
أ - صلاحية الإقرار:
الوكيل بالخصومة أي بالمرافعة أمام القاضي مثل المحامي اليوم، يملك الإقرار على موكله بغير القصاص والحدود عند جمهور الحنفية؛ لأن الوكيل بالخصومة وكيل بالجواب عن دعوى المدعي لبيان الحق وإثباته، لا المنازعة فيه. والجواب قد يكون إنكاراً، وقد يكون إقراراً (1). وقيده أبو حنيفة ومحمد أن يكون الإقرار في مجلس القاضي، بينما لم يقيده أبو يوسف، فأجاز إقرار الوكيل في مجلس القاضي وغيره.
وقال زفر ومالك والشافعي وأحمد: إذا كانت الوكالة مطلقة، فلا تتضمن الإقرار على الموكل، فلو وكل رجلاً في الخصومة لم يقبل إقراره على موكله بقبض الحق وغيره؛ لأن الوكالة بالخصومة معناها التوكيل بالمنازعة، والإقرار مسالمة؛ لأنه معنى يقطع الخصومة، فهو يتنافى مع معنى الوكالة بالخصومة، فلا يملكه الوكيل فيها كالإبراء. وفارق الإقرار الإنكار: بأنه لا يقطع الخصومة، ولأن الوكيل لا يملك الإنكار على وجه يمنع الموكل من الإقرار، فلو ملك الإقرار لامتنع على الموكل الإنكار، وهو لا يجوز بدليل أن الوكيل لا يملك المصالحة عن الحق ولا الإبراء منه بدون خلاف (2).
(1) البدائع: 24/ 6، تكملة فتح القدير: 10/ 6، المبسوط: 4/ 19 ومابعدها، الدر المختار: 430/ 4، الكتاب مع اللباب: 151/ 2.
(2)
بداية المجتهد: 297/ 2، الشرح الكبير: 379/ 3، المهذب: 351/ 1، المغني: 91/ 5.
واستثنى المالكية حالة كون الوكيل عاماً وجعل له الموكل الإقرار في عقد الوكالة، وحالة اشتراط خصم الموكل أن يجعل الإقرار لوكيله، بأن يقول له: لاأتعاطى المخاصمة مع وكيلك حتى تجعل له الإقرار.
ومنشأ الخلاف في الحقيقة هو في قاعدة «هل الأمر المطلق الكلي يقتضي الأمر بشيء من جزئياته أو لا يقتضي؟» قال الحنفية: يقتضي ما ذكر، لاشتمال الكلي على الجزئي ضرورة، فيصح إقرار الوكيل بالخصومة.
وقال غير الحنفية: لا يقتضي ما ذكر، إذ لا اختصاص للجنس بنوع من أنواعه ولا فرد من أفراده، فلم يصح إقرار الوكيل بالخصومة؛ لأن اللفظ من حيث إطلاقه لا يتناوله، والقرينة العرفية إن لم تنفه فلا تقتضيه.
وبناء عليه قال الجمهور غير الحنفية:
ليس للوكيل المطلق ببيع شيء كأن يقول الموكل للوكيل: بع هذه العين، أن يبيعه بالغبن الفاحش ولا بثمن المثل ولا بدون ثمن المثل، ولا بالنقد ولا بالنسيئة، إذ لا اختصاص للجنس بنوع من أنواعه ولا فرد من أفراده، وإنما ملك البيع بثمن المثل، لقيام القرينة الدالة على الرضا بسبب العرف (1).
ثم إن الحنفية القائلين بجواز إقرار الوكيل اختلفوا في مكان صحته:
فقال أبو حنيفة ومحمد: يصح إقرار الوكيل في مجلس القاضي لا في غيره، فيما عدا الحدود والقصاص؛ لأن الموكل فوض الأمر إليه، لكن في مجلس القضاء؛ لأن التوكيل هو بالخصومة أو بجواب الخصومة، وكل ذلك يختص بمجلس القاضي، بدليل أن الجواب لا يلزم في غير مجلس القاضي.
(1) تخريج الفروع على الأصول: ص 100.