الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حصل بآفة سماوية أو بفعل البائع، أو بفعل المشتري أو بفعل الأجنبي؛ لأن في حالة الآفة السماوية واعتداء البائع حدث التعيب في المبيع في يد المشتري وفي ضمانه، فيلزمه رد قيمته. وأما في حالة اعتداء المشتري أو الأجنبي فلأنه تعذر رد المبيع؛ لأنه لا يمكن المشتري أن يرد جميع ما قبض كما قبض
سليماً، وفي رد البعض تفريق للصفقة على البائع قبل تمام العقد (1).
وعلى هذا، إذا حدث نقص في المبيع في يد المشتري، كأن سقط حائط من دار بغير صنع أحد، يسقط الخيار بهذا النقصان لتعذر رد الشيء على صاحبه كما قبضه سليماً من أي نقص، ويتقرر على المشتري جميع الثمن؛ لأن النقصان حصل في ضمانه.
المطلب الرابع ـ حكم العقد في مدة الخيار:
يقول
الحنفية:
لا ينعقد البيع بشرط الخيار في الحال في حق الحكم (أي نقل الملكية) بالنسبة لمن له الخيار من المتعاقدين، بل يكون موقوفاً إلى وقت سقوط الخيار: إما بإجازة البيع أو فسخه، فإن أجازه ظهر أن العقد كان قد انعقد حال وجوده، أي قبل الإجازة متى كان موضوع العقد قابلاً له، وإن فسخه استمر على عدم انعقاده استصحاباً للحالة الأولى.
وتفصيله يظهر فيما يأتي (2):
إن كان الخيار للعاقدين: كان العقد غير منعقد من ناحية حكمه في حقهما
(1) انظر تحفة الفقهاء: 106/ 2 - 109، فتح القدير: 117/ 5 ومابعدها، وانظر البدائع: 269/ 5، 272، مع ملاحظة الفارق بين ما هنا وبين ما اختاره الكاساني من اعتبار التعيب بالآفة السماوية في يد البائع غير مسقط للخيار.
(2)
البدائع: 264/ 5 ومابعدها، فتح القدير: 115/ 5 ومابعدها، رد المحتار: 51/ 4 ومابعدها.
معاً أي أنه لا يزول المبيع عن ملك البائع ولا يدخل في ملك المشتري، كما لا يزول الثمن عن ملك المشتري ولا يدخل في ملك البائع؛ لأن الخيار المانع من الانعقاد من ناحية الحكم موجود في جانبي البائع والمشتري.
وإن كان الخيار للبائع وحده: كان العقد غير منعقد في حقه من ناحية ثبوت الحكم، فلا يزول المبيع عن ملكه ويخرج الثمن عن ملك المشتري؛ لأن العقد لازم في حقه، ولكنه لا يدخل في ملك البائع عند أبي حنيفة حتى لا يجتمع البدلان (المبيع والثمن) في يد واحدة، وهذا لا يجوز في عقود المبادلة التي تتطلب المساواة بين البائع والمشتري.
وقال الصاحبان: إن الثمن يدخل في ملك البائع ويجب له ما دام البيع وقع باتاً، أي لازماً بالنسبة للمشتري، لأنه لم يشترط الخيار لنفسه، ودليلهما: أن الشيء لايصح أن يكون بلا مالك.
يظهر مما تقدم أن العقد من ناحية حكمه: لا ينعقد عند أبي حنيفة في كلا البدلين (المبيع والثمن). وعند الصاحبين: لا ينعقد في بدل من له الخيار فقط.
وإن كان الخيار للمشتري وحده: كان البيع غير منعقد بالنسبة له من ناحية حكمه، فلا يخرج الثمن عن ملكه، أما المبيع فيخرج عن ملك البائع فليس له التصرف فيه، ولكنه لا يدخل في ملك المشتري عند أبي حنيفة، ويدخل في ملكه عند الصاحبين على النحو السابق.
ويترتب على هذا الخلاف بين أبي حنيفة وصاحبيه نتائج، منها ما يأتي:
1 -
إذا اشترى ذمي من ذمي خمراً أو خنزيراً على أنه بالخيار وقبض المشتري المبيع، ثم أسلم بطل البيع عند أبي حنيفة؛ لأن المبيع لم يدخل في مدة الخيار في ملك المشتري، والمسلم ممنوع من تملك الخمر أو الخنزير.
وعند الصاحبين: لا يبطل البيع، بل يسقط الخيار ويلزم العقد؛ لأن المشتري ملك المبيع في مدة الخيار وهو ذمي، له أن يتملك الخمروالخنزير، وبعد الإسلام: ليس له أن يرد البيع، لأنه ممنوع من تمليك شيء مما ذكر.
أما إذا أسلم البائع وكان الخيار للمشتري: فلا يبطل البيع ويبقى المشتري على خياره بالاتفاق بين الإمام وصاحبيه، وكونه لا يبطل لأن البيع باتٌّ في جانب البائع. وأما المشتري فيبقى خياره: فإن أجاز البيع صار لازماً، وعليه الثمن ويملك المبيع، لأنه ذمي له أن يملك الخمر والخنزير. وإن رد البيع انفسخ العقد وصار المبيع على ملك البائع، والمسلم قد يملك الخمر أو الخنزير حكماً، كما إذا أسلم الذمي وعنده خمر أو خنزير.
فإن كان الخيار للبائع وأسلم في مدة الخيار بطل الخيار والعقد؛ لأن خيار البائع يمنع إجماعاً خروج المبيع عن ملكه، وإسلامه يمنع إخراج الخمر ونحوها عن ملكه. ولو كان الذي أسلم هو المشتري، لم يبطل العقد، وبقي البائع على خياره، لأن العقد لازم من جهة المشتري إذ لا خيار له، وحينئذ له إجازة البيع، فيتملك المشتري المبيع وهو أهل له أي لتملك الخمر ونحوها حكماً، كما عرفنا، وإن رد البيع انفسخ العقد واستمر المبيع ملكاً للبائع.
2 -
إذا كان المبيع داراً: فإن كان للبائع خيار، لم يكن للشفيع الشفعة بالاتفاق بين الإمام وصاحبيه؛ لأن خيار البائع يمنع زوال المبيع عن ملكه.
وإن كان الخيار للمشتري، تثبت الشفعة بالاتفاق أيضاً؛ لأن خيار المشتري على قول أبي حنيفة، وإن منع دخول السلعة في ملك المشتري، لم يمنع زوال ملكيتها عن ملك البائع، وحق الشفيع يثبت بزوال ملك البائع لا ملك المشتري.
وأما على قول الصاحبين: فإن خيار المشتري لا يمنعه تملك السلعة، فتثبت